الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

كوميديا غير مقصودة


 
هشام حمادة

بقلم: هشام حمادة

في الحلقة الثالثة يتم التركيز على عواطف المشاهدين؛ حيث الأب مكلومٌ باعتقال ابنه وإحالته إلى النيابة، ويتم استهداف معنى الخطر الذي يُعرِّض له الأبناء أنفسهم بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين تجاهلاً وتناسيًا لحقيقة أن الإسلام دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتماع على الطاعات، ومنها النصيحة في الله.

 

أمام هذا المنطق للمسلسل لا يسع المشاهد لو اقتنع به إلا أن يُسفِّه سلوك الأنبياء والمرسلين المضاد لأقوامهم، وكذلك سلوك أتباعهم الصامدين من بعدهم.. وماذا يُقال حينئذٍ عن عصر الشهداء في المسيحية الذين فضلوا أن تأكلهم السباع على أن يرتدوا عن مذهبهم الذي اعتقدوا بصحته؟ لماذا لم يرحم هؤلاء الشهداء آباءهم وأمهاتهم؟ وماذا يُقال عن ملايين الشهداء في العراق والجزائر وفلسطين الذين فضلوا الموت في سبيل الله على أن يستسلموا لاحتلال أوطانهم؟ وماذا يفعل الشاب الغاضب على أحوال أمته المزرية، وبخاصة حيال أعدائها؟ وماذا يفعل الشاب إذا أراد أن يعيش على الفهم السليم للدين ووجد جماعةً تشدُّ من أزره على ذلك؟ وما معنى الجهاد من إصلاح الأوطان أو تحريرها؟ هل من المنطقي أن يدفع الوالد ولده للهلاك في طابور الخبز أو قتالاً حول أنبوبة بوتاجاز بينما يمنعه أن يُساهم في بناء وطنه من خلال دينه وتراثه، وليس من خلال مذهب غريب على أهله وبلده؟ أليست الحكومة تشتكي من سلبية الشعب تجاه أمور الانتخابات والاهتمام بالحكم والسياسة؟ أليست هذه السلبية هي ما تدعو له حوارات وكيل النيابة أو والد تيمور مع ابنه المعتقل؟ ألم يُعتقل أنور السادات في شبابه فثارت مثار افتخار في تاريخه؟ حتى جمال عبد الناصر كان يفتخر أنه اعتقل ذات مرة وهو طالب في التعليم الثانوي.. ألم يكن الضباط الأحرار أحرارًا إلا لأنهم تمردوا على سلطة ملك ظنوه فاسدًا؟ ألم تدفع شعوب أوروبا الشرقية آلاف الضحايا في سبيل تحررها من حكم استبدادي لم يرضوه؟ ماذا قد يقول والدا راشيل كوري عنها وهي التي دفعت حياتها للدفاع عن شعبٍ غريبٍ عن أهلها ودينها فقط؛ لأنها اعتقدت أنهم مظلومون؟ كيف يُقيِّم آباء كل هؤلاء تضحيات أبنائهم الآن؟ لماذا يغيب هذا المنطق الساطع في ضمائر الأمم عن حوارات المسلسل؟

 

يعود الحوار مرةً أخرى ليسأل الأب ابنه ماذا قدمت الجماعة له من إسلام لم تجده في إسلامنا؟ سؤال يبدو ملتبسًا.. فالجماعة تعلن ليل نهار أن إسلامها لا يختلف عن إسلام الملايين كعقيدة وشعائر وفكر وفقه وأحكام لكنها تقوم على صيانة ما تهدَّم من هذه الأشياء في حياة المسلمين سواء كانت أخلاقًا أو سلوكًا أو معاملات أو أحكامًا غابت واختفت أو قيمًا تلاشت.

 

إن الإخوان المسلمين لا ينشدون إسلامًا جديدًا، ولكنهم يريدون نفس الإسلام الذي عرفته عشرات الأجيال، ولكن عندما كان في أوج اكتماله وروعة بيانه وقوة حكامه وعزة شعوبه وترفع علمائه.. ولكن مرةً أخرى يغيب منطق الإخوان الذي يتكلمون به من أجل منطقٍ آخر يُراد أن يلصق بهم ويكون المضحك عندما يسأل الأب ابنه: ماذا تريد هذه الجماعة فيفاجئ بأنه لا يعرف مع أن أول ما يتلقاه مَن ينضم لدعوة الإخوان أن الدعوةَ تهدف لبناء الفرد المسلم الذي تتأسس به الأسرة المسلمة فينشأ من تكاثرها بالمجتمع مجتمعًا مسلمًا يُصلح الحكومات ويُحرر الأوطان من أجل المرحلة النهائية في إحداث الدولة العظمى المؤثرة على العالم والمنشئة للنهضة الكبرى أو ما يُسمَّى بأستاذية العالم أي صفحة أخرى مشرقة من دول الخلافة الإسلامية الكبرى، لكنها أكثر حداثةً وتطورًا بما وصل إليه الرقي البشري من تطور في التكنولوجيا والعلوم الإنسانية.

 

إن المُبتدئ في جماعة الإخوان يعلم هذه الحقائق، ولكن الرغبة تُفسد المنطق، والهوى يغلب الحكمة، وهوى المؤلف في تشويه الجماعة أقوى من قدرته على الالتزام بالموضوعية.. أمرٌ آخر يتجاهله مؤلف المسلسل فلا يتعرَّض له وهو إصرار النظام على ألا يعرض قضايا الإخوان على النيابة العامة أو القضاء الطبيعي بل يصرُّ على نيابات أمن الدولة وعلى المحاكم العسكرية.. وطبعًا لا يشير المسلسل ولا مؤلفه المغرض إلى حقيقة أن جميع قضايا الإخوان التي عُرضت من قبل على القضاء الطبيعي برئ منها أفراد الجماعة.

 

تظهر في هذه الحلقة وسط كم الشخصيات الإخوانية التي تعرَّضت للتشويه، شخصية أخرى أو ثانية بعد وكيل نيابة أمن الدولة يجهد المؤلف في وصفها بالمثالية، ويستمر في تلميعها على لسان جميع الشخصيات، وهي شخصية المستشار كساب الذي يعمل في تواضع وهمة عالية مع مزارعيه في الحقل رغم أنه على المعاش منذ سنوات، ويتكلم بجهدٍ شديدٍ كما رأينا في "برومو" المسلسل (فيلم هندي)، طبعًا ومثل شخصية وكيل النيابة يقصد بتلميع تلك الشخصية وصقلها أن يتعاطف المشاهد مع الأحكام التي سيجري بها المؤلف على ألسنتهم فيما بعد.

 

فكما يتضح من مجريات الأحداث أن الحلقات تهدف في النهاية إلى إصدار حكمٍ من خلال تلك الشخصيات المصقولة على جماعة الإخوان المسلمين، فوكيل النيابة يرفض أن يصدر رأيه أو حكمه مبكرًا على الجماعة فيذهب ليشتري الكتب التي تُؤرِّخ لهم ليتعرف عليهم، وهنا إيهام للمشاهد أن الحكم سيأتي في النهاية منطقيًّا، وكأنَّ وحيد حامد قد استقرَّ يقينه واطمأنت نفسه لحقيقة أن المشاهد سينسي أنه هو صانع تلك الشخصيات الخيالية مع عدائه لجماعة الإخوان المسلمين، عداء يصل إلى حدِّ أن أمين المكتبة يقول لوكيل النيابة أننا بحاجةٍ إلى معجزة لنتخلص من الإخوان، ولا أجد أكثر مناسبةً من قوله تعالى ﴿موتوا بغيظكم﴾.

 

واستمرارًا للضبابية الإعلامية السوداء، ما يزال مؤلف المسلسل يصرُّ على الرقي البالغ الذي يتعامل به قيادات وضباط أمن الدولة مع الإخوان والتوصيات المتتالية من قائد الجهاز لضباطه بحسن المعاملة وإكرام المعتقلين حتى إنهم يختلفون إذا كانت المعاملة في جهاز أمن الدولة خمسة نجوم أم أربعة فقط.

 

منتهى الهزل وصبح الله بالخير أصدقاءنا الذين التقطوا ما بين الحياة والموت من مقلب الزبالة بجوار لاظوغلي.

 

تتواصل مشاهد السطحية عندما يصافح عبد الحميد يونس مرشد الإخوان فيرفع الأخير يده في صورةٍ هزلية تجاه وجه عبد الحميد ليقبلها، وأعود لأسأل مؤلف المسلسل: إلى أي حدٍّ تستخف بعقول المصريين الذين يعيشون مع الإخوان في كل حارةٍ وزقاق؟!!.. أغلب ظني أن نتائج هذا المسلسل ستكون عكس أهواء من خططوا له وتبنوا إخراجه، فالمسلسل مكر سيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

 

أتوقع أنهم سيعضون على أيديهم بقسوةٍ بعد أشهر معدودة من انتهاء هذا المسلسل إن لم يدركهم بعض أذكيائهم وينصحهم بوقف عرضه فأنا لم أرَ قبل ذلك أعمال وحيد حامد بهذا التفكك واللا منطقية والمبالغات المفرطة في الهزلية حتى إنني أتساءل: إذا كانوا قد خططوا لصناعة مسلسل كوميدي من حيث اعتماده على المبالغات والتضاد الشديد بين الشخصيات.. من هذه المشاهد مشهد تحقيق مسئول جهاز أمن الدولة مع أحد المعتقلين بنفسه في قضية غسيل أموال، وقد ترك مقعد مكتبه ليجلس على كرسي قبالته يحتسون معًا قدحين من القهوة، ويبدو أنني ظلمتُ الدراما الهندية عندما وصفتُ المسلسل بها في المرة السابقة.. لكن يبقى أمامنا احتمال ما أن يكون أحد ما قد خرف عقله: الضابط أو المؤلف أو أن...

 

الحلقة الرابعة

قديمًا عرف العرب في جاهليتهم قصيدة الهجاء؛ حيث كان الشاعر يهاجم خصمه أو عدو قبيلته في قصيدة شعر يطرح فيها كل النواقص والعيوب ما كان فيه منها أو ما ليس فيه.

 

المهم أن تشيع الأوصاف القبيحة عن الخصم على حسب قوة الشاعر القائل؛ ولذلك كان كبار الناس يبالغون في إكرام الشعراء النابهين ليتجنبوا أذاهم وافتراءهم.

 

ويبدو أن أجهزة الأمن قد فطنت لهذه الحيلة القديمة وبما أن الدراما حلت محل الشعبية الطاغية للشعر فقد تكلف وحيد حامد في صياغة دراما جديدة يمكن أن نسميها الدراما الهجائية؛ حيث تحشد العيوب والمثالب بعيدًا عن الصدق والموضوعية وباستثمار التلفيق حيث يقوم باختلاق قصص ذات دلالات خطيرة على الرغم من ادعاء تاريخية المسلسل، وذكر العديد من المراجع المطبوعة على تتراته، ومن هنا تأتي خطورة التلفيق والدس وتتأكد المؤامرة غير الفنية من وراء إخراج هذا المسلسل، ولكن كيف حدث هذا في الحلقة الرابعة؟

 

كالعادة تحمل هذه الحلقة هجومًا مباشرًا وحادًّا على جماعة الإخوان المسلمين وأحكامًا خطيرةً وحاسمةً ضدهم من قبل أن يبدأ السرد التاريخي الذي سيقوم به المستشار كساب لأشرف هلال وكيل نيابة أمن الدولة الذي يبحث عن حقيقة جماعة الإخوان، فالمسلسل يضع أحكامًا نهائيةً على الجماعة منذ البداية ومن قبل أن يبدأ السرد الذي سيقوم به المستشار كساب كراوٍ للحكاية وبصرف النظر عن غلظة الاتهامات بدون دليل فإن هذا يضعف حبكة القصة والبناء الدرامي لها، كما يفقدها عنصر الإثارة والتشويق، وكما ذكرت من قبل أن وحيد حامد تنازل عن حرفيته مقابل أداء المهمة وإنجاز المفروض.

 

المستشار المتقاعد، والذي نعلم الآن أنه كان من أعضاء الإخوان قديمًا، وهذا سبب أدعى ليصدقه المشاهد في أحكامه عليهم أو هكذا خطط المؤلف، يسأله أشرف هلال لماذا ينضم قضاة ومهندسون وأساتذة جامعة لجماعةٍ يعلمون أنها محظورة وتتصادم مع الدولة؟ وتخيلوا ماذا كانت الإجابة؟ يقول له إن أغلب أعضاء الجماعة لا يعرفون أهدافها!!!... سبب مقنع فعلاً لإقبال الناس على جماعة مجهولة الأهداف، ويزيده المستشار كساب بقوله إنه حتى زعماء الجماعة لا يعرفون عنها!!!... هكذا. إذن.. والمفترض الآن أن يسارع المشاهد حسب ظن وحيد حامد إلى أن يوقن أن هذه الجماعة تديرها يد خفية من مكان خفي.. لا أستبعد مفاجأة أكبر في الحلقات القادمة عندما يكشف لنا الكاتب عن علاقة التوأمة بين الجماعة و"إسرائيل".. لا تظنني أيها القارئ الكريم أنني أشطح بخيالي نحو نوايا المؤلف، فأنا حقيقةً لا أمزح، ففي نفس الحلقة وعندما تخبر حفيدة المستشار جدها عن خبر طرد أشرف هلال للخادمة لأنها تنقبت وترفض رفع النقاب في وجود أشرف بك يضرب الجد كفيه وهو يقول البلد تُسرق، وعندما تستفسر منه الحفيدة عن كيفية سرقة البلد يقول لها إن الإخوان يريدون أن تعود مصر إلى عهد البداوة ليسهلوا سرقة البلد.. ترى لمَن يُسهِّل الإخوان سرقة البلد؟!! أو السؤال بمعنى أدق: مَن بالفعل سرق البلد؟ ولصالح مَن؟ المهم أن الشعب المصري يعرف الإجابة.. ويبقى كلام شخصيات المسلسل يلقي اتهامات خطيرة تذكرنا بالمثل القائل "رمتني بدائها وانسلتِ"؟

 

ومن أجل الوصول لهذه النتيجة فإن المؤلف يقوم بتركيب مشهدين متتاليين.. المشهد الأول هو مشهد الخادمة التي تأبى خلع النقاب فتطرد من المنزل ويقطع رزقها في مشهد تراجيدي موحٍ بسبب من فرضوا عليها ارتداء النقاب (ملحوظة: الإخوان لا يرون فرضية النقاب ولا ينكرونه).

 

ثم يأتي بعد هذا المشهد المؤثر مباشرةً مشهد التحقيق مع قيادي الإخوان بهجت السواح بتهمة غسيل الأموال (طبعًا في إشارةٍ لخيرت الشاطر)، وحيث يوجه له مسئول أمن الدولة تهمة إدارة متاجر لبيع ملابس المحجبات لصالح تمويل الجماعة مع مشروعاتٍ أخرى. هنا نتيقن من السبب في قطع رزق الخادمة إن جاز التعبير.

 

تلفيق آخر يتم بخبثٍ شديدٍ في نفس الحلقة إذ تلفق قصة مختلقة تمامًا عن طفولة الشيخ حسن البنا وكيف أنه حوَّل لعبة عسكر وحرامية إلى لعبة كفار ومؤمنين، وأنه لما رفض جميع الأطفال أن يكونوا في فريق الكفار قرر أن يحدد مَن الكافر بنفسه، ثم تلا ذلك أن ضرب مَن وصفهم بالكفر إلى حدِّ أن أصابهم وجرحهم، ولما سأله والده عن ذلك قال إنه توهم أنهم كفار فعلاً مع حماسته في اللعب.

 

وهنا يأتي التلفيق الخبيث ليشير إلى رغبة البنا الدفينة في أن يتوهم كفارًا من حوله ليقاتلهم في إشارةٍ إلى المستقبل المنتظر والفكر الذي سيولد تكفيريًّا كما أراد أن يوحي المؤلف.

 

ومن هنا تأتي نصيحة والد أحد الأطفال المضروبين لوالد الطفل حسن البنا أن يلاحظ سلوك ابنه لأنه متشدد.

 

المضحك في مسلسل وحيد (التاريخي) أنه لما سرد قصة التمثال الخشبي العاري الذي أغضب الطفل حسن البنا فلجأ لمأمور القسم ليزيله, جعل كلاًّ من الشخصيتين؛ راويها المستشار وسامعها وكيل النيابة يتشككان فيها في حوار ليس بقصير على اعتبار أن راويها هو حسن البنا بنفسه في مذكراته ولا يوجد شاهد عليها، أما القصة التي لفقها وحيد حامد عن ميول البنا التكفيرية ورغباته الوحشية فجاءت كأنها حقيقة تاريخية موثقة لم يرتق لها الشك.. ألم أقل بأن المؤلف قد اقتبس آليات قصيدة الهجاء القديمة ليصنع دراما الهجاء الجديدة من نوعها.

 

ولعله يكون من المناسب أن أُهدي للسيد وحيد حامد الأصلين: الثامن والعشرين من الأصول العشرين في فكر الشيخ حسن البنا لعله لم يكن قد طالعه عن كتابة هذا المسلسل.

 

الأصل العشرون: "لا نُكفِّر مسلمًا أقرَّ بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو بمعصية إلا إن أقرَّ بكلمة الكفر أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة أو كذَّب صريح القرآن الكريم أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحالٍ أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر".

 

الأصل الثامن: "والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظلِّ الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب".

 

الحلقة الخامسة

في الحلقة الخامسة يواصل وكيل نيابة أمن الدولة أشرف هلال رحلته أو رحلة وحيد حامد للتعرف على جماعة الإخوان المسلمين.

 

ولأن كتاب "مذكرات الدعوة والداعية" يأتي في مقدمة المراجع التاريخية التي يظهرها تتر المسلسل، ولأن المستشار المتقاعد كساب يذكر لأشرف أن المرجع الوحيد للتعرف على طفولة الشيخ حسن البنا هو كتاب مذكرات الدعوة والداعية، فنرى الكتاب في يد وكيل النيابة؛ ليتعرف على مؤسس الجماعة، ونراه مفتوحًا على فصل "في المدرسة الإعدادية"، طبعًا إظهار الكتاب على هذا النحو يعطي مصداقية لكل ما سيأتي به المؤلف من آراء حول تكوين شخصية حسن البنا في طفولته وعن أهم الملامح التي سيشير إليها المسلسل على اعتبار أن هذه المشاهد القصصية تأتي من خلال كتاب كتبه مؤسس الجماعة بنفسه، وهنا تقع الخدعة الكبرى، فإذا كان وحيد حامد قد اختلق قصةً لا أصل لها في الحلقة السابقة؛ ليظهر دموية الشيخ البنا وتوهمه بوجود الكفار وسط المسلمين فإنه هنا يقدم حيلةً أخرى ماكرة؛ حيث يعمل الدس والتحريف في إخراج النص الأصلي وفي الإضافة أو الحذف منه على تقديم صورة مشوهة لشخصية الأستاذ البنا في صباه وبحيث تظهره تلك الإضافات والتحريفات كطفلٍ مشاكس لا يحترم الكبير متجرئ على مشايخ القرية بصورة فجة ويميل إلى العمل السري الإرهابي ويمارس إرهابًا على أقرانه الصغار؛ ليحافظوا على أسراره كما يظهر ذلك في لغته التهديدية ونظراته النارية إلى الأطفال.

 

إن القارئ المنصف لمذكرات الدعوة والداعية يلمس أدبًا جمًا وترفعًا عن الصغائر وحماسة وغيرة على دين الله ورغبة في العمل التضامني والتكافل نحو خدمة الدين، لكنه لن يجد أبدًا أثرًا لشخصية فاشية أو إرهابية تجمع الأطفال بالإرهاب وليس بالثقة والمحبة والقدوة الحسنة.

 

وهنا أحب أن نقرأ معًا الجزء الخاص بجماعة منع المحرمات التي أنشأها الشيخ البنا في صباه مع بعض أصدقائه من خلال كتاب مذكرات الدعوة والداعية، ثم نرى كيف قدَّم المسلسل هذا الفصل رغم أنه لا يوجد أي مرجع آخر يقدم طفولة وصبا الأستاذ البنا سوى هذا الكتاب الذي كتبه الشيخ البنا بنفسه باعتراف وحيد حامد نفسه على لسان شخصية المستشار كساب.

 

 ومن هنا يأتي السؤال: فمن أين استقى وحيد حامد هذه الإضافات والتحريفات في النص الأصلي؟ لنقرأ قصة جمعية منع المحرمات كما كتبها الأستاذ البنا أولاً ثم نعود إلى قصتها التي كتبها وحيد حامد لنتعرف على دوافعه.

 

يكتب الأستاذ حسن البنا: "جمعية منع المحرمات"

"وكأن هذا النشاط الداخلي لم يرض رغبة هؤلاء الناشئين في العمل للإصلاح فاجتمع نفر منهم، كان من بينهم الأستاذ محمد علي بدير المدرس بالمعارف الآن، والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي الموظف بالسكة الحديدية الآن، والأستاذ سعيد بدير المهندس الآن، وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم "جمعية منع المحرمات"، وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشرة أسبوعيًّا، وكانت أعمالها موزعة على أعضائها، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات، وآخر مهنته كتابه هذه الخطابات بالحبر الزفر، وثالث مهنته طبعها، والباقون توزيعها على أصحابها، وأصحابها هم الذين تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات على وجهها، خصوصًا الصلاة، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر، ومن قصَّر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك، ومن تحلى بالذهب وصله خطاب فيه حكم التحلي بالذهب شرعًا، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوى الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرًا أو كبيرًا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل، وكان من اليسير على الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران- رحمه الله- ويقابلونه ويلومونه لومًا شديدًا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلاً من هذه الكتابة، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلى أنه صلى فريضة الظهر بين السواري- وذلك مكروه- وهو عالم البلد، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات، وأذكر أن الشيخ- رحمه الله- دعاني حينذاك- وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته- لنراجع معًا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ولا زلت أذكر الموضوع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا أبتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم، وأنهيت ذلك إلى أعضاء الجمعية فكان سرورهم به عظيمًا.

 

واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم، حتى اكتشف أمرها على يد صاحب قهوة استدعى راقصة فوصله خطاب من الجمعية، وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادًا في النفقات، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليها فيستلمها ولا يرى مَن جاء بها، ولكن المعلم كان يقظًا فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابًا شديدًا أمام مَن في القهوة، وعُرفت الجمعية عن هذا الطريق فرأى أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات"
هنا تنتهي القصة التي كتبها الشيخ البنا عن جمعية أنشأها مع شقيقه واثنين فقط من أصدقائه بتراضٍ بينهم جميعًا لعدم رضاهم بنتائج ما سبق من نشاطهم في جمعية الأخلاق الحميدة، فأنشأوا بتشاورٍ بينهم تلك الجمعية؛ لينصحوا برسائل يكتبونها بعض العصاة ممن لا تستتر معصيتهم كما رأينا في الأمثلة التي ذكرها الشيخ البنا (صلاة غير مكتملة في مسجد- تحلى بالذهب للرجال- لطم وجه من امرأة في مأتم- استدعاء راقصة في مقهى.. ) ثم تعقب الجمعية الصغيرة برسالة إلى صاحب المنكر لتبين له الحكم الشرعي فيما صنع.

 

هذا كل ما ذكره الشيخ البنا، ولكن كيف قص ذلك وحيد حامد؟ لقد جعل الاتفاق على الجماعة يقع بين مجموعة كبيرة من الأطفال داخل قارب في وسط البحيرة، وحيث كان الشيخ البنا يفرض على الأولاد الأمر ويحذرهم ويتوعدهم بلهجة حادة وحيث يبدو وهو يملي عليهم إرادته وحيث بدا الأطفال مترددين، ثم سارع بقراءة الفاتحة وحده ليعقبه طفل فآخر ثم يتوالى الجميع، ثم ينسحبون منه بعيدًا عن سطوته وهم في وسط البحيرة، وحينما يهم فرد من المجموعة بالانسحاب والتراجع نتيجة سماع درس من الشيخ زهران في أصول النهي عن المنكر يسرع خلفه حسن البنا في الطريق المظلم ليدق بيده كتف الطفل الذي ينتفض ذعرًا ثم يحذره من مغبة إفشاء السر في لهجة ومشهد يذكرك بأفلام الرعب أو أفلام العصابات.

 

لكن لماذا يلجأ وحيد حامد لهذه الإضافات وهذا التحريف والتشويه في قصة أخذها من كتاب الأستاذ البنا نفسه؟ دون شك إنها الرغبة في إلقاء ظلال الريبة والخطورة والقيادة الفاشية على شخصية الأستاذ البنا.

 

هنا يمكننا أن نتأكد كيف سيسير سرد التاريخ في مسلسل الجماعة وإلى أي حد ستكون الموضوعية والشفافية في عرض هذا التاريخ.

 

لم يعد لدى المشاهد شك بعد ذلك في أنه بصدد مسلسل دعائي صرف وليس تاريخيًّا بالمرة وأنه ينتمي لما يسمى بالدعاية السوداء.

 

حادثة أخرى يتلاعب في قصها وحيد حامد لنفس أغراضه السابقة وهي قصة إمام مسجد الجامع الصغير الذي رأى الأولاد يصلون جماعة فخشى من استنفادهم لصهريج الماء في وضوئهم فصرفهم من المسجد بالقوة فما كان من الطفل حسن البنا إلا أن كتب له خطابًا يحمل الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)﴾ (الأنعام) ليس أكثر من ذلك، وعرف الشيخ كاتبها فعاتب والده في أمر الرسالة ثم عامل الأولاد بعدها معاملة حسنة ولطيفة، لكنه اشترط على الأولاد معاونته في ملء صهريج المياه وفي جمع التبرعات للمسجد.

 

لكن كيف حرَّف وحيد حامد هذه القصة؟ لقد جعل الطفل حسن البنا يشتبك في مشاحنة كلامية مع الشيخ في المسجد، ما دفع الأخير لأن يقول له معاتبًا: إنه كان أولى بوالدك أن يعلمك كيف تحترم مَن هم أكبر منك مقامًا وسنًا وعلمًا، لكن الطفل في إنكار: والدي علمني أن أقول الحق مهما كان الأمر، وهنا يربط المؤلف قول الحق عند الإخوان بما هو عند معلمهم من عدم إكبار الناس أو إنزالهم منازلهم أو احترام الأكبر سنًا أو علمًا أو مقامًا.

 

وهنا نعرف غرض وحيد حامد من تحريف هذه القصة أيضًا وتشويهها، وهو الأمر الذي أعد له في بداية الحلقة بإبراز طالب أصول الدين من جماعة الإخوان أثناء التحقيق معه وهو يتجاهل وكيل النيابة اللطيف المهذب الصبور معه لأقصى درجة، بينما الطالب يواصل قراءة القرآن في تحدٍّ مستفز ومنكر لمقام وكيل النيابة.

 

وهكذا نتعرف على أغراض حامد في تشويه قصص مذكرات الدعوة والداعية من خلال المشاهد التي يسوقها معها في الحلقة؛ بحيث يضغط نحو معانٍ معينة ظنَّ أنها تهيل التراب على وجه الجماعة.

 

في نفس القصة يطلب إمام المسجد الصغير من حسن البنا أن يعاونه في جمع التبرعات لأجل شراء حُصر للمسجد فيعاونه مع زملائه، لكن حامد لأغراضه يجعل حسن البنا الطفل هو مَن يقترح جمع التبرعات للمسجد وينطلق نحو الناس يجمع الأموال الكثيرة، ما يدفع الشيخ زهران أن يعاتب الطفل في ذلك لأن أحدًا لا يمكن أن يحاسبه على ما يجمع أو ما يفعل به.

 

(الجزء الأخير اختلاق وافتراء تام من المؤلف)، وهنا لمز واضح وصريح ليس في شخص الشيخ حسن البنا وحده، ولكن في الجماعة ككل من بعد على أساس أن لا أحد يحاسبها فيما تجمع من أموال الناس- على حسب ادعاء وحيد حامد في تحريفاته وتشويهه للتاريخ.
إنني أتساءل: إلى أي حد يسهل تزوير التاريخ؟ وهل يسهل على الضمائر الافتراء على الحقيقة والقدرة على تشويهها بهذه الدرجة لغرض أو مرض؟ أظن أن وحيد حامد لا يهيل التراب على وجه الجماعة، ولكن هذا المسلسل هو ما سيهيل التراب طويلاً على الكثيرين


الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

الحله والطبق والملعقة شعار الناس

مظاهرة امام مجلس الوزراء
بالشوكة والملعقة والحله والطبق
احتجاج علي الارتفاع الجنوني للاسعار
ربنا يهون علي الشعب
ربنا ياخذ الظلمة
 

الاثنين، 9 أغسطس 2010

الدعاء لاخوانا في باكستان


  
السلام عليكم
 
باكستان بلد مسلم
يمر بكوارس ضخمة جدا جراء الفياضانات التي تضرر من جرائها اكثر من 15 مليون
وشرد ومات الاعداد الكثيرة قر ي كاملة تحت الماء
النساء والاطفال والعجائز والبهائم بلا مأوي
الدعاء لاخوانا والتبرع لهم هذا اقل القليل
 

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد