الخميس، 30 يونيو 2011

ذات الصواري البحرية

  • لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام ألح على عمر الفاروق في غزو البحر ، وكتب له معاوية : ( إن قرية من قرى حمص ليسمعُ بنباح كلابهم ، وصياح دجاجاتهم ) . فاحتار عمر وكتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر : ( صف لي البحر وراكبه ؛ فإن نفسي تنازعني عليه ) . فكتب عمرو : ( إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير ، ليس إلا السماء والماء ، إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين – بالنجاة – قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، وإن نجا برق ) . 


  • قرأ عمر الكتاب ثم كتب إلى معاوية : ( والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ، وبالله لمسلمٌ واحدُ أحب إلي مما حوت الروم ) . 
  • ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، وذلك بعد أن بدأ معاوية باستكمال الاستعدادت ، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه : ( لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ) . 
  • فبنى معاوية أسطولاً إسلامياً ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي فاستطاع فتح قبرص . 
  • وولى عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر فبدأ بغزو جنوب ليبيا ، ثم غزا بلاد النوبة ، بالإضافة إلى أن معاوية سيطر على الشواطىء في بلاد الشام وآسيا الصغرى ،


  •  فلما رأى الروم خسائرهم المتوالية في البر جمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً رومياً به ألف سفينة لضرب المسلمين ، فأرسل معاوية - بعد إذن عثمان - مراكب الشام بقيادة بُسر بن أرطاة ، واجتمع مع بن أبي سرح في مراكب مصر ، ومجموعها مائتا سفينة فقط ، وكانت المعركة التي يترجح أنها وقعت على شواطىء الاسكندرية ، سنة 32 للهجرة .


  • والتقى الجيشان في عرض البحر ، وطلب المسلمون من الروم : إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل ، حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ، فأبى الروم إلا الماء ، وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون ويذكرون ، وبات الروم يضربون النواقيس . 

  • بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر، وموقف المسلمين حرج، فقال القائد المسلم لصحبه: أشيروا عليَّ؟ فقالوا: انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا، فبات المسلمون يصلون ويدعون الله -عز وجل- ويذكرونه ويتهجدون، فكان لهم دوي كدوي النحل على نغمات تلاطم الأمواج بالمراكب، أما الروم فباتوا يضربون النواقيس في سفنهم، وأصبح القوم، وأراد قسطنطين أن يسرع في القتال،

  •  ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماما بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة رائعة:

  •  فقد اتفقوا على أن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، فكيف تم للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون أو رجال الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها، فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن الكريم، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر.

  • وبدأ الروم القتال، فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا: بل الماء الماء، وانقضوا على سفن المسلمين بدافع الأمل بالنصر، مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة الأسطول الإسلامي، فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق, وكان قاسيا على الطرفين، وسالت الدماء غزيرة اصطبغت بها صفحة الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه, وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل من المسلمين الكثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، حتى وصف المؤرخ البيزنطي (ثيوفانس) هذه المعركة بأنها كانت يرموكا ثانيا على الروم.

  •  ووصفها الطبري بقوله: إن الدم كان غالبا في الماء في هذه المعركة، حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد المسلم عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين دون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه.

  • وصمد المسلمون رغم كل شيء، وصبروا كعادتهم في معاركهم، فكتب الله -عز وجل- لهم النصر بما صبروا، واندحر ما تبقى من الأسطول الرومي، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي المسلمين -كما ذكر ابن عبد الحكم- لكنه تمكن من الفرار لما رأى قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها الأمواج إلى الساحل. لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة يغرق قطعة بعد قطعة، ففر مدبرا والجراحات في جسمه، والحسرة تأكل فؤاده، يجر خيبة وفشلا، فوصل جزيرة صقلية، وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب.



  • ولما صلى المسلمون الفجر أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامسوها ، ونزل الفدائيون إلى الماء وربطوا السفن العربية بسفن الروم بحبال متينة ، وبدأ الروم القتال ، وصار قاسياً ، وسالت الدماء حتى احمرت صفحة المياه ، وترامت الجثث في الماء ، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وقتل من المسلمين الكثير ، وقتل من الروم ما لا يحصى ، وصمد المسلمون ، فكتب الله لهم النصر بما صبروا ، واندحر الروم ، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين ، لكنه فر مدبراً والجراحات في جسمه حتى وصل جزيرة صقلية ، فسأله أهلها عن أمره ، فأخبرهم فقتلوه حنقاً عليه.

  • والصواري جمع صار ، وهي الخشبة المعترضة وسط السفينة ، وسميت المعركة كذلك لكثرة صواري المراكب واجتماعتها ، أو لكثرة ساريات السفن التي التحمت في القتال في ذلك اليوم (1200 سفينة عربية ورومية ) .




الثلاثاء، 28 يونيو 2011

موسي بن ابي غسان


موسي بن ابي غسان


بطل حتي النهاية

**************************


سليل إحدى الأسر العربية العريقة التي تتصل ببيت الملك وقد


بدأ اسمه يلمع في ساحة القتال في عهد أبي عبد الله الصغير آخر


ملوك غرناطة، فكان قائداً لفرسان غرناطة وصاحب صولات


وجولات مظفرة على حصون العدو وحامياته ورغم الاستكانة


التي أبداها أبو عبد الله الصغير تجاه فرناندو الخامس وإيزابيلا


ملكي إسبانيا إلا أن ذلك لم يضعف عزيمة فارس غرناطة وحين


بعث فرناندو الخامس يطلب من حاكم غرناطة تسليم الحمراء كان


موسى من أشد المعارضين لتسليمها.


تجاهلته المصادر التاريخية العربية وكان حضوره في


الرواية النصرانية طاغياً كنموذج للفارس المسلم البارع النبيل


الذي يمثل البقية الباقية من روح الفروسية المسلمة في الأندلس.

وقد اهتم به المؤرخون الإسبان وتتبعوا أخباره واحتل في

كتاباتهم مكانة متميزة ومساحة واسعة.


بداية سقوط غرناطة


في عام 896ه- 1491م أطبق النصارى الحصار على غرناطة


بحراً وبراً ورابطت السفن الإسبانية في مضيق جبل طارق وعلى


مقربة من الثغور الجنوبية ولم يكن ثمة أمل في العون من


أفريقيا التي سقطت معظم ثغورها الشمالية في أيدي البرتغاليين




فضلاً عن ضعف إمارات المغرب وتفككها، وقد اشتد البلاء


والجوع بالمحاصرين داخل غرناطة ودب اليأس إلى قلوب الجند


والعامة.. وقرر أبو عبد الله الصغير أن الاستمرار في الدفاع عبث

لا جدوى منه.

إلا أن فارس غرناطة اعترض بشدة وراح يجمع الفرسان لملاقاة


الجيوش النصرانية وخرجت غرناطة كلها وراءه ونشبت بين


المسلمين والنصارى معارك دموية أبلى المسلمون فيها البلاء


الحسن، ولكن ضعف المشاة المسلمين وقلة العتاد ونقص المؤن


أدى إلى انهيار صفوفهم وتقهقرهم إلى داخل غرناطة. وألفى


موسى نفسه وحيداً في ميدان المعركة وليس من حوله إلا قلة

مخلصة، فاضطر إلى أن يرتد إلى المدينة وهو في قمة الغضب

والحنق.




أوصد المسلمون أبواب غرناطة واحتموا بأسوارها في يأس وقلق


وهم يرون شبح النهاية ماثلاً أمام عيونهم وكان قد مضى على


الحصار حوالى سبعة أشهر وهم يغالبون الأهوال وقد جاءت آخر


معاركهم لتبدد الأمل في الخلاص والنصر واشتد الجوع والمرض والحرمان.


اتفق الجميع في غرناطة على التسليم إلا صوتاً واحداً ارتفع


بالاعتراض على القرار وحاول أن يبعث بكلماته الملتهبة


الحماسة في النفوس وكان صاحبه هو موسى بن أبي الغسان


الذي رددت أرجاء غرناطة كلماته الملتهبة: "لنقاتل العدو حتى


آخر نسمة وإنه خير لي أن أحصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن


غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها".


أرسل إلى فرديناند قائلاً له 'إذا أردت أسلحة المسلمين فلتأت


لأخذها بنفسك ولكن الأحداث كانت أكبر من كل الكلمات


والحصار كان سيد الموقف وهكذا ضاعت صيحة ابن أبى الغسان

في الفضاء.



أرسل فرناندو الثالث وإيزابيلا رسالة إلي الملك عبد



الله الصغير يطلبان فيها أن يسلم غرناطة لهما على أن



يضمنوا له ولقومه ولجيشه الأمان وفي مقابل أكثر من


سبعين شرطا يضمن له فيها البقاء.



كان من بين هذه الضمانات وتلك الشروط أن تُترك



المساجد ولا تُدخل الديار ويُطلق الأسرى، وتُؤمّن



الأعراض والأموال ويوضع عبد الله بن الصغير كأحد


الوزراء المعاونين لملك أسبانيا.




كان قد فهم مغزى الرسالة السابقة موسى بن أبي




غسّان الرجل الذي قاد الانتفاضة في بلاد غرناطة





وعلم أنها محاولة لوقف الانتفاضة، ووقف الدفاع عن




البلاد، ووقف الحميّة للجهاد ووقف حميّة الناس


للموت في سبيل الله، لكن محمد الصغير لم يفهم هذا



المغزى، فوافق على هذه الشروط وذلك بعد أن وجد


فيها حلا مناسبا للخروج من المأزق الذي هو فيه إذ

كان يرفض الجهاد ويرفض الحرب ويريد أن يبقى

حيا حتى وإن ظل ذليلا

من هنا وافق الصغير على هذه المعاهدة، إلا أنه وخوفا


من الخيانة المعهودة وحرصا على حياة أبدية


وسرمدية، ونجاة بنفسه من نهاية لا يحمد عقباها


اشترط لنفسه شرطين هماأولا أن يقوم فرناندو وإيزابيلا بالقسم على هذه

العهود، فاستُجيب له وأقسما الملكان له



ثانيا أن تحكم في هذه المعاهدة هيئة معينة، تضمن


تطبيقها بالصورة السليمة، وبعد أن نظر في دول


العالم لم يجد من يحترم ملك أسبانيا رأيه إلا البابا في


إيطاليا، فألزم أن يوقّع البابا على هذه المعاهدة ولا


ضير، فوقّع البابا عليها



وبعدها اتجه الصغير ليسلم مفاتيح مدينة غرناطة




عبد الله الصغير اخر ملوك الاندلس



ويوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه



الأمان كما ذكروا وذلك بعد أن وقّع له بابا روما



وأقسم على هذه العهود فرناندو وإيزابيلا.





دخول إيزابيلا وفرديناند إلى غرناطة عشية سقوطها



وعندما رأى موسى بن أبي الغسان أن محاولاته ذهبت




أدراج الرياح نهض مغضبًا ثم قال لهم مقولته الشهيرة.



(لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون



بعهدهم ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم إن الموت أقل ما



نخشى فأمامنا نهب مدننا وتدميرها تدنيس مساجدنا



وتخريب بيوتنا وهتك نسائنا وبناتنا وأمامنا الجور



الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والأغلال وأمامنا



السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعاني من



مصائب وعسف وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك



النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف أما


أنا فوالله لن أراه) .


استشهاد البطل


خرج موسى غاضبًا من مجلس المهانة والضعف والخور دون أن


يرمق أحدًا أو يفوه بكلمة ثم ذهب إلى داره وغطى نفسه بسلاحه


واقتعد جواده واخترق شوارع غرناطة حتى خرج منها إلى


معسكر الجيش الصليبي فلقيته سرية منهم مكونة من خمسة


عشر فارسًا على ضفة نهر شنيل فانقض موسى عليهم كالأسد


وأخذ يمضي فيهم طعنًا وضربًا وأثخنته الجراح ولكنه استمر في


القتال كأنه ما يشعر بالألم جراحاته،كثيرة وكانت ضرباته ثائرة


قاتلة، وهكذا لبث يبطش بالفرسان الصليبيين حتى أفنى معظمهم


غير أنه أصيب في النهاية بجرح خطير ثم قتل جواده فسقط على


الأرض، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يناضل عن


نفسه حتى الرمق الأخير، ولم يرد أن يقع أسيرًا في يد خصمه بل


رضي بالشهادة والقتال حتى مات رحمه الله .




تحققت كلمات البطل الشهيد وغدر الاعداء بعهودهم


التي لم تكن في الواقع حسبما أيدت الحوادث فيما بعد سوى


ستار للغدر والخيانة؛ فقد تم نقض كل هذه الشروط، وأُجبر


المسلمون بعد سقوط غرناطة على الهجرة خارج البلاد 
والتنصر.



تعميد نساء المسلمين جبراً بعد سقوط غرناطة


امتطى ابو عبدالله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر


الحمراء الشهير في يوم بارد من ايام يناير 1492م. علت وجه



أبي عبدالله سحابة كثيرة من الحزن وخيم على الركب الصغير


صمت طويل ينبئ عما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد.

سار ابو عبدالله تتبعه امه وبعض من اهله وصحبه في ذلك

الطريق الملتوي الطويل الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها

متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الابد.



قصر الحمراء

كانت الشمس قد آذنت بالغروب واخذت تعكس باشعتها الذهبية

على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة

فتضفي عليه سحراً وجاذبية.

توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي

غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع اخيرة على

مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير.. تسارعت في ذهن

أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في

صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الفناء الواسعة كان ابو

عبدالله يعرف ان تلك الوقفة سوف تكون الاخيرة وان تلك النظرة

ستكون النهائية اذ ليس يأمل ابداً بأن يرى مدينته المحبوبة

ثانية، تمنى ابو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع ان

يملأ عينيه بتلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات

الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على

عينيه وإذا بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً ان يخفيه عن

نظرات امه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب.

إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً***لم تحافظ عليه مثل الرجال



إحراق الكتب العربية العلمية من هواة الدومينيكان النصارى في الأندلس



وحين وصل الي المغرب اعتقله ملكها بتهمة الخيانة لبلاد

المسلمين ثم وضعه في سجنه .

وتروي بعض الروايات ان اولاده شوهدوا بعد ذالك بسنين

يشحذون في طرقات المغرب .

فلعنة الله على هذا الذُلّ ولعنة الله على هذا التَرْك للجهاد اللذَيْن

يوصلان إلى هذا المثوى وتلك المنزلة

وما كان من أمر، فقد اندثرت حضارة ما عرفت أوروبا مثلها

من قبل إنها حضارة الدنيا والدين، وقد انطوت صفحة

عريضة خسر العالم أجمع بسببها الكثير والكثير وقد ارتفع علم

النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب وأفل وإلى الآن نجم

دولة الإسلام في بلاد الأندلس

وليت شعري أين موسى بن نصير؟ أين طارق بن زياد؟ أين

يوسف بن تاشفين؟ أين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن

الناصر؟ أين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ أين يعقوب

المنصورالمُوَحدي؟ أين يعقوب المنصور الماريني؟ أين كل

هؤلاء؟ غابوا وانقطعت آثارهم وإمداداتهم ولا حول ولا قوة إلاّ بالله


لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ ***** إن كان في القلب إسلامٌ وايمان

*******************************

مصادر

الاندلس من الفتح الي السقوط - راغب السرجاني

محاضرات الدكتور راغب السرجاني سلسلة الاندلس

ويكبيديا الموسوعة الحرة

جريدة الشرق الاوسط
دولة الا سلام في الاندلس - عبد الله عنان

الأحد، 26 يونيو 2011

عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)

انتباه، فتح في نافذة جديدة. 
د. راغب السرجاني
انتهى عهد الولاة والأندلس في حالة من الفوضى والدمار، وتحديدًا في الفترة الثانية من عهد الولاة، وظن البعض أن الإسلام انتهى من الأندلس، ولكنَّ رحمة الله ظهرت بظهور رجلٍ أعاد للإسلام مكانته مرة ثانية، وذلك الرجل هو عبد الرحمن الداخل. ولكن من هو عبد الرحمن الداخل؟ ولماذا كان له كل هذه الشهرة؟

كان عبد الرحمن الداخل من الأمويين الذين فروا من بطش العباسيين، وقرر أن يذهب إلى الأندلس ليبدأ في تأسيس دولته، فراسل كل الأمويين ومحبي الدولة الأموية في كل مكان يعرض عليهم فكرته، وبدأ يستعد لدخول الأندلس، ولقد واجهت عبد الرحمن الداخل صعوبات في تأسيس دولته كأي دولة ناشئة، فتعرضت الدولة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير منالثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعه.

وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يجوز لعبد الرحمن الدَّاخِل أن يقاتل الثائرين، وإن كانوا من المسلمين؟!

وحقيقة الأمر أن موقفه هذا في قتال الثائرين داخل أرض الأندلس لا غبار عليه؛ لأن الجميع كانوا قد اتفقوا عليه أميرًا للبلاد، وقد جاءفي صحيح مسلم عن عَرْفَجَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ -أي مجتمع -عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ".

ومن الثورات التي واجهت عبد الرحمن الداخل ثورة العلاء بن مغيث الحضرمي الذي أرسله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كي يقتل عبد الرحمن بن معاوية، لكن عبد الرحمن الداخل انتصر عليه، ومن هنا سماه الخليفة العباسي صقر قريش، وكانت هذه الحروب بين العباسيين والأمويين بسبب قيام العباسيين بقتل الأمويين في بداية تأسيس الخلافة العباسية، وكان من المفترض أن يقوم العباسيون بالاستفادة من الأمويين في خدمة الإسلام بدلاً من القيام بقتلهم، وإحداث الفرقة بين صفوف المسلمين.

ولكن ما سبب نجاح عبد الرحمن الداخل في بناء دولته؟ يرجع السبب في ذلك إلى الاهتمام بإنشاء جيش قوي لكي يكون قادرًا على الجهاد، والاهتمام بالعلم والعلماء، والاهتمام بالحضارة المادية، وفكره العسكري الذي تعلمه، إضافة إلى أخلاقه العالية؛ ولذلك قال عنه المؤرخون: "لولا عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل لانتهى الإسلام من الأندلس بالكلية". وقد عاش حياته كلها مجاهدًا، وتُوُفِّي بقرطبة، ودفن بها في جمادى الأولىسنة 172هـ/ أكتوبر 788م.

أصبح أمر الأندلس يحتاج في إصلاحه إلى معجزة إلهية، وبالفعل حدثت المعجزة بفضل من الله ومَنٍّ وكرمٍ منه على المسلمين، وذلك بدخول رجل يدعى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي إلى أرض الأندلس، وذلك في شهر ذي الحجة من سنة 138 هـ= مايو 756 م.

قصة عبد الرحمن الداخل (113- 172هـ)

لكي نفهم قصة دخول عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك إلى أرض الأندلس، نعود إلى الوراء قليلًا حتى سنة 132 هـ= 750م وهو زمن سقوط بني أمية، فقد أعمل العباسيون السيوف قتلًا وتنكيلًا لكل من كان مؤهلًا من الأمويين لتولّي الخلافة، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء وأبناء أبناء الأمراء (الأحفاد) إلا قلّة ممن لم تصل إليهم سيوفُهم.
كان عبد الرحمن بن معاوية حفيدَ هشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة 105 هـ= 723م إلى سنة 125 هـ= 743 م
نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلا للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر في نفسه أثرًا إيجابياً، ظهرت ثماره فيما بعد، حتى إذا أقبل ريعان شبابه انقلب العباسيون على الأمويين، وأعملوا فيهم السيف، وقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلا للإمارة حتى لا يفكر فيها أحد، ولا يسلبها منهم أحد، فكانوا يقتلون كل من بلغ من البيت الأموي، ولا يقتلون النساء والأطفال، وكان هذا في سنة 132 هـ، وفي العراق كان عبد الرحمن بن معاوية يجلس في بيته إذ دخل عليه ابنه ابن الأربع سنين يبكي فزعًا، وكان عبد الرحمن بن معاوية مريضا معتزلًا في الظلام في ركن من البيت من أثر رمد في عينه، فأخذ يسكّن الطفل بما يسكن به الأطفال إلا أن الطفل ظلّ فزعًا مرعوبًا لم يسكن، فقام معه عبد الرحمن بن معاوية فوجد الرايات السود خارج البيت (رايات الدولة العباسية)، وكانت تعمّ القرية جميعها، فعلم أنّه مطلوب، رجع عبد الرحمن بن معاوية وأخذ أخاه الوليد بن معاوية وما معه من نقود، وترك النساء والأطفال وكل شيء؛ لأن العباسيين لم يكونوا يقتلون النساء ولا الأطفال، ولكنهم كانوا يقتلون كل من بلغ وكان مؤهلًا للخلافة، ثم خرج عبد الرحمن هاربًا نحو الفرات، وعند الفرات وجد عبد الرحمن بن معاوية وأخوه القوات العباسية تحاصر النهر، فألقيا بأنفسهما فيه وأخذا يسبحان، ومن بعيد ناداهما العباسيون أن ارجعا ولكما الأمان، حينها كان الوليد بن معاوية أخو عبد الرحمن بن معاوية قد أُجهد من السباحة، فأراد أن يعود، فناداه أخوه الأكبر أن لا تعد يا أخي وإلا فإنهم سوف يقتلونك، فردّ عليه إنهم قد أعطونا الأمان، ثم عاد راجعًا إليهم، فما أن أمسك به العباسيون حتى أن قتلوه أمام عين أخيه، عَبَر عبد الرحمن بن معاوية النهر وهو لا يستطيع أن يتكلم أو يفكر من شدة الحزن على أخيه ابن الثالثة عشرة، ثم يَمّم جهة بلاد المغرب لأن أمّه كانت من قبيلة من قبائل البربر، فهرب إلى أخواله هناك، في قصة هروب طويلة جدًا وعجيبة أيضًا عبر فيها الحجاز ومصر وليبيا والقيروان...
وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة فقط، وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كلّه وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقلّ بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، ولأنه كانت هناك كراهية شديدة جدًا بين الخوارج والأمويين (حيث إن الخوارج لم يرضوا ارتضاء سيدنا علي رضي الله عنه بتحكيم كتاب الله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان الأموي رضي الله عنه في موقعة صفين، ومن ثَمّ فقد خرجوا عليه وسُمُّوا من بعدها بالخوارج، ومن حينها وهم يبغضون الأمويين) فقد كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه، فهرب من جديد إلى برقه (في ليبيا)، وظل مختبئًا فيها عند بعض أخواله هناك طيلة أربع سنوات كاملة، حتى سنة 136 هـ= 754 م وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة، وظل عبد الرحمن بن معاوية يفكر في أمره، أيظهر فيُقتل أم يظل مختبئا طوال العمر؟! ففي أي قطر من بلاد المسلمين هو مطلوب الرأس، ففي الشام في بلاد المشرق الإسلامي مطلوب من العباسيين، وفي الشمال الإفريقي في بلاد المغرب الإسلامي مطلوب من الخوارج، فهل يظل مختبئًا طوال حياته وهو سليل الأمراء والخلفاء؟! أو هل يظل مختبئًا في مكانه والأمويون في كل مكان يُقتلون ويُذَبحون؟! أم يحاول أن يقيم للأمويين مجدًا من جديد؟!
وهنا جال بخاطره أن يذهب إلى الأندلس، وقد كانت الأندلس أصلح البلدان لاستقباله وذلك لأنها أولًا: أبعد الأماكن عن العباسيين والخوارج، ثانيًا: لأن الوضع في الأندلس ملتهب جدًا، وذلك على نحو ما ذكرنا في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري وفي نهاية الفترة الثانية من عهد الولاة؛ ففي هذا الجوّ يستطيع عبد الرحمن بن معاوية أن يدخل هذه البلاد؛ ولو كانت تابعة للخلافة العباسية ما استطاع أن يدخلها، كما أنها لو كانت على فكر الخوارج ما استطاع أيضا أن يدخلها؛ فكانت الأندلس أنسب البلاد له على وعورتها واحتدام الثورات فيها.

عبد الرحمن بن معاوية ودخول الأندلس

في سنة سنة 136 هـ= 753 م بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعدّ العدة لدخول الأندلس، فعمل على الآتي:
أولًا: أرسل مولاه بدر إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها.
ثانيًا: راسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلس بعد أن علِمَهم من مولاه بدر، والحق أن كثيرًا من الناس في عهد الدولة الأموية وفي غيرها كانوا يحبون الأمويين كثيرًا، فمنذ ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على الشام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمسلمون في أقطار الدولة الإسلامية يحبون بني أمية حبًا شديدًا، فقد اشتهر بنو أمية على مرّ العصور بالسخاء الشديد والسياسة والحكمة، واكتساب ثقة الناس وحسن معاملتهم، والجهاد في سبيل الله ونشر الدين وفتح البلاد، فكان لبني أمية داخل بلاد الأندلس الكثير من المريدين والكثير من المحبين حتى من غير بني أمية من القبائل الأخرى المختلفة.
ثالثًا: في ذكاءٍ شديد وحرصٍ أشدّ راسل عبد الرحمن بن معاوية البربر، يطلب معونتهم ومساعدتهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديدٍِ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرّق بينهم وبين العرب، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.
رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن التي هربوا إليها يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم.
وبالفعل بدأ في تجميع الأعوان، واستغرق ذلك عامين حتى قدم عليه رسول من عند مولاه بدر سنة 138هـ= 755 م يقول له إن الوضع قد تجهّز لاستقبالك هناك، وحينما سأله عن اسمه فقال: غالب التميمي، فردّ مؤملا مستبشرًا بهذا الاسم: الحمد لله، غلبنا وتم أمرنا. وبدأ يعدّ العدّة ويجهّز السفينة التي أخذته منفردًا إلى بلاد الأندلس.

عبد الرحمن الداخل في الأندلس

نزل عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله على ساحل الأندلس بمفرده، واستقبله هناك مولاه بدر، ثم انطلق معه إلى "قرطبة"، كان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورة من الثورات، ذلك الوقت الذي قال عنه المؤرخون - كما ذكرنا -: كاد الإسلام أن ينتهي من بلاد الأندلس في عام ثمانية وثلاثين ومائة.
ويدخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس ويبدأ في تجميع الناس من حوله، محبّي الدولة الأموية، والبربر، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، وقد جاء بعض الأمويين من بقاع الأرض المختلفة، ومع ذلك لم يجد العدد كافيًا والذي يستطيع به أن يغيّر من الأوضاع.
فكّر عبد الرحمن بن معاوية في اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري الحجازي رغم كونه أيضًا من الحجاز، لكنهم رأوا أنهم ليس لهم طاقة بيوسف بن عبد الرحمن الفهري، فقبلوا أن يتّحدوا مع عبد الرحمن بن معاوية.
كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقرّ الرئيسي لهم أشبيلية، وهي المدينة الكبيرة التي تعدّ حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى إشبيلية واجتمع طويلًا مع أبي الصباح اليحصبي، واتفقا على أن يقاتلا سويًا ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهري.
قبل القتال كان عبد الرحمن بن معاوية قد أرسل عدة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب ودّه وأن يسلم له الإمارة ويكون الفهري رجلًا من رجاله في بلاد الأندلس، بحكم أنه (عبد الرحمن) حفيد هشام بن عبد الملك من رموز الخلافة الأموية، لكن يوسف الفهري رفض كل ذلك، وجهز جيشًا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومن معه.

موقعة المسَارة

من المؤسف حقًا أن يلتقي المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات وكثرة الفتن والانقلابات جعلت الحلّ العسكري هو الحلّ الحتمي في ذلك الوقت.
ففي ذي الحجّة سنة 138 هـ= مايو 756 م وفي موقعة كبيرة عُرفت في التاريخ باسم موقعة المسارة أو المصارة، دار قتال شرس بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري من جهة وعبد الرحمن بن معاوية الذي يعتمد بالأساس على اليمنيين من جهة أخرى.
وقبل القتال كان أبو الصباح اليحصبي (رئيس اليمنيين) قد سمع بعض المقولات من اليمنيين تقول: إن عبد الرحمن بن معاوية غريب عن البلاد، ثم إن معه فرس عظيم أشهب، فإن حدثت هزيمة فسيهرب من ساحة القتال ويتركنا وحدنا للفهريين.
وصلت عبد الرحمن بن معاوية تلك المقولة، فقام وفي ذكاءٍ شديد يفوق سن الخامسة والعشرين وذهب بنفسه إلى أبي الصباح اليحصبي وقال له: إن جوادي هذا سريع الحركة ولا يمكّنني من الرمي، فإن أردت أن تأخذه وتعطيَني بغلتك فعلت، فأعطاه الجواد السريع وأخذ منه البغلة يقاتل عليها، حينئذ قال اليمنيون: إن هذا ليس بمسلك رجل يريد الهرب، إنما هو مسلك من يريد الموت في ساحة المعركة، فبقوا معه وقاتلوا قتالًا شديدًا، ودارت معركة قوية جدًا، انتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية، وفَرّ يوسف الفهري.
عبد الرحمن الداخل وأمارات نجابة وعلم وذكاء
كان عادة المحاربين في ذلك الزمن أن يتبع الجيشُ المنتصرُ فلول المنهزمين والفارّين، ليقتلوهم ويقضوا عليهم، ومن ثَمّ على ثورتهم، وحين بدأ اليمنيون يجهّزون أنفسَهم ليتتبعوا جيش يوسف الفهري منعهم عبد الرحمن بن معاوية وقال لهم قولةً ظلّت تتردد في أصداء التاريخ، أمارةً على علم ونبوغ، وفهم صحيح وفكر صائب في تقدير الأمور، قال لهم:
لا تتّبعوهم، اتركوهم، لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم.
يريد رحمه الله أن هؤلاء الذين يقاتلوننا اليوم سيصبحون غدًا من جنودنا، ومن ثَمّ عونًا على أعدائنا من النصارى وغيرهم في ليون وفرنسا وغيرها. فهكذا رحمه الله كان ذو نظرة واسعة جدًا تشمل كل بلاد الأندلس، بل تشمل كل أوروبا، بل إني أراه بذلك التفكير يستطيع أن يعيد ملك الشام بعد ذلك أيضًا إلى أملاك الأمويين، وذلك لما يلي:
أولًا: ليس في قلبه غلّ ولا حقد على من كان حريصًا على قتله منذ ساعاتٍ قليلة.
ثانيا: الفهم العميق للعدو الحقيقي وهو النصارى في الشمال.
ثالثا: رغم كونه لم يتجاوز الخامسة والعشرين إلا إنه كان يمتلك فهمًا واعيًا وإدراكًا صحيحًا، وفقهًا وعلمًا وسعة اطلاع، علم به أنه إن جاز له شرعًا أن يقاتلهم لتجميع المسلمين حول راية واحدة، فهو في ذات الوقت لا يجوز له شرعًا أن يتتبعهم، أو أن يقتل الفارّين منهم، ولا أن يُجْهِزَ على جريحهم، ولا أن يقتل أسيرهم، لأن حكمهم حكم الباغين في الإسلام وليس حكم المشركين، وحكم الباغي في الإسلام أنه لا يتتبع الفارّ منهم، ولا يُقتل أسيره، ولا يجهز على جريحه، بل ولا تؤخذ منه الغنائم.
بين عبد الرحمن الداخل وأبي الصباح اليحصبي
بعد انتهاء موقعة المسارة قام أبو الصباح اليحصبي في اليمنيين وقال لهم: لقد انتصرنا على عبد الرحمن الفهري وجاء وقت النصر على غيره، يُعرّض بعبد الرحمن بن معاوية، هذا الذي كان يقاتل معه منذ ساعات، ويرى أنه إن انتصر عليه وقتله (عبد الرحمن الداخل)دانت لهم بلاد الأندلس كلها.
لكن اليمنيين لم يوافقوه على ذلك؛ ليس حبًا في عبد الرحمن الداخل وإنما خوفًا منه، فقالوا له: إن هذا الرجل ليس بالسهل. وتصل هذه الأنباء إلى عبد الرحمن بن معاوية، فما كان منه إلا أن أسرّها في نفسه، ولم يُبْدها لهم، ولم يُعلمهم أنه يعلم بما يضمرونه له، لكنه أصبح على حذرٍ شديدٍ من أبي الصباح اليحصبي.
لم يرد عبد الرحمن بن معاوية أن يحدث خللًا في الصفّ المسلم في هذه الأوقات، لم يرد أن يحدث خللًا بين الأمويين ومحبي الدولة الأموية وبين اليمنيين في ذلك الوقت المليء بالثورات والمعارك الداخلية، إنما كان كل همّه هو تجميع الناس ثم حرب النصارى بعد ذلك، وبالفعل وهناك وبعد إحدى عشرة سنة من هذه الأحداث عزل أبا الصباح اليحصبي عن مكانه، واستطاع أن يتملك زمام الأمور كلها في الأندلس.

عبد الرحمن الداخل وبداية فترة الإمارة الأموية

بعد موقعة المسارة والسيطرة على منطقة قرطبة والجنوب الأندلسي لُقّب عبد الرحمن بن معاوية بعبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكمًا، كما كان له كثير من الأيادي البيضاء على الإسلام في بلاد الأندلس كما سنرى.
ومنذ أن تولّى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة 138هـ= 755 م وتنتهي سنة 316 هـ 928 م وسميت "إمارة" لأنها أصبحت منفصلة عن الخلافة الإسلامية، سواء كانت في عصر الخلافة العباسية أو ما تلاها بعد ذلك من العصور إلى آخر عهود الأندلس.
بدأ عبد الرحمن الداخل ينظّم الأمور في بلاد الأندلس، كانت هناك ثورات كثيرة جدًا في كل مكان من أرض الأندلس، وبصبر شديد وأناة عجيبة أخذ عبد الرحمن الداخل يروّض هذه الثورات الواحدة تلو الأخرى، وبحسب ما يتوافق معها أخذ يستميل بعضها ويحارب الأخرى.
وفي فترة حكمه التي امتدت أربعة وثلاثين عامًا متصلة، من سنة 138هـ= 755 م وحتى سنة 172 هـ= 788 م كانت قد قامت عليه أكثر من خمس وعشرين ثورة، وهو يقمعها بنجاح عجيبٍ الواحدة تلو الأخرى، ثم تركها وهي في فترة من أقوى فترات الأندلس في التاريخ بصفة عامة.

مجمل الثورات التي كانت ضد عبد الرحمن الداخل

تعرضت الدولة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير من الثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعها، ومن هذه الثورات:
ثورة القاسم بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري ورزق بن النعمان الغساني
سنة 143 هـ 760 م
يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة 143 هـ 760 م
ثورة هشام بن عروة الفهري سنة 144 هـ 761 م
ثورات تتابعت عليه من سنة 144 هـ حتى 146هـ
ثورة العلاء بن مغيث اليحصبي سنة 146 هـ 763 م
ثورة سعيد اليحصبي اليماني سنة 149 هـ 766 م
ثورة أبي الصباح حيّ بن يحيى اليحصبي سنة 149 هـ 766 م
ثورة البربر في الأندلس بزعامة شقيا بن عبد الواحد المكناسي
سنة 151 هـ 768 م
ثورة اليمانية في إشبيلية بزعامة عبد الغافر اليحصبي وحيوة بن ملامس الحضرمي
سنة 156 هـ 773 م
ثورة سليمان بن يقظان في برشلونة سنة 157 هـ 774 م
ثورة عبد الرحمن بن حبيب الفهري سنة 161 هـ 777 م
ثورة الحسين بن يحيى الأنصاري سنة 166 هـ 782 م
ثورة محمد بن يوسف الفهري سنة 168 هـ 784 م
ثورة بربر نفزة سنة 170 هـ 786 م
وثورات أخرى كثيرة قامت ضده، لكنه ما لبث أن أخمدها كلها وقضى عليها...

صقر قريش وثورة العباسيين

كانت هناك واحدة فقط من هذه الثورات الخمس والعشرين هي التي سنقف عندها؛ وذلك لأهميتها الشديدة في فهم هذا الانفصال الذي حدث للأندلس عن الخلافة العباسية، وهذه الثورة حدثت في سنة 146 هـ= 763 م، أي بعد حوالي ثمان سنوات من تولي عبد الرحمن الداخل حكم الأندلس، وقام بها رجل يُدعى العلاء بن مغيث الحضرمي.
كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (وهو الخليفة العباسي الثاني أو المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية بعد أبي العباس السفاح) قد راسل العلاء بن مغيث الحضرمي كي يقتل عبد الرحمن بن معاوية، ومن ثم يضم الأندلس إلى أملاك الخلافة العباسية.
وبالنسبة لأبي جعفر المنصور فهذا يعدّ أمرًا طبيعيًا بالنسبة له؛ إذ يريد ضم بلاد الأندلس - وهي البلد الوحيد المنشق من بلاد المسلمين - إلى حظيرة الخلافة العباسية الكبيرة، فجاء العلاء بن مغيث الحضرمي من بلاد المغرب العربي وعبر بلاد الأندلس، ثم قام بثورة ينادي فيها بدعوة العباسيين، ويرفع الراية السوداء التي أرسلها له الخليفة أبو جعفر المنصور.
لم يتوان عبد الرحمن الداخل، فقامت لذلك حرب كبيرة جدًا بين العلاء بن مغيث الحضرمي وعبد الرحمن بن معاوية، وكعادته في قمع الثورات انتصر عليه عبد الرحمن بن معاوية، ووصلت الأنباء إلى أبي جعفر المنصور، وكان في الحج بأن عبد الرحمن الداخل قد هزم جيش العلاء الحضرمي هزيمة منكرة، وأن العلاء بن مغيث الحضرمي قد قُتل.
وهنا قال أبو جعفر المنصور: قَتْلَنَا هذا البائس - يعني العلاء بن مغيث الحضرمي - يريد أنه قتله بتكليفه إياه بحرب عبد الرحمن بن معاوية، ثم قال: ما لنا في هذا الفتى من مطمع (يعني عبد الرحمن بن معاوية)، الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.
ومنذ هذه اللحظة والدولة العباسية لم تفكر لحظةً واحدة في استعادة بلاد الأندلس، بل إن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي هو الذي سمّى عبد الرحمن بن معاوية بصقر قريش وهو اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك، فقد كان أبو جعفر المنصور جالسًا مع أصحابه فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟
فقالوا له كعادة البطانة السوء: بالتأكيد هو أنت...
فقال لهم: لا.
فعدّدوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان من بني أمية
فقال أيضا: لا. ثم أجابهم قائلا: بل هو عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه. وهكذا كان أبو جعفر المنصور العباسي معجبًا جدًا بعبد الرحمن بن معاوية، وهو ما يمكن أن نسميه إعجاب اضطرار، أو هو إعجاب فرض نفسه عليه.
عبد الرحمن بن معاوية والخلافة العباسية
قضية الانفصال الطويل الذي دام بين دولة الأندلس وبين الخلافة العباسية على مرّ العصور تثير في نفوسنا وفي نفوس جميع المسلمين تساؤلات عدّة، لماذا يحاول عبد الرحمن بن معاوية الرجل الورع التقي الذي أقام دولة قوية جدًا في بلاد الأندلس، لماذا ينفصل بالكلية عن الخلافة العباسية؟!
ووقفة عادلة مع هذا الحدث وتحليله واستجلاء غوامضه نستطيع القول بأن الدولة العباسية قد أخطأت خطأ فاحشًا بحق الأمويين، وذلك بقتلهم وتتبعهم في البلاد بهذه الصورة الوحشية، فإذا كان الأمويين في آخر عهدهم قد فسدوا واستحقّوا الاستبدال فليكن تغييرهم، وليكن هذا الاستبدال، ولكن على نهج رسول الله صلى الله عليه و سلم.
كان من المفترض على الدولة العباسية القائمة على أنقاض الأمويين أن تحتوي هذه الطاقات الأموية، وتعمل على توظيفها لخدمة الإسلام والمسلمين، بدلًا من إجبارهم على خلق جيب من الجيوب في صقع بعيد من أصقاع البلاد الإسلامية في الأندلس أو في غيرها من بلاد المسلمين.
كان من المفترض ألا تُفْرِط الدولة العباسية في قتل المسلمين من بني أمية وهي تعلم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِءٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ. كما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ما المانع من أن تقيم الحدّ على من يستحق أن يُقتل من بني أمية ثم تترك وتستوعب الآخرين؟!
وما المانع من أن تعطي الدولة العباسية بني أمية بعضًا من الملك، مثل إمارة مدينة أو إمارة ولاية، وهؤلاء كانوا خلفاء وأبناء خلفاء؛ حتى تستوعبوهم في داخل الصف؟!
فهذا عبد الرحمن الداخل الذي نتحدث عنه يصيح في اليمنيين بعد موقعة المسارة ويقول لهم حين أرادوا أن يتتبعوا الفارين من جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري: اتركوهم لا تتبعوهم، ليضمهم إلى جيشه بعد ذلك، فهكذا كان يجب على العباسيين أن يفعلوا، ويتركوا الأمويين يدخلون تحت عباءتهم حتى يستطيعوا أن يكونوا لهم جندًا وعونًا لا نِدّا ومنافسًا، كما رأينا النتيجة بأعيننا.
وهذا أيضا المثل الأعلى والقدوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ماذا فعل بعد أن دخل مكة وكان أهلها قد آذوه هو وأصحابه وطردوهم منها، وماذا قال عن أبي سفيان وهو من هو قبل ذلك؟ ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن دخل متواضعًا وقال: من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن. أليس أبو سفيان هذا كان زعيم الكفر وزعيم المشركين في أحد والأحزاب؟! فلماذا إذن يقول عنه صلى الله عليه وسلم مثل هذا؟! إنما كان يريد صلى الله عليه وسلم أن يخطب وده ويضمه إلى صفه، وبالمثل فعل صلى الله عليه وسلم مع رءوس الكفر في مكه حين قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟" فقالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. فرد عليهم صلى الله عليه وسلم بمقولته التي وعاها التاريخ: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وليس هذا فقط من كرم الأخلاق فحسب، لكنه أيضًا من فنّ معاملة الأعداء، وحسن السياسة والإدارة، فلنتخيل ماذا سيكون الموقف لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الحد وقطع رؤءس هؤلاء الذين حاربوا دين الله سنوات وسنوات؟! بلا شك كان سيُحدث جيبًا من الجيوب داخل مكه، وكان أهل مكه سينتهزون الفرصة تلو الفرصة للانقلاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وللانفصال من الخلافة الإسلامية.
لكن العجب العجاب كان في نتيجة ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد ارتدّت جزيرة العرب جميعها، ولم يبق على الإسلام منها إلا المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف، وقرية صغيرة تسمى هجر، فقط ثلاث مدن وقرية واحدة، أي أن مكة التي لم تدخل في الإسلام إلا منذ أقل من ثلاث سنوات فقط قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في تعداد هذه المدن القليلة جدًا التي ثبتت على الإسلام ولم ترتدّ، وبلا شك فهو أثر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم ينسوه، فكان أن استُوعبوا في داخل الدولة الإسلامية، وثبتوا وقت الزيغ.
هكذا لو فعل العباسيون واستوعبوا الأمويين في داخل الدولة العباسية. ولأنهم لم يفعلوا فكان أن اضطر من نجا من الأمويين اضطرارًا إلى الذهاب إلى هذه البلاد والانشقاق بها عن دولة المسلمين.
وواقع الأمر يقول أنه لو كان عبد الرحمن بن معاوية يضمن أن العلاء بن مغيث الحضرمي سوف يعفى عنه ويعطيه إمارة الأندلس، أو أي إمارة أخرى من إمارات الدولة العباسية إذا سلّم الأمر إليه لفعل، لكنه كان يعلم أنه لو قبض عليه لقتله في الحال هو ومن معه من الأمويين إن كانوا مرشحين للخلافة، وهذا بالطبع ما دفعه لأن يحاول مرة ومرتين وثالثة لأن يبقى على عهده من الجهاد ضد الدولة العباسية، وهو أمر مؤلم جدًا وحلقة مفرغة دخل فيها المسلمون نتيجة العنف الشديد من قبل الدولة العباسية في بدء عهدها، ولا شك أن الدولة العباسية قد غيّرت كثيرًا من نهجها الذي اتبعته أولًا، وتولّى بعد ذلك رجال كثيرون حافظوا على النهج الإسلامي، بل إن أبا جعفر المنصور نفسه في آخر عهده كان قد غيّر ما بدأه بالمرة، لكن كانت هناك قسوة شديدة بهدف أن يستتبَّ لهم الأمر في البلاد، فمن يحاول أن يتذاكى على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فستكون العاقبة دائما هي الخسران، وهكذا كان فقْدُ المسلمين لأرواحٍ طاهرةٍ ودماءٍ كثيرةٍ غزيرة وطاقاتٍ متعددةٍ، بل فقدوا الأندلس فلم تعد مددًا للمسلمين طيلة عهدها، فالعنف في غير محله لا يورث إلا عنفًا، وطريق الدماء لا يورث إلا الدماء، والسبل كثيرة، ولكن ليس إلا من سبيل واحد فقط، إنه الطريق المستقيم طريق الله عز وجل [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {الأنعام:153}.

عبد الرحمن الداخل وقضاؤه على الثائرين

ذكرنا فيما سبق أنه في خلال الأربع والثلاثين سنة الممتدة من بداية حكم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل وحتى نهايته كان هناك أكثر من خمس وعشرين ثورة في كل أنحاء الأندلس، وذكرنا أيضًا كيف روّض بعضها وقمع غيرها بنجاح الواحدة تلو الأخرى، والتي كان من أهمّها ثورة العباسيين التي قام بها العلاء بن مغيث الحضرمي، وكيف تَمّ القضاء عليها.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل يجوز لعَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل أن يقاتل الثائرين وإن كانوا من المسلمين؟!
وحقيقة الأمر أن موقفه هذا في قتال الثائرين داخل أرض الأندلس لا غبار عليه؛ لأن الجميع كانوا قد اتفقوا عليه أميرًا للبلاد، وقد جاء في صحيح مسلم عن عرفجة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ - أي مجتمع - عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
ومن هنا فقد كان موقف عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل صارمًا مع الثوار؛ وذلك لقمع الانقلابات المتكررة والتي تُضعف من جانب الأمن والاستقرار في البلاد.
إلا إنه من الإنصاف أن نذكر أنه - رحمه الله - كان دائمًا ما يبدأ بالاستمالة والسلم وعرض المصالحة، ويكره الحرب إلا إذا كان مضطرًا.
وبلا شك فإن ثمن هذه الثورات كان غاليًا جدًا، ففي السنوات الأربع من بداية دخول عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، من سنة 138هـ= 755 م وحتى سنة 142هـ= 759 م سقطت كل مدن المسلمين التي كانت في فرنسا، وذلك بعد أن حكمها الإسلام طيلة سبع وأربعين سنة متصلة، منذ أيام موسى بن نصير - رحمه الله - وحتى زمن سقوطها هذا، وهكذا سنن الله الثوابت، ما إن شُغل المسلمون بأنفسهم إلا وكان التقلّص والهزيمة أمرًا حتميًا...

عبد الرحمن الداخل وبناء دولته الجديدة

حين استتبّ الأمر لعَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل في أرض الأندلس، وبعد أن انتهى نسبيًا من أمر الثورات بدأ يفكر فيما بعد ذلك، فكان أن اهتم بالأمور الداخلية للبلاد اهتمامًا كبيرًا، فعمل على ما يلي:
أولًا: بدأ بإنشاء جيش قوي
وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:
1) اعتمد في تكوين جيشه على العناصر التالية:
أ - اعتمد في الأساس على عنصر المولّدين، وهم الذين نشأوا - كما ذكرنا - نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس، وكانوا يمثّلون غالبية بلاد الأندلس.
ب - اعتمد كذلك على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضمّ إليه كل الفصائل المضرية سواء أكانت من بني أمية أو من غير بني أمية، وضمّ إليه كل فصائل البربر، كما كان يضمّ إليه رءوس القوم ويتألّفهم فيكونون عوامل مؤثّرة في أقوامهم، بل إنه ضم إليه اليمنيين مع علمه بأن أبا الصباح اليحصبي كان قد أضمر له مكيدة، الأمر الذي جعله يصبر عليه حتى تمكن من الأمور تمامًا ثم عزله - كما ذكرنا - بعد إحدى عشرة سنة من تولّيه الحكم في البلاد.
ج - كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة، وهم أطفال نصارى كان قد اشتراهم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل من أوروبا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية عسكرية صحيحة.
وبرغم قدوم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارس غير الرجّالة، مشكّل من كل هذه العناصر السابقة، والتي ظلّت عماد الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني أمية من بعده.
2) أنشأ - رحمه الله - دُورًا للأسلحة، فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طليطلة ومصانع برديل.
3) نشأ أيضًا أسطولًا بحريًا قويًا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء كان منها ميناء طرطوشة وألمرية وإشبيليّة وبرشلونة وغيرها من الموانئ.
4) كان - رحمه الله - يقسّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الثالث كان يدّخره لنوائب الزمان غير المتوقعة.
ثانيا: أَوْلَى العلمَ والجانبَ الدينيَ اهتمامًا بالغًا:
أعطى عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما، فعمل على الآتي:
- نشْر العلم وتوقير العلماء.
- اهتمّ بالقضاء وبالحسبة.
- اهتمّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قرطبة الكبير، والذي أنفق على بنائه ثمانين ألفًا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على زيادة حجمه حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمانية من خلفاء بني أميّة.
ثالثا: العناية الكبيرة بالجانب الحضاري (المادي):
ويبرز ذلك في الجوانب التالية:
- اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر، وربطه أول الأندلس بآخرها.
- إنشائه أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس.
- إنشائه الرصافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام، والتي أسسها جده هشام بن عبد الملك - رحمه الله - وقد أتى لها بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم، والتي إن كانت تنجح زراعتها فإنها ما تلبث أن تنتشر في كل بلاد الأندلس.
رابعا: حماية حدود دولته من أطماع الأعداء:
بالإضافة إلى إعداده جيشًا قويًا- كما وضحنا سابقا- وتأمينًا لحدود دولته الجديدة قام عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل بخوض مرحلتين مهمتين:
المرحلة الأولى: كان عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي "ليون" في الشمال الغربي، و"فرنسا" في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشا ثابتة على هذه الثغور المقابلة لهذه البلاد النصرانية، وأنشأ مجموعة من الثغور كما يلي: *
- الثغر الأعلى، وهو ثغر "سَرَقُسْطَةَ" في الشمال الشرقي في مواجهة لفرنسا.
- الثغر الأوسط، ويبدأ من مدينة سالم ويمتد حتى طُليْطُلَةَ.
- الثغر الأدنى، وهو في الشمال الغربي في مواجهة مملكة "ليون" النصرانية.
المرحلة الثانية: كان - رحمه الله - قد تعلم من آبائه وأجداده عادة عظيمة، وهي عادة الجهاد المستمر وبصورة منتظمه كل عام، فقد اشتهرت الصوائف في عهده، حيث كان المسلمون يخرجون للجهاد في الصيف، وبصورة منتظمة وذلك حين يذوب الجليد، وكان يتناوب عليهم فيها كبار قوّاد الجيش، وأيضا كان يُخرّج الجيوش الإسلامية إلى الشمال كل عام بهدف الإرباك الدائم للعدو، وهو ما يسمونه الآن في العلوم العسكريه بالهجوم الإجهاضي المسبق.

عبد الرحمن الداخل .. الأمير الفذ



لولا عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل لانتهى الإسلام من الأندلس بالكلية، هكذا قال المؤرّخون عن عبد الرحمن بن معاوية، وإنا لتعلونا الدهشة ويتملّكنا العجب حين نعلم أن عمره حينذاك لم يتجاوز الخامسة والعشرين عامًا، أي في سنّ خريج الجامعة في العصر الحديث.

ملَك من السماء، أم ماذا هو؟! لن نذهب بعيدًا، وسنترك الحديث عنه إلى ابن حيّان الأندلسي، ولنعي ما يقوله عنه، يقول ابن حيان مستعرضًا بعضًا من صفات عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل:

كان عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل راجح العقل، راسخ الحلم، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئًا من العجز، سريع النهضة، متصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، بعيد الغور، شديد الحدّة، قليل الطمأنينة، بليغًا مفوّهًا، شاعرًا محسنًا، سمحًا سخيًا، طلق اللسان، وكان قد أعطي هيبة من وليّه وعدوّه، وكان يحضر الجنائز ويصلي عليها، ويصلي بالناس الجمع والأعياد إذا كان حاضرًا، ويخطب على المنبر، ويعود المرضى. انتهى كلامه - رحمه الله -.

شخصية تُشخِص الأبصار وتبهر العقول، فمع رجاحة عقله وسعة علمه كان لا ينفرد برأيه، فإذا اجتمعت الشورى على رأي كان نافذ العزم في تطبيقه - رحمه الله -، ومع شدته وحزمه وجهاده وقوته كان - رحمه الله - شاعرًا محسنًا رقيقًا مرهف المشاعر.

ومع هيبته عند أعدائه وأوليائه إلا أنه كان يتبسط مع الرعية، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويصلي بهم ومعهم، ومع كونه شديد الحذر قليل الطمأنينه، فلم يمنعه ذلك من معاملة الناس والاختلاط بهم ودون حرّاس، حتى خاطبه المقربون في ذلك وأشاروا عليه ألا يخرج في أوساط الناس حتى لا يتبسطوا معه، ولكن كيف يمتنع عن شعبه وهو المحبوب بينهم والمقرّب إلى قلوبهم؟! ولقد صدق من قال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.

فكان له حقًا أن يأتي إلى هذه البلاد وحيدًا مطاردًا مطلوب الرأس، تجري وراءه قوى الأرض جميعا، فعباسيون في المشرق، وخوارج في المغرب، ومن بعدهم نصارى في الشمال، وثورات في الداخل، ثم يقوم وسط هذه الأجواء بتأسيس هذا البنيان القوي، وهذه الدولة الإسلامية ذات المجد التليد.

ونستطيع أن نفهم شخصيته بصورة أوضح حين نعلم كيف كان في معاملته للناس، فقد جاء أن أحد الناس طلب منه حاجة أمام أعين الحاضرين، فقضاها له ثم قال له: إذا ألمّ بك خطب أو حَزَبك أمر فارفعه إلينا في رقعة لا تعدوك؛ كي نستر عليك، وذلك بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا - عز وجهه - بإخلاص الدعاء وصدق النيّة.

إنها لتربية ربّانية لشعبه، فهو يريد - رحمه الله - أن يربط الناس بخالقهم، يريد أن يعلمهم أن يرفعوا حاجتهم إليه أولًا سبحانه وتعالى، يريد أن يعلّمهم أنه سبحانه وتعالى يملكه ويملكهم جميعًا، ثم مراعاةً لعواصف النفس الداخلية، وحفظًا لماء وجه الرعية عند السؤال قال له: فارفع إلينا حاجتك في رقعة كي نستر عليك ولا يشمت أحد فيك.

وها هو - رحمه الله - يدخل عليه أحد الجنود ذات يوم كان قد انتصر فيه على النصارى، فتحدّث معه الجندي بأسلوب فيه رفع صوت وإساءة أدب، فما كان منه - رحمه الله - إلا أن أخذ يعلمه خطأه ويقول له: يا هذا، إني أعلمك من جهل، إنه يشفع لك في هذا الموقف هذا النصر الذي نحن فيه؛ فعليك بالسكينة والوقار؛ فإني أخاف أن تسيء الأدب في يوم ليس فيه نصر فأغضب عليك. فإذا بالجندي وقد وعى أمره يرد عليه ردا لبيبًا ويقول له: أيها الأمير، عسى الله أن يجعل عند كل زلةٍ لي نصرًا لك فتغفر لي زلاتي. وهنا علم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل أن هذا ليس اعتذار جاهل؛ فأزاح الضغينة من قلبه وقرّبه إليه ورفع من شأنه.

عبد الرحمن الداخل .. الإنسان

مع المدة الكبيرة التي حكمها القائد عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل، ومع امتداد عمره، وموقعه القيادي في أي مكان ينزل فيه، مع هذا كله؛لم يؤثر عنه أي خلق ذميم أو فاحش، بل مدحه العلماء بالعلم والفضل وحسن الخلق، مما يدل على إنسانيته السامية، ومعدنه النفيس، وأخلاق الإنسان الحقيقية لا تظهر بوضوح إلا في مواقف الشدة، وحياة "عبد الرحمن" كلها شدة وحروب وثورات، مما يظهر أخلاقه بوضوح أمام أي باحث في التاريخ، ويحدد ما إذا كانت حسنة أو سيئة...
وكان عبد الرحمن الدَّاخِل خطيبًا مفوها يرتقي المنابر ويعظ الناس، فهو كما نعرف نشأ في بيت الإمارة، وهكذا الأمراء في ذلك العصر، كما كان شاعرًا مرهف الحس، قال سعيد بن عثمان اللغوي الذي توفي سنة أربعمائة: كان بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن بن معاوية، وكان فيها نخلة أدركتُها، ومنها تولدت كل نخلة بالأندلس.
قال: وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية:
يا نخل أنت غريبة مـثـلـي في الغرب نائية عن الأصل
فابكي، وهل تبكي مـكـيسة عجماء، لم تطبع على خيل؟
لو أنها تبكي، إذاً لـبـكـت ماء الفرات ومنبت النـخـل
لكنها ذهلـت وأذهـلـنـي بغضي بني العباس عن أهلي
ومن شعره أيضاً:
أيها الراكب الميمـم أرضـي أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بـأرض وفؤآدي ومالـكـيه بـأرض
قدر البين بيننا فافـتـرقـنـا فعسى باجتماعنا الله يقضـي

عبد الرحمن الداخل وفكره العسكري

تمتع عبد الرحمن بن معاوية بفكر عسكري في غاية الدقة والعجب، فحياته كلها تقريبًا، حروب ومناوشات منذ سقوط خلافة بني أمية وحتى وفاته، مرورًا بفراره عبر البلاد والصحاري والقفار والبحار، ومعاركه، وانتهاءً بالثورات الكثيرة التي تغلّب عليها بلا اسنثناء ليوطد ملكه في بلاد الأندلس دون منازع....
ولولا ذكاؤه العسكري الخارق ما تغلّب على كل هذه الثورات، التي يحار العقل فعلًا من كثرتها، وكيف قضى عليها جميعًا، ونعرض هنا لبعض ملامح فكره العسكري من خلال مواقفه في معاركه وبطولاته التي طُبعت بطول حياته وعرضها، من هذه الملامح:
مبدأ المباغته والحرص على المبادأة:
فهو يخطط بدقة من أجل الوصول إلى أهدافه، ثم هو لا يترك لخصومه الفرصة، بل يسرع ليباغتهم وهم في بداية أعمالهم القتالية المضادة له، والتاريخ يؤكد أن أفضل وسيلة للقضاء على أعمال التمرد، هو تطويقها منذ بداياتها الأولى، وعدم السماح لها بالتطور، والعمل على خنقها وهي لا تزال في مهدها، ويظهر هذا المبدأ واضحًا في معركة المصارة، فقد بات ليلته يستعد للحرب بينما كان خصمه يحاول خداعه، بحجة تأجيل القتال، وكانت المباغتة كاملة، بحيث لم تتمكن القوات المضادة من الصمود، على الرغم مما أظهرته في البداية من ضروب الشجاعة، والأمر مماثل بالنسبة لبقية حروب الأمير عبد الرحمن ومعاركه، حيث كان للمباغته دور كبير وحاسم في تقرير نتائج القتال من قبل أن تبدا المعركة.
ولم يكن حرص صقر قريش على الاحتفاظ بالمبادأة أقل من حرصه على المباغتة، فهو يحاول باستمرار وضع خصومه أمام مواقف تحرمهم من حرية العمل، ويفرض عليهم زمن المعركة وزمانها، وكان في معاركه كلها يجابه قادة على درجة عالية من الكفاءة فكان لا بد من البحث عن الوسيلة التي تحرمهم من استخدام قدراتهم وإمكاناتهم.
ومن ملامح فكره العسكري أيضً
الاقتصاد بالقوى والمحافظة على الهدف:
وتظهر أهمية هذين المبدأين عند مطالعة سيرته، فقد كانت حياته سلسلة متصلة الحلقات من الوقائع والمعار، وكان لا بد من الموازنة المستمرة بين الأهداف المتتالية للحرب، وبين القوى والوسائط اللازمة للتعامل معها، مع إعطاء الأفضلية للأهداف الأكثر أهمية وخطورة عندما يظهرأن هناك أكثر من هدف يجب التعامل معه في وقت واحد، وهذا ما كان يحدث في معظم الأحيان، وأمام هذه المواقف بمجموعها كان لا بد من إجراء حساب دقيق لموازين القوى، بحيث يمكن استخدامها على أفضل صورة وفي أحسن وجه، وهذا ما أكدته مجموعة الأعمال القتالية لصقر قريش.

حياة صقر قريش في سطور

لقد كانت حياة القائد العظيم "عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل" وقفًا على الجهاد، وعلى إقامة الدولة الإسلامية، وتثبيت بنيانها وإرساء دعائمها ورد الطامعين فيها، فكانت الأيام التي عاشها صقر قريش في طمأنينة وراحة لا تزيد على أيام قليلة، وكانت حياته حركة مستمرة في تنظيم الجيوش، وعقد الرايات، وتوجيه القوات، وتحصين الثغور، والقضاء على الفتن والثورات، ووضع أسس البنيان الحضاري...
وفاته
عاش "عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل" تسعة وخمسين سنة، منها تسعة عشر سنة في دمشق والعراق قبل سقوط دولة الأمويين، وست سنوات فرارًا من بني العباس وتخطيطًا لدخول الأندلس، و34 عامًا في الملك ببلاد الأندلس، وتوفي بقرطبة ودفن بها في جمادى الأولى سنة 172 ه،أكتوبر 788م

"صانكي يدم" أي "كأنني أكلت"


هل تصدق هذا اسم مسجد صغير في منطقة "فاتح" في اسطنبول؟!!!!!!
 والاسم باللغة التركية "صانكي يدم" أي "كأنني أكلت" أو "افترض أنني أكلت"!! ووراء هذا الاسم الغريب قصة غريبة طريفة ، وفيها عبرة كبيرة.

"كان يعيش في منطقة "فاتح" شخص ورع اسمه "خير الدين كججي أفندي"، كان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم ، أو حلوى ، يقول في نفسه : "صانكي يدم" "كأنني أكلت" ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له. ومضت الأشهر والسنوت ، وهو يكف نفسه ععن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور القيام ببناء مسجد صغير في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، أطلقوا على الجامع اسم "جامع صانكي يدم


من كتاب روائع من التاريخ العثماني"للأستاذ الفاضل "أورخان محمد علي"

الخميس، 23 يونيو 2011

قصة الأمام البزاز وصاحبة اللؤلؤ

بسم الله الرحمن الرحيم

في ذيل طبقات الحنابلة ذكر ابن رجب في ترجمة القاضي أبي بكر الأنصاري البزاز ، أنه قال : كنت مجاورا مكة حرسها الله فأصابني يوم من الأيام جوع شديد ولم أجد شيء ادفع به عني ذلك الجوع وخرجت أبحث عن طعام فلم أجد ، فوجدت كيسا من حرير مشدودا برباط من حرير
.
قال : فأخذته وجئت به إلى بيتي وحللته فوجت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله قط ، قال : فربطته وأعدته كما كان ثم خرجت أبحث عن طعام فإذا بشيخ ينادي ويقول : ومن وجد كيسا صفته كذا وكذا وله ( 500 ) دينار من الذهب
فقلت في نفسي : أني محتاج وجائع أفآخذ هذه الدنانير لأنتفع بها وأرد له كيسه ، فقلت : له تعالى إليّ ، قال : فأخذته إلى بيتي وسألته عن علامة الكيس وعلامة اللؤلؤ وعدد الؤلؤ المشدود به ، فإذا هو كما كان ، قال : فأخرجته ودفعته إليه ، فسلم إليّ ( 500 ) دينار الجائزة ، التي ذكرها .
فقلت له : يجب علي أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء ، فقال لا بد أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا وأنا أحوج ما أكون
قال : فقلت : والذي لا إله إلا هو ما آخذ عليه جزاء من أحد سوى الله ، فلم أقبل الدنانير ، فتركني ومضى ورجع الشيخ بعد موسم الحج إلى بلده .
وأما ما كان منى ( الكلام للإمام البزاز ) فإنني خرجت من مكة وركبت البحر وسط أمواجه المتلاطمه وأهواله ، وتكسر المركب وغرق الناس وهلكت الأموال
قال : وسلمني الله ، إذ بقيت على قطعة من المركب تذهب بي يمنة ويسره ولا أدري إلى أين تذهب بي ، وبقيت مدة في البحر يتقاذفني الأمواج من مكان إلى مكان حتى قذفني إلى جزيرة فيها أميّون لا يقرؤون ولا يكتبون
قال : فجلست في مسجدهم وقمت أقرأ ، قال : فما أن رآني أهل المسجد حتى اجتمعوا علي فلم يبق في الجزيرة أحدا إلا قال علمني القرآن .
قال : فعلمتهم القرآن وحصل إليّ خير كثير من جراء ذلك ، قال : ثم رأيت في المسجد مصحفا ممزقا فأخذته وأوراقه لأقرأ بها : فقالوا : أتحسن الكتابه ، فقلت نعم ، قالوا : علمنا الخط
فقلت : لا بأس ، فجاؤوا بصبيانهم وشبابهم فكنت أعلمهم ، وحصل لي خير كثير ورغبوا فيه
فقالوا لي بعد ذلك وهم يريدون أن أبقى معهم ، عندنا جارية يتيمة ومعا شيء من الدنيا ونريد أن نزوجها لك وتبقى معنا في هذه الجزيرة
قال : فتمنعت ، فألحوا عليّ وألزموني فلم أجد أمامي إلا ألحاحهم وإصرارهم ، فأجبت طلبهم .
فجهزوها لي وزفها محارمها ، وجلست معهم وإذا بي أنظر إليها وإذا العقد الذي رأيته بمكة بعينه ، معلق بعنقها ، دهشت وما كان لي بشغل إلا النظر إلى العقد فقال محارمها : يا شيخ كسرت قلب اليتيمة لم تنظر إليها وإنما تنظر إلى العقد
قلت : إن في هذا العقد قصة ، قالوا ما هي قصته ، فقصصتها عليهم ، فصاحوا وضجوا بالتهليل والتكبير وصرخوا بالتسبيح حتى بلغ صوتهم أنحاء الجزيرة
فقلت سبحان الله ما بكم ، قالوا إن هذا الشيخ الذي رأيته وأخذ العقد في مكه هو أبو هذه الصبية
وكان يقول عند عودته من الحج ويردد دائما : والله ما رأيت على وجه الأرض مسلما كهذا الذي رد علي العقد بمكة ، اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي ، وتوفي ذلك الرجل وحقق الله دعوته .
يقول : فبقيت معها مدة من الزمن فكانت خير امرأة ورزقت منها بولدين ثم توفيت فعليها رحمة الله فورثت العقد المعهود أنا وولداي
قال : ثم توفي الولدان واحدا واحدا قال : فورثت العقد منهم قال : فبعته بمائة ألف دينار ، ويتحدث بعد مدة ويقول هذا من بقايا ثمن العقد فرحمهم الله جميعهم.



الدروس المستفادة 
1- من ترك شيئا لله ابدله الله خيرا منه 
2- افعل الخير ولا تنتظر الثواب والجزاء الا من الله 
3- رضا الله هو الباقي وهو المحرك وليس رضا العبد لان الله هو الملك 
4- لا يترك الله اوليائه بدون اختبار بل يخرج من اختبار الي اختبار
5- الاخرة هي الباقية "من يرد الله به خير  يفقه في الدين "
وغيرها كثير اكتب درس

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

معركة بروزة البحرية

4 جمادى الأولى 945هـ ـ 28 سبتمبر 1538م


يعتبر عهد السلطان العثماني سليمان القانوني هو العهد الذهبي للدولة العثمانية، التي بلغت أوج قوتها واتساعها، حيث امتدت أملاكها في ثلاث قارات [ولم يكن قد علم سواها وقتها]، وذلك بفضل الله عز وجل أولاً ثم وجود مجموعة من القادة الأكفاء الأبطال، مع وجود روح جهادية كبيرة بين صفوف الجيش العثماني، ولقد كانت أوروبا وقتها تعاني حالة مضطربة من الصراع وذلك على عدة مستويات من أهمها الصراع العنيف بين فرانسوا الأول ملك فرنسا وشارلكان إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة [تشمل إسبانيا والبرتغال وألمانيا وهولندا والنمسا ومعظم إيطاليا والأراضي المنخفضة من أوروبا].
ولقد استفاد السلطان سليمان من هذا الخلاف القائم، واستغله لخدمة الإسلام والمسلمين، إذ وافق على طلب فرانسوا الأول بالتحالف فيما بينهما على شارلكان الذي كان من ألد أعداء الإسلام، وقد كلّف سليمان القانوني قائد الأسطول العثماني «خير الدين بربروسا» البطل العظيم بالتوجه إلى مدينة «مارسيليا» الفرنسية الساحلية وجعلوها قاعدة انطلاق على إسبانيا وإيطاليا حسب المعاهدة مع فرنسا، وهناك انضم الأسطول الفرنسي مع الأسطول العثماني، وكان أول عمل قام به «خير الدين» أن هاجم مدينة «نيس» وطرد حاكمها «دوق سافوا» وانتزاعها من الحكم الإسباني وإعادتها لملك فرنسا، مما جعل فرانسوا يطير فرحًا ويكافئ «خير الدين» بمنحه ميناء «طولون» ليكون قاعدة خالصة للأساطيل العثمانية المسلمة، وأمر سكان المدينة بمغادرتها وتركها في أيدي المسلمين، واتفق فرانسوا مع خير الدين على أن تكون الضربة القادمة ضد البنادقة في جنوب إيطاليا.
أثار هذا العمل ثائرة الصليبية العالمية وحلت على فرانسوا اللعنات من كل مكان وزاد الضغط الشعبي والدعائي ضده داخل فرنسا وأوروبا، إذ كيف يحالف المسلمين على بني دينه ويمنحهم بلاده، وتحت الضغوط الداخلية والخارجية نقض فرانسوا عهده مع العثمانيين، ووقع معاهدة نيس مع شارلكان في المحرم سنة 945هـ، وبموجبها يتخلى فرانسوا عن حلفه مع العثمانيين، على أن يكف شارلكان عن تهديداته له باحتلال جنوب فرنسا.
وفي هذه الفترة كان «خير الدين» يجهز أسطوله للهجوم على الجزر الإيطالية التابعة للبندقية، وكان من المتوقع أن ينضم إليه الأسطول الفرنسي، ولكنه فوجئ بانسحاب الأسطول الفرنسي، وأصبح خير الدين وحده قبالة الأسطول البندقي وحليفه الأسطول الإسباني، وكان الأسطول العثماني مكونًا من 112 سفينةو 22 الف جندي والأسطول الصليبي مكون من 600 سفينة بقيادة اندريا دوريا 60 الف جندي ، ومع ذلك أصر «خير الدين» على مواصلة غزوه لهذه الجزر، ويوم 4 جمادى الأولى سنة 945هـ ـ 28 سبتمبر 1538م، انقض الأسطول العثماني على الأسطول الصليبـي رغم الفارق المضاعف بينهما عند جزيرة بروزة،وكان الهجوم مباغة انهي المعركة في 5 ساعات  وحقق المسلمون نصرًا عظيمًا حطموا به معظم الأسطول البندقي وبعض الأسطول الإسباني الذي فر من ميدان القتال بعدما رأى التفوق العثماني

بن حميدو أمير البحار الإسلاميــــــة الجزائريـــــة

أمير البحار الإسلاميــــــة الجزائريـــــة

( حميدو ) رئيس ( رحمه الله )
الريس حميدو
* اسمــه ومـولـده ونـشـأتــــه *
- هو محمد بن علي الملقب بحميدو . ولد في حي القصبة ( الجزائر العاصمة ) سنة 1770، وقيل ( 1773م ) ،كان أبوه خياطا بسيطا ومعروفا عند أهل القصبة ، وهو من عائلة جزائرية تعود جذورها إلى مدينة يسر . ويسر هي عاصمة إمارة الثعالبة في القرن الرابع عشر الميلادي ، والثعالبة قبيلة عربية تعود في نسبها إلى بني ثعلبة بن بكر بن وائل إحدى قبائل ربيعة بن نزار .


- لم يكن الطفل حميدو مهتما بحرفة أبيه بل كان معجبا بالقصص و الحكايات التي يسمعها عن رياس البحر في ذلك الوقت و يوما قال لأبيه :" .. سأصبح رئيسا للبحر عندما اكبر .." لكن والده أجابه بأنه لا يستطيع أن يصبح قائد أسطول لأنه جزائري و ليس تركي ( حيث كان الشائع منذ وطأت أقدام آل " آل بربروس العظام " أن الأتراك هم الذين يتولون المناصب الهامة في البحرية ) .


حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية

- عشق ( حميدو ) البحر وتوجه إليه منذ صغره فكان يتردد على السفن و يشارك البحارة في رحلاتهم مثل الرايس شلبي الذي أعجب بشجاعته و بحنكته الفريدة .

- قدر عدد البحارة الجزائريين في عهد الرايس حميدو أشهر قادة البحرية الجزائرية إلى أكثر من 130 ألف بحار، ومن أشهر السفن الحربية الجزائرية وقتها ( رعب البحار، مفتاح الجهاد، المحروسة ) وغيرها .


- سطع نجم البحرية الإسلامية الجزائرية في ذلك الوقت وتمكن الأسطول الجزائري من الوصول بعملياته إلى اسكتلندا والمحيط الأطلسي ، حيث قتل الرايس حميدو سنة 1815 في معركة مع البحرية البرتغالية والأميركية .


حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية

* الريس حميدو أميرا للبحر *

- في سن الخامسة و العشرين أصبح حميدو رايس وترقى من بحّار إلى ضابط ، ثم إلى أمير للبحر وأصبح يقود أسطولا في مياه مرسى وهران .


- كان صعود الرايس حميدو وتسيّده على إمارة البحرية الجزائرية يتوافق مع قيام الثورة الفرنسية ومجيء نابليون للحكم ، وما أعقبه من فوضى عارمة في أوروبا ، تمكن خلالها الرايس حميدو من انتهاز هذه الفرصة لتقوية الأسطول الجزائري .


- في إحدى معاركه البحرية استطاع أن يستولي على واحدة من أكبر سفن الأسطول البرتغالي وهي سفينة «البورتقيزية» المزودة بـ 44 مدفعا وعلى متنها 282 بحارا.


- ثم أضاف إليها سفينة أميركية هي «أمريكانا» ، هذا بالإضافة إلى سفينته الخاصة ، وأصبح أسطوله الخاص هذه السفن الثلاث ، ومن أربعة وأربعين مدفعا فرضت سيادتها على البحر لأكثر من ربع قرن .


حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية
* أميركا تدفع الضريبة للجزائر " يا لعزة الإسلام " *
- في زمن قيادته للبحرية
الجزائرية فرض الرايس حميدو ضريبة على الولايات المتحدة. فبعد أن نالت أميركا استقلالها عن بريطانيا بدأت السفن الأميركية ترفع أعلامها لأول مرة اعتبارا من سنة 1783م، وأخذت تجوب البحار والمحيطات.

وقد تعرض البحارة الجزائريون لسفن الولايات المتحدة، فاستولوا في يوليو 1785م على إحدى سفنها في مياه ( قادش ) ، بعد ذلك استولوا على إحدى عشرة سفينة أخرى تابعة للولايات المتحدة الأميركية وساقوها إلى السواحل
الجزائرية .


- نظرا ولحداثة استقلال الولايات المتحدة ولعدم امتلاكها قوة بحرية رادعة ، فقد كانت عاجزة عن استرداد سفنها بالقوة العسكرية ، لذا فقد اضطرت إلى الصلح وتوقيع معاهدة مع الجزائر في 5 سبتمبر 1795م ، تدفع بموجبها واشنطن مبلغ ( 62 ألف دولار ذهبا ) للجزائر لقاء حرية المرور والحماية لسفنها في البحر المتوسط ، وتضمنت هذه المعاهدة 22 مادة مكتوبة باللغة التركية .


- تعد هذه الوثيقة من الوثائق النادرة والفريدة ، فهي تعد المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنكليزية التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها حتى اليوم ، وفي الوقت نفسه تعد هي المعاهدة الوحيدة التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية ، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها ، وضمنت عدم تعرض البحارة الجزائريين لسفنها .


* الـحـرب مـع أمـيـركـــــا " لا تستغربوا الإسم " *
- عندما جاء الرئيس جيفرسون إلى الحكم رفض دفع الضريبة المقررة ، لذا فقد قامت
البحرية الجزائرية بالرد والاستيلاء على السفن الأميركية العابرة للبحر المتوسط .


حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائريةالرئيس الأميركي جيفرسون
- على اثر ذلك أرسلت الولايات المتحدة الأميركية قطعة بحرية إلى البحر المتوسط لأجل الانتقام للهجمات التي تعرضت لها سفنها في سنة 1812، وكانت هذه القطعة بقيادة ( كومودور دوكاتور ) ، وكان من المهام المكلف بها هذا القائد إجبار الجزائريين على تقديم اعتذار للولايات المتحدة واسترجاع الأسرى الأميركيين وإنهاء دفع الضريبة المفروضة على السفن الأميركية في البحر المتوسط والسماح لها بحقوق الزيارة .

حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية

* وفــــاتـــه ( رحمـه الله ) *
- من أجل ذلك أرسل الرئيس الأميركي بعض سفنه للقضاء على الرايس الكبير، ونشبت معركة كبرى بين قطع الأسطول الأميركي تسانده بعض قطع الأسطول البرتغالي على قول بعض المصادر ضد الأسطول الإسلامي . وبالرغم من تفوق السفن
الجزائرية ، فإن قذيفة مدفع قوية أصابت الرايس حميدو مما أدى إلى مصرعه . وكان ذلك في يوم ( 16 يونيو 1815) ، وأمّ حاكم البلاد حينها الداي ( عمر باشا ) شخصيا صلاة الغائب التي أداها الجزائريون على روح بطلهم الرايس حميدو، وأعلن الحداد في كل أنحاء الجزائر لمدة ثلاثة أيام .


* تخليدا لذكرى أمير البحار الإسلامية الرايس حميدو *
- في قلب العاصمة الجزائرية ، وتحديدا في ساحة الشهداء ينتصب تمثال شامخ لواحد من أشهر ربابنة البحر الجزائريين .. إنه الريس حميدو بن علي ، احد امهر رؤساء البحر الجزائريين ، الذي فرض السيطرة الجزائرية على البحر المتوسط وأرغم الدول الأوروبية على دفع إتاوات وضرائب لضمان حق المرور في البحر المتوسط .


حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية
تمثال الريس حميدو بالجزائر العاصمة


- ورغم أن الريس حميدو مشهور في التاريخ الجزائري ، وهناك ضاحية في غرب العاصمة الجزائرية تحمل اسمه ، إلا أن الكثيرين في العالم العربي يجهلون سيرة هذا الربان الجزائري الشجاع .
- وتقديرا لهذا المجاهد الكبير قام السلاح البحري الجزائري بإطلاق أسمه على إحدى الفرقاطات البحرية الهامة في سلاح البحر الجزائري ، والمسلحة بـ 16 صاروخ ، ويسيرها 60 ضابط وبحار .

حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية
البارجة الحربية ( 801 ) الريس حميدو في حوض الصيانة في روسيا


* الريس حميدو في التاريخ *

سيظل الريس حميدو

مثالا رائعا وخالدا لأبطال الأمة الإسلامية

مثالا ينطق بالبطولة

ويعرف معنى الفداء

مثالا يفوح بعطر الجهاد

والبذل والعطاء من اجل هذا الدين

مثالا للمجاهدين العظماء الذين باعوا الثمين بلا ثمن وغدوا وأصبحوا بلا وطن

جزاه الله عنا وعن الإسلام خيرا

" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "

حميدو أمير البحرية الإسلامية الجزائرية

نسأل الله عز وجل أن يتقبلنا وهذا البطل الضرغام في الشهداء إنه ولي ذلك والقادر عليه

* وما أروع الخاتمة وما أفضلها من خاتمة *
هكذا كانوا & وهكذا كنا

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد