الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

[سورة ق (50) : آية 37

بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة ق (50) : آية 37]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
إذا أردت الانتفاع بالقرآن ، فأجمع قلبك عند تلاوته. وألق سمعك.
واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه ، منه إليه. فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. قال تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ، ومحل قابل ، وشرط لحصول الأثر ، وانتفاء المانع الذي يمنع منه : تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه. وأدله على المراد.
فقوله : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى » إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا. وهذا هو المؤثر وقوله : «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» فهذا هو المحل القابل. والمراد به :
القلب الحي الذي يعقل عن اللّه ، كما قال تعالى : 36 : 69 ، 70 إِنْ هُوَ


إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
أي حي القلب.
وقوله : «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» أي وجه سمعه ، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له. وهذا هو شرط التأثير بالكلام.
وقوله : «وَ هُوَ شَهِيدٌ» أي شاهد القلب حاضر ، غير غائب. قال ابن قتيبة : استمع لكتاب اللّه وهو شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه.
وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثر. وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له ، والنظر فيه وتأمله.
فإذا حصل المؤثر ، وهو القرآن ، والمحل القابل ، وهو القلب الحي ، ووجد الشرط ، وهو الإصغاء ، وانتفي المانع ، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر : حصل الأثر ، وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر.
فإن قيل : إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه. فما وجه دخول أداة «أو» في قوله «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» والموضع موضع واو الجمع ، لا موضع «أو» التي هي لأحد الشيئين؟
قيل : هذا سؤال جيد. والجواب عنه أن يقال :
خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو. فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه ، تام الفطرة. فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه على صحة القرآن ، وأنه الحق ، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن. فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة. وهذا وصف الذين قيل فيهم :
34 : 6 وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وقال في حقهم : 24 : 35 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ، لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ، نُورٌ عَلى نُورٍ ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ.

فهذا نور الفطرة على نور الوحي. وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي.
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كتبت فيه. فهو يقرؤها عن ظهر قلب.
ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد ، واعي القلب ، كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل. ولم تبلغ حياة قلبه لتأمله والتفكر فيه ، وتعقل معانيه ، فيعلم حينئذ أنه الحق.
فالأول : حال من رأى بعينيه ما دعي إليه وأخبر به.
والثاني : حال من علم صدق الخبر وتيقنه. وقال : يكفيني خبره ، فهو في مقام الإيمان ، والأول في مقام الإحسان. هذا قد وصل إلى علم اليقين ، وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين. وذلك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.
فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا ، ونوع في الآخرة. فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب ، كنسبة الشاهد إلى العين. وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار. وفي الدنيا بالبصائر. فهو عين يقين في المرتبتين.

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد