الخميس، 9 يوليو 2009

مسلمو الإيغور صفحة ملطخة بالدماء



مسلمو الإيغور صفحة ملطخة بالدماء



الإيغور.. هل من أحد منكم سمع بهذه الكلمة, ربما يكون البعض قد سمعها أو رآها على إحدى صفحات الجرائد أو في بعض المواقع الإلكترونية أو سمعها ضمن إحدى النشرات الإخبارية, ولكن ترى هل حاول هؤلاء أن يعرفوا من هم الإيغور؟! وما العلاقة التي تربطنا بهم؟! وما مطالبهم التي لم يتلفظوا بها بل يقولها لسان حالهم؟!



إخوتي وأخواتي وأحبتي في الله.. هيا بنا نعيش واقع الإيغور, أفراحهم أحزانهم مآسيهم, ثم نرى كيف يمكننا مساعدة هؤلاء القوم التي تربطنا بهم أوثق رابطة, ألا وهي أننا جميعًا مسلمون.



الإيغور إحدى الأقليات الإسلامية, موطنهم الأصلي هو إقليم تركستان الشرقية المسلم الغني بالبترول, والذي يقع شمال غربي الصين, ولقد حصل على الاستقلال الذاتي عام 1955م.



الموقع: تقع تركستان وسط آسيا؛ حيث تحدها منغوليا من الشمال الشرقي, والصين من الشرق, وكازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان من الشمال والغرب, والتبت وكشمير والهند وباكستان من الجنوب.



المساحة: 1.6 مليون كيلومتر مربع, أي يمثل حوالي 17% من مساحة الصين الحالية, وتبلغ ثلاثة أضعاف فرنسا أكبر الدول الأوربية مساحة, كما أنها تحتل المرتبة التاسعة عشرة من حيث المساحة بين دول العالم.



عدد سكان الإقليم: حوالي 18.761.900 نسمة, المسلمون الإيغور 9.506.575 نسمة أي بنسبة 45%, بينما يبلغ عدد الصينيين المهجرين إلى هذا الإقليم 7.421.992 نسمة أي بنسبة 40%.



اللغة: اللغة القومية هي الإيغورية إلى جانب التركية, ومؤخرًا تم إلغاء الدروس باللغة الإيغورية التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية وإحلال اللغة الصينية بدلاً منها, من باب أحد المحاولات لطمس هوية الشعب الإيغوري المسلم.



الديانة: الإسلامية, وتمثل 95% إلى جانب الطاوية والبوذية وبعض العقائد الوثنية للصينيين المحتلين على الإقليم.



عدد المساجد: 510 مساجد, وقد قامت السلطات الصينية بإغلاق 148 منها, بينما تشير الإحصائيات الصينية إلى وجود 10 آلاف مسجد, إلا أن ما تسميه السلطات الصينية مساجد ما يقارب 98 % منها زوايا أو مصليات صغيرة جدًا, بحيث لا تتسع لأكثر من 100 شخص, بينما يحتاج السكان الذين يصل تعدادهم قرابة 10 ملايين إلى تلك المساجد الـ10 آلاف حتى يصلي كل 1000 في مسجد, وهذا ما لا يحدث فعليًا حيث لا تسمح السلطات الصينية بإنشاء مساجد جديدة أو القيام بتوسيع المساجد الموجودة.



كيف دخل الإسلام لتلك البلاد؟!



دخل الإسلام تلك الأرض على يد القائد المسلم المجاهد 'قتيبة بن مسلم الباهلي' في أواسط القرن السابع الميلادي أي قبل ما يزيد على 1300 سنة عام 88-96هـ، فتحول التركستانيون للإسلام تحت قيادة زعيمهم 'ستوف بغراخان' ملك الإمبراطورية القراخانية عام 323هـ - 943م، وقد أسلم مع هذا القائد أكثر من 200.000 عائلة، أي ما يقارب مليون نسمة تقريبًا.



من هذه البلاد بدأ طريق الحرير الذي مثل قمة نهضة ورخاء الدولة الإسلامية اقتصاديًا وتجاريًا, ولأنها بلاد غنية في كل شيء, فقد مدت الحضارة الإسلامية بخيرة العقول النابغة التي سجلت بحروف من نور في سجل الحضارة الإسلامية أمثال السمرقندي والزمخشري, وكذلك العديد من القادة العسكريين الذين فتحوا البلاد والأمصار ومن بلادهم كان مبتدأ الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى قلب أوربا.



وكان المسلمون الأتراك في صراع دائم مع الصينيين، الذين شنوا عدة هجمات فاشلة على الإقليم, وفي عام 1759م نجحت العائلة الحاكمة الصينية في احتلال هذا الإقليم، ثم استرده الأتراك, وظل الإقليم مستقلاً لفترة قصيرة، إلى أن نجحت العائلة الصينية نفسها في احتلاله مجددًا بمساعدة البريطانيين في عام 1876م, وقد قامت بتغيير اسمه من تركستان الشرقية إلى 'سينكيانج'.



وقد حصل الإقليم على الحكم الذاتي على الورق عام 1955م, وفي الوقت نفسه لم تتوقف الغارات الصينية, ويعيش المسلمون في معسكرات السخرة أو على هامش الحياة في مراعيهم ومزارعهم البدائية, وقد قامت السلطات الصينية بإغراق تركستان الشرقية بملايين الصينيين من الملحدين والوثنيين المهجرين من أنحاء الصين, ما تعتبرها جماعات حقوقية انتهاكات لحقوق الأقلية الإيغورية تحت مسمى مكافحة الإرهاب.



ويجري تنفيذ هذا التوطين الصيني بمنح المهجرين إعفاءات ضريبية شاملة، مع توفير المساكن والأراضي التي يتم مصادرتها من الإيغور المسلمين الذين تم طردهم إلى أطراف القرى والأراضي القاحلة, وأصبح ثلاثة أرباع سكان 'كاشغر' لا يجدون الماء الكافي، وفي 'أورومجي' لم يعد الإيغور يوجدون في مراكزها التجارية إلا متسولين، أو باعة متجولين، أو طباخين يبيعون الأطعمة في أزقتها.



وبناءً على ذلك يعيش أغلبية المسلمين من شعب الإيغور تحت خط الفقر؛ حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد بما يعادل 50 دولارًا أمريكيًا، ويرجع ذلك لاحتراف أغلبهم للزراعة والرعي وصيد الأسماك وعزوفهم عن التعليم.



والآن ومنذ بداية التسعينيات وامتدادًا لما قبلها يتعرض مسلمو شعب الإيجور لهجمة قمعية صينية شرسة؛ وذلك حقدًا وحنقًا على هذا الشعب المسلم, والذي يشكِّل الإسلام مركزًا أساسيًّا في ثقافته، وتتجه الحكومة الصينية إلى طمس جميع الرموز الإسلامية, فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقة أو خاضعة لقيود صارمة.



ومؤخرًا تم منع التلاميذ في المدارس والجامعات من تأدية الصلاة، ومن صيام رمضان، بل وصل الأمر إلى منعهم من حمل المصاحف أو امتلاكها.



والأعجب من ذلك أن المسلمين الإيغوريين تحدد خطبة الجمعة عندهم بـ30 دقيقة فقط, كما أن عدد ذكر كلمة 'آمين' محدد أيضًا بـ17 مرة في اليوم الواحد, وألا يتلو خطيب المسجد أكثر من خمسة أدعية فقط ليوم الجمعة, ومن يخالف ذلك تتم معاقبته إما بمنعه من الخطابة أو تقرير غرامة مالية عليه, هذا غير أنه من الممنوع على أي شخص أن يقوم بالصلاة إلا في المسجد التابع للحي الذي يسكن فيه والمسجّل بالطبع في دفاتر الشرطة, ويبدو أن هذه الأفكار الفذة أعجبت كثيرًا إحدى الدول الإسلامية, والتي قامت بتطبيقها مؤخرًا من باب التقدم والرقي وتطبيق النظريات الغربية الحديثة في هذا الشأن!!



ولا يتوقف الاضطهاد عند هذا الحد فقط من انتهاك حقوق الإنسان والتمييز في التوظيف وسياسة التفقير المطبقة ضد مسلمي تركستان، كذلك قام النظام الصيني بتأسيس برنامج على درجة عالية من التمييز والعنصرية، يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم 'سينكيانج', فالسلطات الصينية تقوم ببيع الفتيات المسلمات إلى الفلاحين الصينيين الذين يقومون بتهريبهن إلى داخل الصين, وقامت أيضًا ببذل كل جهدها لتطبيق نظام 'طفل واحد لكل أسرة' على الإيغور, بينما لم تطبقه على بقية الأعراق التي تعيش في الإقليم نفسه, وتتبع السلطات الصينية أبشع الطرق لتنفيذ تلك السياسة؛ فعلى سبيل المثال يقوم الأطباء بقتل المواليد المسلمين بعد ولادتهم مباشرة بضربهم أو كتمان أنفاسهم, وتحقن الأم بحقنة منع الحمل دون إشعارها بذلك, ولا تتمكن من رؤية مولودها لأنهم يفيدونها بأن الجنين ولد ميتًا, ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي، وكانت النتيجة أن تغير التوزيع السكاني تمامًا.



ولم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل تطور حتى السيطرة على المجالات الاقتصادية والسياسية, وقد تم ذلك من خلال خطط مدروسة, والأكثر من ذلك أصدر سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة 'سينكيانج' [تركستان الشرقية] قرارًا في التاسع من مارس عام 2002م يتضمن فرض التدريس باللغة الصينية لكافة المواد المدرسية من الصف الثالث وما فوق، مهددًا لغة شعب تركستان المسلم وثقافته العريقة إلى الزوال, وكذلك مُنع الإيغوريون من العمل في الشركات الصينية، خاصة بعد اكتشاف آبار البترول التي توجد بغزارة في المنطقة, الأمر الذي يصعّد من أزمة البطالة بينهم.



بل إن هناك ممارسات أكثر جورًا؛ حيث مُنع رفع الأذان من مكبرات الصوت بدعوى أنها تزعج هؤلاء الصينيين الدخلاء, وترويج الزواج المختلط لزواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية.



كما أن الصينين - وبلا أدني استحياء أو خوف - يقومون بتغيير تاريخ شعب الإيغور وإعادة صياغته بصناعة تاريخ صيني للمنطقة وتزوير حضارته الإسلامية, وذلك بعد أن اضطهدوا واعتقلوا المؤرخين والمؤلفين المسلمين, وغدا الصينيون هم الذين يكتبون تاريخ وحضارة هذا الشعب المسلم، وتفرض كتبهم على الإيغور الذين ينحصر دورهم على دراستها والقراءة أو الترجمة فقط، ولا يحق لهم النقد والإيضاح وكشف الحقائق.



إضافة إلى ذلك تجريم وحظر منظمات المقاومة والتحرر في تركستان, وزد على هذا ما قامت به الحكومة الصينية من إجراء 42 تجربة نووية في أراضي المسلمين, وذلك حتى عام 1996م, وقد أدى إجراء هذه التجارب إلى تزايد انتشار السرطان والإجهاض وتشوه المواليد, ومع أنها حاولت إخفاء ذلك وتبرير ما نتج عنها، إلا أن بعض المنظمات الدولية أكدت نتائجها المدمرة على السكان والبيئة, وقد أثيرت تلك القضية في مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995م, وأكدوا أن هناك ارتفاعًا في نسبة الوفيات يصل إلى 40% في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة 'سينكيانج' [تركستان الشرقية] بالصين، وذلك في أواخر شهر مايو 1994 على أثر تجربة نووية في تركستان الشرقية, ومازال شعبها المسلم يعاني من نتائج التفجيرات النووية التي كانت تتم مكشوفة في الفضاء حتى الآن.

وقد وصلت ضراوة الحرب الصينية الشيوعية الملحدة إلى أشدها, حين استغلت السلطات الصينية فقدان الوعي الصحي والاجتماعي الذي فرضته على الشعب التركستاني المسلم من خلال ترويج المخدرات والكحول, فعلى سبيل المثال يوزع الخمر مجانًا على الإيغور المسلمين في مدينة 'قراماي', وفي مدينة 'إيلي' عندما حاول الطلاب المسلمون توعية الشباب بمخاطر الكحول وضرره على الإنسان، مطالبين محلات الخمور بالتوقف عن البيع، قامت السلطات الصينية بقمع حملتهم بالقوة, فنتج عنها مقتل 200 طالب مسلم في عام 1997.


وقد دخلت تجارة المخدرات سرًا من بورما وتايلاند إلى تركستان الشرقية، ثم اتصلت بالمافيا الدولية لتجارة المخدرات في باكستان وأفغانستان وقزاخستان، ومنها إلى أسواق العالم في أوربا وأمريكا, وهذه المناطق الصينية التي يمر منها طريق المخدرات الذي عرف بالطريق الأسود، هي بلاد تسكنها أكثرية إسلامية, وفي الوقت الذي يعاقب مروجو المخدرات بالسجن والإعدام في مناطق الصين الأخرى، فالمروجون لها في مناطق المسلمين يتمتعون بحماية السلطات السرية لنشاطهم.


وقد أثبتت التحريات التي أجريت أن قادة جيش التحرير الشعبي - وهو جيش الإنتاج والبناء في تركستان الشرقية - يتاجرون بهذه السموم القاتلة, وفي مقاطعة كانسو - التي يسميها المسلمون الصينيون مكة الصغرى لكثرة مساجدها ومدارسها الإسلامية - تعتبر أحد المراكز الناشطة لتجارة الهيروين في الصين, وهو متوفر في كل مكان، ورخيص جدًا مما يستخدمونه في التدخين. وينتهي هذا الطريق الصيني للمخدرات في تركستان الشرقية، حيث تم ترويجها بين الأهالي بدسها في الأطعمة والمشروبات التي تقدم في المطاعم.

ومما يدعو إلى الحسرة والحزن والأسى أن هذه المخدرات التي أخذت تتدفق إلى تركستان الشرقية بتشجيع السلطات الصينية جلبت معها مرض الإيدز إلى مناطق المسلمين, والتي لم تسجل فيها إصابة واحدة حتى عام 1994م, إلا أنه في نهاية عام 1996م كان واحد من كل أربعة يتعاطون المخدرات إيجابيًا لفيروس مرض الإيدز, وفي السنوات الأخيرة أصبحت تركستان الشرقية من أكثر المناطق التابعة للصين انتشارًا بوباء الإيدز، وأصبح المسلمون الإيغور هم أكثر القوميات التي منيت بهذا الوباء, ويقدر العدد الحقيقي للمصابين بأكثر من 30 ألفًا, أي أن نسبة الإصابة تصل إلى 30% في تركستان الشرقية, ما يجعلها المقاطعة الصينية الأولى في نسبة انتشار الإيدز.

ولقد كان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة تأثير كبير على معاملة مسلمي الإيجور؛ حيث استغلت الصين هذا الحدث ذريعة لتزعم أن من يقومون بنشر رسائل دينية أو ثقافية مسالمة هم 'إرهابيون' غيروا من أساليبهم المنهجية, وعليه فإن المسلمين الناشطين في المجالات الدينية السلمية يتعرضون للاعتقال والتعذيب والإعدام أحيانًا.


وتفرض السلطات الرقابة الدينية والتدخل القسري على الأنشطة الدينية وممارسي النشاطات الدينية والمدارس والمؤسسات الثقافية ودور النشر وحتى المظهر والسلوك الشخصي لأفراد الشعب الإيغوري, تفتيش كل البيوت وجمع أكثر من 730 ألف كتاب ديني ومخطوطة إسلامية, وإجبار رجال الدين العلماء بإحراقها في الميادين العامة. وما خفي كان أعظم؛ حيث نشرت الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني أنباءً عن قيام السلطات الصينية بإحراق وإتلاف 32.320 نسخة من المصحف، وذكر موقع منظمة 'مؤتمر الإيغور الدولي' الذي يتخذ من ألمانيا مقرًا له: إنّ هذه الخطوات تأتي كجزء من سياسة تتبعها الصين لمحو الهوية الدينية والقومية للإيغور, تمهيدًا للقضاء عليهم نهائيًا بعد قرار اتخذه مجلس الجامعات في اجتماع عُقد بجامعة 'سيانج يانج' مؤخرًا, دعا فيه إلى إلغاء الدروس باللغة الإيغورية التي يتحدث بها سكان تركستان الشرقية, وإحلال اللغة الصينية بدلاً منها, ولعل تلك الممارسات الجائرة التي تقوم بها الحكومة الصينية ما هي إلا استراتيجية تريد بها اقتلاع حلم دولة مستقلة لمسلميها؛ حيث إنها تخشى من تفكك أقاليمها التي تعج بالمشكلات العرقية.

وقد كانت أكثر الحوادث التي تنم عن الحقد الدفين للإسلام والمسلمين من قبل السلطات الصينية الملحدة قيامها باعتقال معلمة بإقليم تركستان الشرقية تبلغ من العمر 56 عامًا و37 من طلابها تراوحت أعمارهم بين 7 أعوام و20 عامًا بسبب دراستهم للقرآن الكريم، وكان دليل اتهامهم هو حيازة 23 نسخة من القرآن، و56 كراسة تتضمن شروحًا له، وبعض المواد المتعلقة بالدراسات الدينية، تمت مصادرتهم جميعًا.


وتواجه المعلمة تهم 'الحيازة غير المشروعة لمواد دينية ومعلومات تاريخية مثيرة للبلبلة', كما تطالب أهالي الطلاب الفقراء بغرامات مالية باهظة, ولعل هذا الحدث الذي لم ينل القدر الكافي من اهتمام وسائل الإعلام العالمية عامة والإسلامية خاصة يكشف للعالم مدى المعاناة التي يعايشها نحو 100 مليون مسلم بالصين تحت سمع وبصر العالم.

وبعد عرض هذه الصفحات من تاريخ مسلمي الصين الملطخ بالدماء، هل تظل المذابح وحرب الإبادة بحق مسلمي الصين شأنًا داخليًا لا يمتلك أحد من دول المسلمين مجرد رفع الظلم أو حتى التهدئة؟!! ففي الوقت الذي سمحت فيه الصين بتخريج دفعة من حفظة القرآن مؤخرًا - كما نقلت لنا الفضائيات – فإنها تحرق المصاحف وتفصل المسلمين من أعمالهم لمجرد أنهم مسلمون في داخل الصين, وتهدم مساجدهم وتدرس لأئمة وخطباء مساجدها المبادئ الشيوعية وتقدم لهم الخطب الرسمية التي تسب في الإسلام أكثر مما تحكي واقعه.

وهكذا ووسط حالة الضعف السياسي ضاع حق ضعفاء الإيغور على مرأى ومسمع من الدول العربية والإسلامية التي تخشى الدخول في مناقشات مباشرة مع الصين التي ترفع شعار 'شأن داخلي', على الرغم من أن عالمنا العربي والإسلامي يستطيع فعل الكثير, وخاصة أنه يعد سوقًا استراتيجيًا كبيرًا مفتوحًا أمام المنتجات الصينية؛ ما يعطيه القوة في مطالبة الصين بمنح هذا الإقليم استقلاله ورفع الظلم والاضطهاد الواقع على أبنائه.. فهل من مجيب؟!!

منقول

إقليم" سينكيانج".. نبذة تاريخية

تعريف بقضية شعب الايجور المسلم

إقليم" سينكيانج".. نبذة تاريخية

يعتبر إقليم "سينكيانج" أكبر إقليم في الصين، وتبلغ مساحته 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي نحو 17% من مساحة الصين الحالية، واسمه الأصلي "تركستان الشرقية". وكان المسلمون الأتراك في صراع دائم مع الصينيين، الذين شنوا عدة هجمات فاشلة على الإقليم. ولكن في عام 1759م، نجحت العائلة الحاكمة الصينية (Manchu) [الماتشو] في احتلال هذا الإقليم، ثم استرده الأتراك.. وظل الإقليم مستقلاً لفترة قصيرة، إلى أن نجحت العائلة الصينية نفسها في احتلاله مجددًا بمساعدة البريطانيين في عام 1876م. ومنذ ذلك الوقت والإقليم خاضع بالكامل للصين، التي عمدت إلى تغيير اسم "تركستان الشرقية" إلى "سينكيانج"، ومعناها: "الجبهة الجديدة".

وبعد الحرب اليابانية - الصينية في منتصف القرن العشرين، نشأت جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية إسلامية في شمال الصين، ولكنها لم تستمر طويلاً، حيث قام "ماوتسي تونج" (الزعيم الصيني المعروف) بفرض سيطرته على المنطقة كلها في عام 1949م، وإن كان قد أعطى الإقليم -بعد تغيير اسمه- صفة إقليم متمتع بالحكم الذاتي ثقافيًّا وإثنيًّا ودينيًّا ولغويًّا، إلا أنه من الناحية التطبيقية حدث العكس تمامًا، وقامت الحكومة الصينية بضرب الإقليم بيد من حديد.

وبالطبع أدى ذلك التجاهل للأويغور إلى المقاومة والمواجهة، وتأزمت الحالة، خاصة في السنوات الأخيرة عندما طالب عدد كبير من الأويغور -وبإصرار- بإقليم مستقل، متأثرين ومدعومين بالتطور الذي شهدته منطق "تركستان الغربية"، الذي تمثل في بروز جمهوريات إسلامية جديدة مثل: قيرغيستان، وكازخستان، وأوزبكستان، وطاجكستان، وتركمنستان.

وقوبل نداء الأويغور بالاستقلال والمطالبة بتطبيق "حق تقرير المصير" بعنف شديد وباضطهادات واسعة من قبل السلطة الصينية، تضمنت: اعتقالات تعسفية، إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، والانقضاض على كل ما هو إسلامي. وقد سجّلت منظمة العفو الدولية آلاف الأويغوريين الذين تم اعتقالهم، بالإضافة إلى المئات الذين تم إعدامهم في السنوات الأخيرة. وطبقًا لبعض التقارير -التي تم نشرها في مجلة "التايمز" بلندن- تقوم السلطة الصينية بإجبار النشطاء الإسلاميين من الأويغور على احتساء الخمر قبل تنفيذ الحكم النهائي عليهم.

وبالمناسبة، فإن الأويغور لا ينالهم الاضطهاد فقط في داخل إقليم سينكيانج، وإنما يمتد الاضطهاد إلى خارج الإقليم؛ ففي "بكين" -عاصمة الصين- وقع الاضطهاد على منطقة اسمها "قرية سينكيانج"، فتم إغلاق ثلاثين مطعمًا للمسلمين، وتشريد أكثر من ألف مسلم. هذا ما يتم الإعلان عنه، ولكن ما خفي كان أعظم.

بالإضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان، قام النظام الصيني بتأسيس برنامج على درجة عالية من التمييز والعنصرية، يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم سينكيانج. فمنذ الخمسينيات من القرن العشرين، والسلطات الصينية تسعى سعيًا حثيثًا تجاه تغيير المزيج الإثني بإقليم سينكيانج. وبذلت كل جهدها لتطبيق نظام "طفل واحد لكل أسرة" على الأويغور، بينما لم تطبقه على باقي الإثنيات التي تعيش في الإقليم نفسه، وكانت النتيجة أن تغير التوزيع السكاني تمامًا؛ فبعد أن كان المسلمون في تركستان الشرقية يشكِّلون أكثر من 90% (78% أويغور) والصينيون (الهان) يشكلون 6% فقط سنة 1942م ارتفعت نسبة الصينيين بشكل ملحوظ، وباتوا يشكلون –حسب إحصاءات نوفمبر 2001م- حوالي 40% من سكان الإقليم.

ولم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل تطور حتى صار (الهان) يسيطرون على المجالات الاقتصادية والسياسية؛ وقد تم ذلك من خلال خطط مدروسة مثل: إلغاء اللغة الأويغورية، وتوفير الخدمات المتميزة والوظائف لمجتمع الهان الذي يتزايد يومًا بعد يوم؛ وكذلك مُنع الأويغوريون من العمل في الشركات الصينية، خاصة بعد اكتشاف آبار البترول التي تتواجد بغزارة في المنطقة؛ الأمر الذي يصعد من أزمة البطالة بينهم.

وبما أن الإسلام يشكِّل مركزًا أساسيًّا في ثقافة الأويغوريين، تتجه الحكومة الصينية إلى طمس جميع الرموز الإسلامية؛ فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقة أو خاضعة لتقييدات صارمة. ومؤخرًا، تم منع التلاميذ في المدارس والجامعات من تأدية الصلاة، ومن صيام رمضان، بل وصل الأمر إلى منعهم من حمل المصاحف أو امتلاكها.

لماذا كل هذا الاضطهاد؟!

من الواضح أن هناك أسبابًا اقتصادية وعسكرية؛ فمن الناحية العسكرية، تشكل منطقة تركستان الشرقية -بحدودها المشتركة مع منغوليا، وكازخستان، وقيرغيزستان، وطاجكستان، وأفغانستان، وباكستان، وروسيا- مساحة وقائية من الأخطار الخارجية. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، استمرت الأهمية الإستراتيجية للمنطقة في التنامي والازدياد؛ حيث صارت تحتوي على إحدى الفرق العسكرية الكبرى، التي تمد الدولة بأجود الأسلحة والقادة في وقت الطوارئ. ومن الجدير بالذكر أن معظم الصواريخ النووية الباليستية -التي تملكها الصين- متواجدة في إقليم سينكيانج.

أما السبب الاقتصادي، فهو يتمثل في مخزون الثروات المعدنية التي يمتلكها هذا الإقليم، من الذهب والزنك واليورانيوم. وبعض التقديرات تذهب إلى أن احتياطي مخزون البترول يصل إلى 2.44 بليون طن في حوض التاريم. وبالرغم من أن جميع المحاولات -حتى الآن- للوصول إلى ذلك المخزون الضخم قد باءت بالفشل، فإن الإقليم يعتبر مهمًّا للغاية من حيث إنه يعتبر الواصلة التي تنقل البترول من جمهوريات آسيا الوسطى إلى مصانع الصين.

أين الدول الإسلامية؟

وبعد كل ذلك.. ألم يأنِ للعالم أن يستيقظ لوقف هذه المجزرة التي تتم باسم القضاء على الإرهابيين، والمتطرفين، والانفصاليين؟ تلك المجزرة التي يسميها النظام الصيني "قضية داخلية" تستهدف اقتلاع الإرهابيين؟

وللأسف الشديد، لم يقف العالم الإسلامي إلى جانب المسلمين الأويغور؛ وبدلاً من إظهار التضامن مع إخوانهم المسلمين، قام البعض منهم -مثل كازخستان، وقيرغيستان، وطاجكستان، وأوزبكاستان- بالتضامن مع الصين لمكافحة ما يسمونه بـ"الأصولية الإسلامية". وأكبر دليل على ذلك يتمثل في مجموعة "شنغهاي" -التي تضم الدول الإسلامية السابق ذكرها- بالإضافة إلى الصين وروسيا. وقد عقدت تلك المجموعة عدة اتفاقيات تعمل على إعادة اللاجئين الأويغور بالقوة إلى بلادهم (سينكيانج)؛ وهو ما يمثل انتهاكًا لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين؛ فقد قامت كازخستان برفض اللاجئين الأويغور وأعادتهم قسرًا إلى الإقليم، كما رفضت باكستان الطلبة الأويغور، وأغلقت بيوت الضيافة المخصصة لهم في إسلام آباد.

وفي غمرة عكوف العالم كله على الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، تضيع قضية المسلمين الأويغور وسط الزحام، منشغلين بالإرهاب الذي تعرفه أمريكا وفق رؤيتها، ومتناسين الإرهاب الذي يحدث في إقليم سينكيانج. 

 

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد