‏إظهار الرسائل ذات التسميات مسلسل الجماعة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مسلسل الجماعة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 12 سبتمبر 2010

الجماعة" الدراما عندما تؤلِّف التاريخ وتوجهه

 

هشام حمادة

بقلم: هشام حمادة

مقتل الخازندار.. بين الحقيقة والخيال المغرض

تعرضت الحلقة 25 لمقتل المستشار أحمد الخازندار على يد محمود زينهم وحسن عبد الحافظ من شباب التنظيم الخاص، وبالرغم من أن الحادثة أثارت غضب الأستاذ البنا واستياءه الشديد، وإنكاره على السندي لسوء فهمه وتحايله، إلا أن المؤلف لم يُظهر ذلك في المسلسل بل أظهر ابتسامة رضا على وجه الشيخ البنا بعد فترة من التفكير، ركزت فيها الكاميرا على وجهه؛ لتملأ الكادر بابتسامته العريضة، أما حقيقة ما حدث فلنسمعه من القريبين من هذه الحادثة.

 

يقول الدكتور محمود عساف: "كنت مستشارًا لمجلس إدارة النظام الخاص منذ عام 1945م  1364هـ باعتباره أمينًا للمعلومات تابعًا للإمام حسن البنا، وكنا نحضر الاجتماعات، وعرض مقتل المستشار الخازندار، وأنا مستشار لمجلس إدارة النظام، ولم يكن مجلس الإدارة يعلم شيئًا عن هذه الوقعة إلا بعد أن قرأناها في الصحف، وعرفنا أنه قد قُبض على اثنين من الإخوان قتلا الرجل في ضاحية حلوان، ومعهما دراجتان لم تتح لهما فرصة الهرب؛ حيث قَبَض الناس عليهما.

 

في ذات اليوم طلب الأستاذ الإمام عقد اجتماع لمجلس الإدارة بمنزل عبد الرحمن السندي وحضر الأستاذ بعد صلاة العشاء وبصحبته شخص آخر لا أذكر إن كان حسن كمال الدين المسئول عن الجوالة أو صلاح شادي رئيس نظام الوحدات الذي كان يضم ضباط وجنود البوليس (منزل عبد الرحمن السندي يقع في شارع جوهر بالدقي).

 

دخل الأستاذ وهو متجهم، وجلس غاضبًا، ثم سأل عبد الرحمن السندي قائلاً:

أليست عندك تعليمات بألا تفعل شيئًا إلا بإذن صريح مني؟!.

قال: بلى!.

قال: كيف تسنَّى لك أن تفعل هذه الفعلة بغير إذن، وبغير عرض على مجلس إدارة النظام؟ هل أصرح لكم وأنا لا أدري؟!

 

قال عبد الرحمن: لقد كتبت إلى فضيلتكم أقول:

ما رأيكم دام فضلك في حاكم ظالم يحكم بغير ما أنزل الله، ويوقع الأذى بالمسلمين، ويمالئ الكفار والمشركين والمجرمين؟!.

 

فقلتم فضيلتكم:

﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ (المائدة: من الآية 33).

 

فاعتبرت هذا إذنًا!!.

 

قال الإمام: إن طلبك الإذن كان تلاعبًا بالألفاظ، لم يكن إلا مسألة عامة تطلب فيها فتوى عامة، أما موضوع الخازندار فهو موضوع محدد لا بد من الإذن الصريح فيه، ثم إنك ارتكبت عدة أخطاء: لم تعرض الأمر على مجلس النظام، ولم تطلب إذنًا صريحًا، وقتلت رجلاً يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، واعتبرته يحكم بغير ما أنزل الله وهو يحكم بالقانون المفروض عليه من الدولة، ولو افترضنا أنه كان قاسيًا، فإن القسوة ليست مبررًا للقتل.

 

وقال: إن كان قتلك للخازندار تمَّ بحسن نية فإن الدية علينا!.

 

ويقول الدكتور عساف: "إن الإخوان كجماعة إسلامية لا تقر الاغتيالات السياسية، وتنظيمهم الخاص كان مُخصصًا لأعمال الجهاد في سبيل الله فهو كتنظيم بريء كل البراءة من هذا الحادث الذي يقع وزره على رئيس النظام وحده، لهذا كان استنكار الإمام لهذا الحادث علنًا أمام إخوانه جميعًا".

 

وتحت عنوان "أحداث 1948م كتب صلاح شادي أحد قادة النظام الخاص في صفحة 92 من كتابه "صفحات من التاريخ حصاد العمر" يقول: "كانت هذه السنة حافلةً بالأحداث التي أثرت تأثيرًا كبيرًا على كيان الجماعة, ففي مارس سنة 1948م اغتيل الخازندار بيد الأخوين محمود زينهم, وحسن عبد الحافظ, وحُكِمَ عليهما بالسجن المؤبد في 20 من محرم 1368هـ = 22 من نوفمبر سنة 1948م، وتم هذا الحادث بغير علم المرشد, وبغير إذنه ما أثَّر عليه تأثيرًا بالغًا, وأراد الأستاذ المرشد في بادئ الأمر أن يتحقق من أن هذا الحادث قد قام به السندي؛ حيث جرى في ظنه احتمال حدوثه من بعض الطلبة غير المسئولين, الذين يخضعون إلى قسم الطلاب, والذي كان مسئولاً عن العمل فيه في هذا الوقت الأستاذ محمد فريد عبد الخالق؛ ولذلك ما إن قرأ الأستاذ المرشد هذا النبأ في الصحف بعد فجر هذا اليوم, حتى أرسل من يستدعي الأستاذ فريد عبد الخالق على عجل, ليقابله في منزله في صباح هذا اليوم الباكر فذهب إليه على التو، إذ كان يسكن في منزل قريب من منزل الأستاذ المرشد.

 

وسأله المرشد عما إذا كان لقسم الطلاب دخل في هذا الحادث؟.

فأجابه بالنفي طبعًا، وأنه لا يمكن أن يصدر لأحد الطلاب أمر بهذا الخصوص، وأخذ الغضب والأسف من المرشد كل مأخذ وهو يقول:

إن هذا يعني تدمير الجماعة التي قضى عمره في بنائها!، وقال للأستاذ فريد: "أنا أبني وهم يهدمون".

 

وقال: إن الرصاصات التي أُطلقت على الخازندار إنما أُطلقت على صدره هو!!.

 

ولم يخفف من هول الحادث ما تذرع به السندي عندما توجه برد الفعل هذا لدى المرشد، فادعى أن المرشد قال في مجلس عام:

إن القاضي "يستاهل القتل"؛ وذلك عندما سمع بالأحكام القاسية التي صدرت ضد أشخاص من الإخوان، (ضُبطوا في الإسكندرية أمام نادي الجيش الإنجليزي، ومعهم قنابل لم تُفَجَّر بعد) فأصدر عليهم القاضي الخازندار أحكامًا قاسية، في نفس الوقت الذي حكم فيه على حسن قناوي سفاح الإسكندرية الذي ارتكب جنايات قتل وهتك عرض أثارت الفزع والغضبب في الرأي العام والخاص في الإسكندرية، فقضى عليه بالسجن 7 سنوات! فاعتبر السندي أن هذه العبارة من المرشد إذنًا ضمنيًّا لقتل الخازندار!!.

 

وهذا تبرير غير معقول لحادث كهذا، ولكن الحقيقة كانت كامنة وراء شعور السندي في هذا الوقت باستقلاله هو، وبمن يتولى قيادتهم من إخوان النظام الخاص عن سلطان الجماعة وقائدها (حسن البنا)، الأمر الذي سهَّل له هذا السلوك، لم يكن من حقِّ أحد إخوان النظام أن يتصل بالمرشد في شأن من شئون النظام الخاص إلا عن طريقه، وبهذا عزل إخوان النظام تمامًا عن قيادة الدعوة، وأصبح فهم السندي لدور المرشد هو أن يبحث له عن مخرج أمام الناس؛ لترميم الصدوع التي تحدثها أمثال هذه التصرفات غير المسئولة، وتكييف الرأي العام داخل الجماعة وخارجها لتقبُّل هذه الحوادث!.

 

أما أحمد عادل كمال أحد رجال النظام الخاص في ذلك الوقت، فيضيف أن الأستاذ البنا شدَّد عليهم في اجتماع خاص بقيادة النظام الخاص أنه لا شيء بعد ذلك يتم إلا بعد أمر كتابي منه فردَّ عليه الأستاذ مصطفى مشهور "إنهم خلاص قد فهموا الأمر، وأنهم لن يقوموا بأي شيء بعد ذلك إلا بعد موافقة صريحة منه، وأنه لا داعي للأمر الكتابي".

 

ويقول د. محمود جامع "قام النظام الخاص بقتل القاضي الخازندار.. وحينما علم بذلك الشيخ حسن البنا غضب غضبًا شديدًا.

 

وقام باستدعاء عبد الرحمن السندي، وقال له: لم قتلت الخازندار؟ ومَنْ أمرك بذلك؟

فقال السندي: ألم أقل لك من قبل إنه قد أعطى الإخوة أحكامًا مشددة.

فقلت لي: "ربنا يخلصنا منه.. ده يستاهل قطع رقبته".

فقال له الشيخ البنا: وهل معنى ذلك أن تقوم بقتله!!.

ماذا أقول للقضاة؟

وماذا أقول للمستشار الهضيبي؟

وماذا أقول للناس؟

ثم بكى الشيخ حسن البنا بكاءً شديدًا أمام د. عبد العزيز كامل، والمهندس: حلمي عبد المجيد، وأ. فريد عبد الخالق.. وهؤلاء الثلاثة كانوا من أصدق أصدقائي.. ويمكنك أن تسأل أ. فريد عبد الخالق إذا قابلته عن هذه الوقعة، وكذلك المهندس حلمي عبد المجيد فهو يعيش إلى الآن وعمره 92 عامًا.

 

هؤلاء هم رجال الإخوان الذين يعرضون الأمر في شجاعة نادرة، واعتراف بالخطأ والقصور، ويعرضون صورةً؛ لتصحيح الأوضاع في رجولة دون خجل أو مواربة، فمن أين جاء وحيد حامد بهذه الصور المشوهة لمرشد الجماعة الأول وابتسامته الراضية بالاغتيال؟ ولماذا يسعى أن يطغى خطأ أو استثناء من بعض رجاله على تاريخ جماعته؟ منذ متى يتم تقييم الجماعات والهيئات بل والحكومات باستثناءات الأخطاء، مع إلغاء كل حسناتها وإيجابياتها؟ وهل يفعل ذلك سوى صاحب هوى مريض القلب؟ لقد شاءت إرادة الله أن تجري هذه الحادثة لتظهر معدن رجال الإخوان أمام حدوث الأخطاء، فيصقلون برفضها ويبتلون بتصحيحها، ولتكن شاهد الهم على نقاء جوهر منهجهم القادر على نبذ الغريب ونفي الشاذ، وشاهدًا على قدرتهم على مقاومة المخطئين داخلهم والحفاظ على سلامة عقيدتهم، بالرغم من الضغوط والابتلاءات، فقد وقعت هذه الأحداث وهم تحت ضغط واضطهاد شديد، فما عُكر صفو منهجهم وما استطابوا العنف والانتقام وما استحسنوا الثأر على يد فئة منهم، إنها حكمة الله تعالى لتظهر سلامة العقيدة، ونقاء الجوهر، ولكنها لصحيح الإبصار سليم القلب.

 

أما الهوى والبغضاء فيظهران بقوة وسطوع وحرارة كنار حارقة في حلقتين متتاليتين، ففي الحلقة السابقة يكون دافع الإخوان من الهجوم على معسكرات الجيش الإنجليزي هو فقط إحراج وزارة النقراشي، أما في هذه الحلقة فتقرر أن الشيخ البنا دخل حرب فلسطين ليغطي على مقتل الخازندار، أي إسفاف وأي سطحية وأي استخفاف بعقول المشاهدين!؟ إن وحيد حامد يفضح أهدافه غير المعلنة ودعائيته المفرطة في السواد.

 

النظام الخاص.. جزء من تاريخ مصر وكفاحها

في هذه الحلقة يركز وحيد حامد على موضوعين، الأول: انهيار شخصية الشيخ حسن البنا أمام الحصار الرسمي لجماعته!! ولإظهاره بمظهر الضعف والاهتزاز الذي يصل به إلى أن يقول لمدير الأمن العام وهو يوسِّطه من أجل مقابلة الملك "مالناش دعوة بسلوك الملك، عايز يروح يسكر يروح يسكر، عايز يروح يسهر في علب الليل ويسهر كيف شاء هو حر، لا شأن لنا بسلوكه".. الله أكبر عليك يا وحيد حامد.. بالله عليك.. هل تصدق أنت أن شابًّا صغيرًا في جماعة الإخوان يقول هذا الكلام التافه، لمصلحة من تشهد زورًا، وتنشره في الآفاق، لمصلحة من تحطِّم رمزًا من رموز مصر وفخرًا من مفاخرها، ورجلاً نادرًا من رجالاتها، لا يوجد مصري حقيقي ينتفع من تشويه تاريخ مصر وزعمائها الحقيقيين، أليس لحسن البنا فضل في مجاهدة المحتل البريطاني؟ ألا يُحفظ له هذا الفضل؟ أليس لحسن البنا شرف في الدفاع عن أمن مصر القومي وأمن الأمة العربية بأسرها في فلسطين؟ لماذا لا يُشهد له بهذا الفضل؟ أليس للشيخ فضل في تحمُّل جماعته هموم ومشاكل المجتمع المصري وأولها الفقر والمرض؟ لماذا يُنكر فضله؟ أليس لحسن البنا وجماعته فضل في إزكاء الروح الوطنية والوعي الديني السليم في ربوع مصر، بالإضافة للتصدِّي لعوامل الضعف النفسي والانهيار الأخلاقي؟ لمصلحة من كتم شهادة الحق؟ أليس من الوطنية الحقَّة الإشادة بكلِّ عمل وطني جليل قد صبَّ في صالح الوطن ضد مؤامرات وأخطار أعدائه.

 

الموضوع الآخر الذي استغرق الحلقة: كان مشاهد مطاردة الأمن، واستهداف قيادات الداخلية للنظام الخاص للجماعة حتى مشهد سقوطه، الذي احتفى به المسلسل، والمؤلف هنا يعتمد على تلبيس الأمر على المشاهد، وعلى خلط الأوراق، وبخاصة أن الذي يطارد الشباب المجاهدين هي أجهزة الداخلية المصرية والمؤسسات الرسمية؛ وذلك تجاهلاً لحقيقة أن النقراشي كان ينفِّذ توجيهات مؤتمر فايد في 10/11/1948م؛ حيث اجتمع سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا هناك، وقرروا اتخاذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة البريطانية؛ لحل جمعية الإخوان المسلمين، وأرسلت هذه الإفادة إلى رئيس المخابرات في 13/11/1948م،
وبعد ذلك بأقل من شهر صدر الأمر العسكري رقم(63) لسنة 1948م بتاريخ الأربعاء 7 صفر 1368هـ الموافق8/12/1948م بحل جمعية الإخوان المسلمين، وجميع شعبها، هذه هي الحقيقة؛ حل جماعة الإخوان المسلمين كان حلقةً في صراع بين المحور المصري العربي المسلم ضد المحور البريطاني الصهيوني العلماني، وخسارة مصر والعرب من حل جماعة الإخوان المسلمين لا يقدره إلا الكيان الصهيوني وحلفاؤه الإنجليز والأمريكان.

 

ودعونا نتعرف أولاً على مشهد وطني من تاريخ الإخوان المسلمين؛ لنعرف لمصلحة من حُورب الإخوان وما يزالون يُحاربون حتى الآن؟ فنهاية الحرب العالمية الثانية كانت بداية صراع وطني ضد بريطانيا، وقد دعا الإخوان المسلمون حينها إلى مؤتمر شعبي يُعقد بالقاهرة، وفي 7 مراكز رئيسية في الأقاليم، وذلك في بداية أكتوبر؛ لمناقشة القضية الوطنية، ولتحديد وصياغة المطالب.

 

وفيما بين بداية مناقشة المسألة الوطنية ورحيل صدقي إلى لندن، كانت الحركة الوطنية قد انتقلت من مرحلة الإصرار على شروط محدودة للتفاوض، إلى مرحلة الرفض الكامل لأية مفاوضات قبل إتمام الجلاء أولاً، وقد أرسل الشيخ حسن البنا خطابًا إلى الملك، وإلى صدقي، مناديًا بدعوة الأمة إلى الجهاد، ومُقاطعةِ إنجلترا اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.

 

وفي رسالة إلى شعب وادي النيل أعلن محذِّرًا:

"إن حكومة صدقي باشا في إصرارها على إجراء المفاوضات لا تمثل إرادة الأمة، وأيُّ معاهدة أو اتفاق تتوصَّل إليه مع بريطانيا قبل أن يتم إجلاء قواتها هو إجراء باطل، ولن يلزم الأمة".

 

وفي اليوم السابق على رحيل صدقي إلى إنجلترا أكد الإخوان هذا التحذير بدعوتهم إلى مظاهرات ضخمة في جميع أنحاء البلاد، وقد حصلت جريدة (الإخوان) على بعض النصوص الهامة للمعاهدة التي أطلق عليها اسم (معاهدة صدقي بيفن) فقادت حملةً شعواء ضد هذه المعاهدة.

 

وقد عاد صدقي في 25 أكتوبر؛ ليقدِّم استقالته إلى فاروق لتنتهي وزارته، وتأتي وزارة محمود فهمي النقراشي، وعند ذلك قامت جماعة الإخوان بعدة فعاليات لنصرة القضية الوطنية أولها كان شارة الجلاء.

 

حيث قامت لجنة الدفاع عن وادي النيل بالمركز العام للإخوان، بطبع وعمل عدة ملايين من شارة لها طابع خاص، لونها أحمر، وعلى شكل قلب، مكتوب في وسطها كلمة (الجلاء)؛ ليقوم شباب الإخوان في جميع البلاد من أسوان إلى الإسكندرية، بتوزيع هذه الشارات على جميع أفراد الشعب على اختلاف طبقاته، وخرجت الأمة في يوم واحد، وهي تحمل هذه الشارة في إجماع رائع مثير، وقد أصدر الإخوان بيانًا طالبوا فيه بعدم التعامل مع الإنجليز، فقامت المؤسسات بشطب اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية.

 

ثانيا: حرق الكتب الإنجليزية

وقد قام الإخوان يوم 25/11/1946م في كل الأقاليم بِجَمْع الكتب والصحف الإنجليزية وحرقها في الميادين الكبيرة.

ثالثًا: ممثل الإخوان في الأمم المتحدة

وقد أعلن النقراشي في 25/1/1947م عن اعتزامه عرض المشكلة المصرية على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

 

وكان الإخوان قد دعوا إلى ذلك من قبل، وقد قرروا إرسال ممثلهم مصطفى مؤمن مع النقراشي، وتجوَّل مصطفى مؤمن في الولايات المتحدة، وخطب من أجل القضية المصرية، وأسمع صوته الأمم المتحدة نفسها.

 

وفي 22/8/1947م ألقى خطبةً ملتهبةً من شرفة الزوار، وأشهر وثيقة موقَّعة بدماء الطلاب تستنكر المفاوضات، وتطالب بالجلاء التام، وبالتوحيد الكامل لوادي النيل، وقد قام مصطفى مؤمن بمظاهرة خارج مبنى الأمم المتحدة، بمساعدة من نقابة عمال البحرية بنيويورك، التي كان من أعضائها بعض المصريين.

 

وعاد النقراشي ليستقبله الإخوان استقبالاً حافلاً، هذه صور من جهد الإخوان المتواصل في نصرة القضية الوطنية، فهل كانت في الخفاء بحيث لم يدركها مؤلف هذا المسلسل.

 

أما النظام الخاص" بجماعة الإخوان المسلمين فهو نظام عسكري أسسته الجماعة في العام 1940م، وهدفه- بحسب محمد مهدي عاكف- "إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي، ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت؛ حيث كان كل فرد يمكنه دفع 20 جنيهًا يستطيع التخلص من الخدمة العسكرية"، وبحسب محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" فقد قام النظام الخاص من أجل محاربة المحتل الإنجليزي داخل القطر المصري، والتصدِّي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين" وكان من أشهر أعضائه جمال عبد الناصر، وخالد محيي الدين عضوا مجلس قيادة الثورة وفق شهادة خالد محيي الدين نفسه، وقد انضما إلى النظام الخاص عام 1943م وفق رواية أحمد رائف.

 

أراد حسن البنا أن يُكَوِّن ذلك "الجيش المسلم" للتصدِّي لليهود والإنجليز؛ حيث كانت قناعته بأن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين، ومع شعوره بضعف الحكومات العربية، وهزل الجيش المصري في هذا الوقت، فكان هذا حافزًا آخر لتكوين "النظام الخاص"، وقد كان التأسيس وليد فكر مشترك بين الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين) وحسن البنا (مرشد الإخوان).

 

ولم يكن النظام الخاص فكرةً جديدةً ابتدعها الإخوان في ذلك التوقيت، فكل القوى السياسية الموجودة بالساحة في الوقت كان لديها أجهزة عسكرية سرية مثل "الوفد" و"السراي" و"مصر الفتاة" وعرف وقتها أصحاب الياقات الزرقاء والحرس الحديدي حتى إن "الضباط الأحرار" كان تنظيمًا سريًّا في هذا الوقت.

 

أما المفاجأة التي سيحاول وحيد حامد بكل يقين إخفاءها، فهو الحكم التاريخي للمحكمة التي حاكمت أعضاء النظام الخاص؛ حيث برَّأت أكثرية المتهمين، وحكمت على أفراد قليلين، منهم بأحكام مخفَّفة، ما بين سنة و3 سنوات، ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية، وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر، ثم كانت المفاجأة أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان، ونشرت الصحف ذلك بالخط العريض، حاكمهم ثم انضم إليهم! فهل سنرى تلك الحقائق التاريخية عن الجهاز الخاص في مسلسل وحيد حامد.

 

الدراما السوداء.. بين الدعاية والجريمة

تبلغ بغضاء وحيد حامد وعدوانيته تجاه شخصية الشيخ حسن البنا ذروتها في هذه الحلقة، فهو بعد أن وصفه في حلقات سابقة بمواصفات المستبد المهيمن المصر على الزعامة والتفرد إلى درجة الهوس، يعود في هذه الحلقة إلى تناقض غريب؛ ليلبس تلك الشخصية بمواصفات الجبن والخوار والخسة؛ وذلك عندما يذهب إلى عبد الرحمن عمار وكيل الداخلية في شكل رجاء وتوسل لعدم حلِّ الجماعة، ثم ما يلبث أن يبكي بين يديه لدرجة ضياع صوته واختناقه، ثم تكون الدهشة الكبرى عندما يبدأ بضرب يديه خلفية رأسه بقوة عدة مرات، مبديًا الأسف والندم، هذا المشهد يتكرر تقريبًا عندما يعود الشيخ إلى مكتبه ليجلس عليه وحوله أتباعه محتشدين، وعندئذ يسمعون قرار الحل في المذياع، فيبدأ الشيخ بضرب رأسه على المكتب بشكل هستيري ومستمر، قمة الازدراء والسخرية من أهم شخصية تاريخية في العالم الإسلامي في القرن العشرين.

 

لا يقتصر وحيد حامد في سخريته وازدرائه على قدر تلك المشاهد، فهو يحب أن يؤكد بصورة مباشرة ولفظية ما يريد الذهاب إليه، أو التأثير به، كعادته في هذا المسلسل، وهو ما يجافي مفهوم الدراما، ولكن للدعاية السوداء أولوياتها، فيُجري المؤلف حديثًا في مكتب وكيل الداخلية؛ ليصيغ من خلال حوار الحضور- الذين لم نتعرف بهم- ما يشاء من جمل السب والقذف المباشر، ومنها جملة تجري على لسان شيخ في الملبس الأزهري تقول: "إن النقراشي بحلِّ الجماعة أنقذ البلاد من عار يرتدي ثياب الفضيلة"، وكأن المؤلف يريد عندما يضع هذه الجملة على لسان شخصية ترتدي الرداء الأزهري أن يتقبلها الشعب بخمول عقل دون تفكير، وكأن هذا هو رأي الدين (من يستغل الدين الآن؟)، والحقيقة أن هذا المشهد يسيء به وحيد حامد لرجال الأزهر، عندما يظهرهم في مجالس الحكام يوافقونهم دون تردد، وهم منهيون شرعًا عن الدخول على السلاطين أي أصحاب السلطان، فضلاً عن مجالستهم، وبالتالي هذه الصورة تسيء إليهم، وبخاصة أن المؤلف لم يبين سبب وجود هذا الشيخ المجهول في مكتب وكيل الداخلية يسخر ويستهزئ من رجل دين مُبْتلى، حتى وإن كان مخطئًا، فهل تقع المشكلة في ثقافة وحيد عن الإسلام أم في ارتباطه بلغة وأسلوب شخصيات عادل إمام التي يكتبها له، وعدم قدرته على التخلص من "إفيهات" و"لزمات" تلك الشخصية الخارجة غالبًا عن حدود القيم والأخلاق الفاضلة.

 

لا ينسى وحيد حامد أن يطعن في جماعة الإخوان بصورة واضحة ومباشرة على لسان كريم ثابت، عندما يجعل شيخهم ومؤسسهم يندم على اشتغاله بالسياسة، ويقول: بأنه كان خطأً كبيرًا، مع أن الحقيقة أنه هو- رحمه الله- القائل: لو كان هذا الإسلام كما نفهمه هو السياسة فنحن أهل السياسة، وهو القائل: إن في آية واحدة من كتاب الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ (النحل)، تحتاج لعمل ست وزارات، ولقد استشهد الأستاذ البنا وهو يطارد قاتليه، فلم يكن جبانًا ولا خوارًا.

 

لقد استدعى وحيد مشهد بكاء شخصية البنا مرة بين يدي خصمه، ومرة بين يدي تابعيه وتلامذته، وضربه لرأسه في المرتين ندمًا وحسرةً، استدعى من ذاكرتي موقفًا شخصيًّا لي وأنا في الصف الأول الابتدائي، ولم تمضِ إلا أيام قليلة من الدراسة عندما اعتدى عليَّ ضربًا مدرس الفصل، فكان ثباتي الصامت والمندهش أمام زملائي سببًا لأن يزيد من عدوانه حتى اضطر أن يطردني خارج الفصل، عندها فقط التفت حولي فلم لم أجد أحدًا يراني، بكيت كما لم أبك في حياتي، بعدها وعندما عملت مدرسًا وكنت أعرض بعض التلاميذ لنوع من العقاب، فأجد منهم صمودًا وتحديًّا كنت أكتفي بما نويته مقدمًا لأنني أعلم أن أثر هذا العقاب سيغزو أنفسهم بمجرد ابتعادهم عن زملائهم، هكذا يحافط يا وحيد الأطفال والصبية على عزة نفوسهم أمام الناس، فكيف يخور زعيم بهذا الحجم، وعلى هذه العقيدة الإسلامية بهذا الشكل المُذِل والمخزي إلا إذا كان كذبًا وافتراءً.

 

هل تفكرت يا سيد وحيد في تكلم الناس عن كذبك وافترائك؟ ألم يهز كبرياءك احتمال حدوث ذلك؟ هل أيقنت أن الله يجمعك مع كل خصم لك في محاكمة يوم القيامة، وقد اختصمت الرجل بشهادتك هذه عليه؟ هل نفسك مطمئنة؟ أو دعنا من هذه، هل ضميرك الفني والأدبي سعيد بهذا الاختلاق والسب المباشر والتلفيق في التاريخ ورجاله، حتى مسخت شخصية رجل إلى شخصية مغايرة تمامًا لإرضاء أناس لهم أهداف سياسية معلنة، احتفيت أنت بها على لسان شخصيات كالنقراشي وإبراهيم عبد الهادي عندما قلت أنت على لسانهما: "لا نريد إخوان في مصر"، ولا أحد يعلم في أي وثيقة وجدت ذلك أم أنه هوى النفس، وأهداف مَن تبحث عن رِضَاهم.

 

النقطة الرئيسية الثانية في هذه الحلقة كان موضوع اغتيال النقراشي، ورغم إدانة الأستاذ البنا له، وإدانة الجماعة من بعده، وبالرغم من أن الجماعة في عداد فترة وجيزة قامت بخطتين لتعديل وضعية الجهاز الخاص، في المرة الأولى جُزِّئ وجُعِلَ عَلَنِيًّا وتابعًا لإدارة المحافظات، والثانية عندما أُلغي تمامًا بعد اكتشاف عدم عملية الحل الأول، وكان هذا في مدة لم تتجاوز 3 سنوات من حادث اغتيال النقراشي، ودون ضغط من أحد بل تعرضت الجماعة لمخاطر عظيمة من جراء إلغائه، ولم يكن تراجعًا عن فكرة الجهاد، بل رأت الجماعة أن يكون الجهاد مُعلنًا للعيان بالأشخاص كما بالمواقف، وأن تُستكمل علنية الجماعة في كلِّ شيء.

 

الأمر الآخر الذي أُريد الإشارة له هو السياق التاريخي الذي جرى فيه حادث اغتيال النقراشي، ولا يمكن منطقيًّا فصل حادثٍ ما عن سياقه التاريخي، كما لا يمكن كتابة عمل درامي بمعزل عن سياقه التاريخي، وهو الخطأ الذي وقع فيه المؤلف، فمن ناحية كان يعلم شباب الإخوان أن قرار الحل كان استجابة لرغبة الاستعمار لإفشال جهود المجاهدين الإخوان في فلسطين، وقد أنزلوا بالصهاينة هزائم منكرة حتى استغاثوا بالقوى الاستعمارية الكبرى، وكانوا يعلمون أن قرار الحلِّ طلب من قبل من النحاس لكنه رُفِضَ، ومن ناحية أخرى كان قرار الحل بما ترتب عليه من مصادرة الممتلكات والأموال والأسلحة المجموعة لإرسالها إلى فلسطين بمثابة نكسة للمجاهدين هناك، وهذا زاد من اشتعال صدور الشباب، من ناحية ثالثة كانت كل قيادات الجماعة معتقلة بما فيها قيادات النظام الخاص، وبقت مجموعة وحيدة بهيكلها وقائدها بدون صلة بالجماعة، وفي غيبة القيادة وظلمة المحنة قرَّرت هذه المجموعة عمل شيء ضد هذه الغارة التي اعتبروها لصالح المحتل في مصر والصهاينة في فلسطين.

 

الجدير أيضًا بالذكر أن مصر في هذه الفترة وفي مدارج سياقها التاريخي كانت ممتلئة بالجماعات السرية سواء التابعة لأحزاب وجماعات لم تصل إلى الحكم أو حتى تابعة لأحزاب في الحكم أو جهات حاكمة كالملك، وكان هذا وضعًا طبيعيًّا في بلد محتل على غير رغبة من حكامه، فقد شهد حزب الوفد تأسيس جماعة اليد السوداء، كما كان للسعديين ولمصر الفتاة والحزب الوطني جماعات سرية، بل إن الملك نفسه أنشأ تنظيمًا سريًّا لُقِّبَ بالحرس الحديدي، كما كان للضباط الأحرار تنظيم سري آخر، بالإضافة إلى خلايا عديدة غير تابعة للأحزاب مثل خلية حسين توفيق التي اغتالت أمين عثمان، بل إن النقراشي نفسه وأحمد باشا ماهر واللذين يظهرهما المسلسل كأعداء للفوضى التي يثيرها الإخوان على حسب ادعاء وحيد حامد كانا عضوين بتنظيم خاص تابع لعبد العزيز فهمي من مؤسسي حزب الوفد مع سعد زغلول، بل إنهما اشتركا في اغتيال "السير لي ستاك" وهو الحادث الذي عرَّض مصر لعواقب وخيمة، ولما سُئِل سعد زغلول عن ذلك، قال: "كيف لي أن أراقب كل أعضاء حزبي؟" ولم يتهم أحد سعد زغلول بإنشاء تنظيمات سرية إرهابية، فالوطن كان مُحتلاً، والجهاد كان واجبًا.

 

بل الأدهى من ذلك أنه عندما انشق محمد محمود باشا عن حزب الوفد المصري وكَوَّن حزب الأحرار الدستوريين قامت جماعة من الوفد باغتيال حسن عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك من حزب الأحرار، فلم يصف أحد حزب الوفد سواء حينها أو الآن بأنه حزب دموي، وكذلك اشترك إبراهيم عبد الهادي (رئيس الوزراء فيما بعد)، وعبد الرحمن بك فهمي بجرائم اغتيال سياسية معروفة فلم يتهمهم أحد بالخيانة أو يتهم حزب الوفد بالإرهاب، وكانت الثقافة السائدة حينها أن اغتيال عميل تابع لبريطانيا هو عمل ديني وطني في المقام الأول؛ لذلك أنشدت المواويل وحُكيت القصص ودبجت القصائد في مدح إبراهيم الورداني قاتل بطرس غالي، كما اعتبر الشعب المصري أن مشاركة محمد أنور السادات في اغتيال أمين عثمان كان عملاً بطوليًّا، كما شارك السادات أيضًا في محاولة اغتيال النحاس باشا، كما شارك جمال عبد الناصر في محاولة اغتيال حسين سري عامر.

 

هذا هو السياق التاريخي الذي تجاهله وحيد حامد في مسلسله قاصدًا عامدًا حتى يتمكن من أهدافه السياسية، ويكفي أن أختم هنا بما سبق أن ذكرته عن القاضي أحمد بك كامل الذي حاكم أفراد النظام الخاص، فَبَرَّأ معظمهم، وحكم بالسجن على بعض منهم بعد أن أعلن في حيثيات حكمه، والتي أتت كوثيقة تاريخية، عن وطنية هؤلاء الأفراد، ونبل مقاصدهم، وعظيم خدماتهم للوطن، ثم أتبع ذلك بانضمامه لجماعة الإخوان المسلمين؛ لكن هذه حقيقة من ضمن الحقائق الكثيرة التي توجب على وحيد حامد إخفاءها، وهنا نصل إلى السؤال الذي يفرض نفسه؛ هل وحيد حامد في مسلسل الجماعة كان كاتبًا لدراما تاريخية أم متآمرًا حتى النخاع في دعاية سوداء لصالح جهة سياسية؟ ومن يحاسب كاتب الدراما حين يمارس الإرهاب الفكري أو حين يرتكب جريمة الاغتيال المعنوي، وهو أحيانًا أشد خطورة من الاغتيال المادي، وهل بلغت مصر درجة من النضج الثقافي والسياسي والاجتماعي كي تحاسب وحيد حامد على تلاعبه بالتاريخ ورجاله أم أن مصر هي الأخرى سبق اغتيالها معنويًّا؟!.


الاثنين، 6 سبتمبر 2010

الجماعة".. الدعائية أهم من الدراما

[06/09/2010][00:17 مكة المكرمة]
 

هشام حمادة

بقلم: هشام حمادة

تتعرض الحلقة 22 لبداية عمل النظام الخاص الذي اختص بجانب الجهاد في الجماعة إزاء وجود الاحتلال البريطاني في مصر، وكذلك ما كان يحدث في فلسطين؛ فالفكرة كانت محلَّ ترحيب وطني وقومي، ولم تكن سرية بالمعنى الشائع، فكان من المعلوم أن لكلِّ حزب في مصر نظامه الخاص، ولم يكن أمرًا مستغربًا، ولكن السرِّي في الموضوع هم أعضاء النظام حرصًا عليهم، فقد أراد الشيخ حسن البنا أن يكون ذلك النظام هو الجيش المسلم الذي يتصدى لليهود في فلسطين، وللإنجليز داخل مصر، وحيث كانت قناعته أن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين تنعمان بأمن أو سلام، ومع شعوره بضعف الحكومات العربية وضعف الجيش المصري في هذا الوقت، فقد كان هذا حافزًا آخر إضافيًّا لتكوين "النظام الخاص"، وهذا التأسيس كان وليد فكر مشترك بين الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين) وحسن البنا (مرشد الإخوان).

 

لم يكن النظام الخاص فكرة جديدة ابتدعها الإخوان في ذلك التوقيت، فكل القوى السياسية الموجودة بالساحة في الوقت كان لديها أجهزة عسكرية سرية مثل "الوفد" و"السراي" و"مصر الفتاة"، وعرف وقتها أصحاب القمصان الزرقاء والخضراء والحرس الحديدي حتى أن "الضباط الأحرار" كان تنظيمًا سريًّا في هذا الوقت، وهي سمة كانت منتشرة في بلد تحت الاستعمار، وتسعى حكوماته وعرشـه إلى التخلص من هذا الاحتلال.

 

وقد تم اكتشاف النظام عبر قضية السيارة الجيب عام 1948م؛ حيث عثر البوليس السياسي على سيارة جيب بها جميع أسرار النظام الخاص لجماعة الإخوان، ومن بينها أوراق التكوين والأهداف، وقدمتها حكومة النقراشي لمحكمة الجنايات، ولما اطلعت المحكمة على أهداف النظام قالت في حكمها عن المُدَانين منهم: "إن المُدَانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلى تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب على أمره".

 

وقد أصدرت المحكمة فيها حكمًا تاريخيًّا، برَّأ أكثرية المتهمين، وحكم على أفراد قليلين منهم بأحكام مخففة، ما بين سنة و3 سنوات، ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية، وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر، ثم كانت المفاجأة أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان، ونشرت ذلك الصحف بالخط العريض: حَاكَمَهُم ثم انضمَّ إليهم! ولنا عودة لمناقشة أعمال النظام الخاص لنعرض مفخرة من تاريخ مصر الحديث.

 

في هذه الحلقة يحاول وحيد حامد استغلال بعض ما تناثر من معلومات حول النظام الخاص ليتصيد منها بعضها، ويضعه في سياق يظن أنه يسيء به إلى الجماعة ومؤسسها، ففي مشهد البيعة يقتبس وحيد بعض ما ذكر عن مبايعة أعضاء النظام لقيادته، ويقوم بتلفيق مشهد للشيخ حسن البنا وهو يطلب من محمود عبد الحليم إطفاء النور ثم يشعل بنفسه شمعة يمررها لمحمود ثم يضع مسدسًا على مائدة ليبايعه عبد الرحمن السندي بعد ذلك على الجهاد والتضحية والسمع والطاعة، والمشهد كله مختلق فلم يذكر مرة عن الشيخ البنا أنه بايع أحدًا بهذه الطريقة، لكن الغرض من ذلك هو إلقاء ظلال من الريبة والغموض على شخصية الشيخ.

 

لكن الخطير في هذا المشهد هو الإفك والبهتان الذي يأتي في الحديث السابق للبيعة بين المرشد وعبد الرحمن السندي إذ يقول الشيخ للسندي وهو يشرح له الأركان العشر للبيعة وفي مفهوم الطاعة: "الطاعة هي تنفيذ الأمر ولو كان خطأً" ثم يحذِّره ممن لا يطيعه بل ويأمره بالتخلص منه فورًا وأن لا يبقي أحدًا شك فيه، ولا يتركه شوكة في ظهره، وهكذا يتجلى وحيد حامد في استحضار شخصية زعيم مافيا أو شيخ "منسر" ليلبسها على شخص أهم رمز إسلامي في العصر الحديث، هل يصدق أحد أن المرشد يطلب تنفيذ الأوامر حتى لو خالفت الشرع؟ وما مصداقية دعوته بعد ذلك بل وما جدواها؟ بل وما شرعية منصبه الدعوي القائم على التوجيه بالشرع ومنه اشتق مسمى المرشد؟ أين المصداقية في كتابة التاريخ.

 

و.. دعنا من التاريخ !!.. أين المنطقية في رسم شخصية درامية؟ كيف يصيغ شخصية زعيم جماعة دينية تأمر بمكارم الخلاق وبحسن العبادة وبتمكين الشرع، في هذه الصورة المريعة لأخلاق وسلوك وألفاظ زعيم عصابة؟ هل حقًّا يرضى وحيد حامد عن نفسه ككاتب دراما في هذا المسلسل؟ دعك يا وحيد من شخصية حسن البنا التاريخية، هل يصلح ما كتبت لرسم شخصية درامية متسقة ومقبولة؟ هل اتفقت مع الأجهزة الأمنية أو ربما الإعلامية المتحفزة أن تحقيق الأهداف السياسية أهم من الحقيقة، وأن الدعائية أهم من الدراما؟.

 

الحلقة الثالثة والعشرون..

عندما يكره المؤلف الشخصية التي يكتب عنها

لأن الحقيقة وحدها ليست كافية لإثارة مشاعر البغض والنفور من شخصية الشيخ حسن البنا، فإن وحيد حامد يلجأ لتلفيق مشاهد درامية تُدِين الرجل، وتصفه بالضعف والاهتزاز أمام المسئولين (وهو ما يكرهه العامة)، فما من مرة يظهر مشهد للشيخ البنا في زيارة أو حديث مع مسئول أو وزير أو رئيس وزراء إلا كان هذا المسئول الحكومي أسدًا هصورًا يصول ويجول ويعطي للبنا النصائح القاسية بينما الشيخ بما عرف عنه من سعة علم وحصافة يهتز ويرتبك ويصمت حيرة بل ويخفض رأسه أمام صاحب المقام الرفيع.

 

ولعل المؤلف يظن أن هذه الحيلة الساذجة ستطرح صورة البنا القوية المجاهدة والصبورة على دعوتها من أذهان العامة لتحل محلها صورة لرجل نفعي مهتز لا يقوى صبرًا على خصومة ذوي السلطة والجاه، لكن حقائق التاريخ تسجل في أذهان الشعوب بأقوى مما تسجل في الكتب، فالإخوان أبناء لهذا الشعب عايشوهم وعرفوا عنهم قصصهم ضد الاحتلال وضد اليهود في فلسطين وقصص صبرهم وتضحياتهم في السجون والمعتقلات، وعلى ممارسة الدعوة تحت أقسى الظروف من العداء والتربص، كما عرف الناس ضعف أصحب المقام الرفيع أمام رغبات وأوامر ممثلي الاحتلال، وبقيت المشاهد محفورة في ذاكرة الشعوب.

 

إن الناس تعرف كيف تكون شخصية مرشد وإمام علّم الناس أن يثوروا على ظلمهم واستعبادهم من قبل المحتل، وكيف يعصون أوامره حتى وإن كانوا من العاملين في مؤسساتهم ومعسكراتهم، فقد صارت العزة والحرية أهم من لقمة العيش على يدِّ هذا الرجل.

 

إنه الشيخ حسن البنا الذي رفض بشدة أن يكون من مستقبلي إسماعيل صدقي رئيس الوزراء عند مروره بالإسماعيلية ليلقي مجرد كلمة ترحيب وهو في ذلك الوقت لم يكن سوى مدرسًا إلزاميًّا يعمل تحت ظل حكومته، ورغم تضافر ضغوط رجال الأمن والإدارة في الإسماعيلية عليه ليقوم بهذه المهمة رفض رفضًا مطلقًا لا تردد فيه، إنه نفس إباء خلفه المستشار حسن الهضيبي الذي أبى أن ينحني للملك فاروق دون جميع صحبته من القضاة عندما زاروه بقصره، وهي تلك الروح والأخلاق التي تحلى بها سيد قطب عندما رفض كتابة اعتذار لجمال عبد الناصر؛ ليغفو عن حكم إعدامه، لذلك فإن اللعب ضد حقائق التاريخ والتلاعب بشخصية الشيخ حسن البنا لن يضر إلا المؤلف وقصته.

 

وفي هذه الحلقة يتجاوز المؤلف كل حد في الاختلاق والادعاء وفي مشاعر العداوة والبغضاء التي يكنها ضد الشخصية التي يكتب عنها عندما يجعل شخصية حسن البنا المختلقة تدعو أصحابه وإخوانه إلى التحلي بالصبر واللين تجاه فعل أحمد ماهر رئيس الوزراء الذي زوَّر الانتخابات، وأسقط جميع مرشحي الإخوان بمن فيهم الشيخ البنا نفسه، ولكنه وبعد انصرافه عنهم يطلب من عبد الرحمن السندي اغتيال أحمد ماهر، فهي إذن ليست شخصية رجل دين ولا مصلح اجتماعي ولا حتى مجاهد يعلن عن مواقفه في عنف وحدة.

 

لقد حقق رجال الأمن مع محمود العيسوي قاتل أحمد ماهر شهورًا طويلةً، أوضحت هويته السياسية ودوافعه وطريقة حصوله على السلاح، ومن أين حصل عليه، ولم تفت على رجال الأمن الذين يحققون في مقتل رئيس الوزراء صغيرة ولا كبيرة إلا تابعوها فكيف تُلقى التهمة بعد ذلك على غير ما أثبته التحقيق لمجرد قول بعض الموتورين أو الحاقدين على الجماعة أو المرتمين في أحضان النظام يلبون رغباته تجاه تشويه صورة الجماعة؟.

 

لقد كان محمود العيسوي عضوًا بالحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل وخلفه محمد فريد، وكان يرى حق المناضلين المصريين في استخدام السلاح ضد المحتل والمتآمرين معه، وقد سبق لأحد رجال هذا الحزب (إبراهيم الورداني) اغتيال بطرس غالي رئيس الوزراء لرغبته في تمديد امتياز شركة قناة السويس 40 عامًا أخرى بعد انتهائها عام 1968م، أما دافع العيسوي هذه المرة فكان قرار أحمد ماهر بدخول الحرب في صف المحتل، وإرسال الجنود المصريين ليقتلوا في سبيل بريطانيا بعيدًا عن وطنهم، وكان هذا القرار بإيعاز ورغبة من بريطانيا نفسها، وأثار غضب الجميع في مصر بمن فيهم الملك،

 

ووحيد حامد هنا يتجاهل السياق التاريخي الذي كانت تدور فيه أحداث مصر في ذلك الحين، فمصر كانت ممتلئة بالتنظيمات السرية المسلحة وكانت مقتنعة تمامًا بها، حتى الوفد كان له التنظيم السري الخاص به، بل إن أحمد ماهر نفسه ومحمود النقراشي كانا عضوين في تنظيم سري يرأسه عبد الرحمن فهمي القريب من الزعيم سعد زغلول، وقاما بالاشتراك في اغتيال السردار الإنجليزي، وحُكِم عليهما بالإعدام لكن سعد زغلول كلف مصطفى النحاس المحامي وعضو الوفد ورئيس الوزراء بعد ذلك بالدفاع عنهما فحصلا على البراءة بعد أشهر طويلة من المحاكمة، هذا هو السياق التاريخي لهذه الفترة الزمنية والتي تجاهلها المؤلف وأظهر ماهر والنقراشي كرئيسي وزراء يعملان لإنقاذ مصر من فوضى الأنظمة الخاصة، ولم يذكر حقيقة اجتماع فايد لسفراء الدول الاستعمارية وعلى رأسها بالقطع إنجلترا وفرنسا، وحضره النقراشي رئيس الوزراء، والذي فيه طلب من حكومته العمل على القضاء على جماعة الإخوان وتصفيتها دون هوادة، وهو العمل الذي أظهره وحيد في المسلسل كعمل وطني اقتنع به النقراشي للقضاء على الفوضى، ولم يظهره أو سابقه أحمد ماهر كمنفذين لإملاءات المحتل، خاصة عندما قام حزب الكتلة السعدية الذي يرأسانه باتخاذ قرار الحرب في صف الحلفاء ثم هذا الموقف الأخير بالقضاء على جماعة الإخوان المسلمين.

 

لكن لا عجب فإنه نفس المؤلف الذي رمى الشيخ بالعمالة للسعودية وبريطانيا والقصر في آن واحد، والحمد لله أن دولة إسرائيل لم تكن خرجت للوجود حينها كدولة وإن كان تلاميذه في حماس يتهمون اليوم بأن جماعتهم هي ربيبة إسرائيل وصنيعتها وذلك من قبل رجال السلطة في رام الله الذين يسيرون على نفس النهج السلطوي العربي بكلِّ قدرته على الكذب والتلفيق.

 

الحلقة الرابعة والعشرون..

الدراما والعبث بالتاريخ

استكمالاً لأحداث الحلقة السابقة وفي مشاهد ملفقة بالكامل يقوم عبد الرحمن السندي بتكليف أحد الإخوان باغتيال أحمد ماهر لكنه يجبن وترتعش يده ويفشل في المهمة فيستحق بصقة على وجهه من رئيس الجهاز الذي يُخبر بعدها أن حياته أصبحت خطرًا على الجماعة بعد أن ظهر جبنه، ثم يشير إلى مرافقه إشارة يفهمها المرافق وكذلك المشاهد في وضوح فيما يعني تصفيته، فيقوم المرافق بحبسه في تلك الغرفة وإغلاق الباب عليه بالمفتاح تمهيدًا لتنفيذ الأمر، وهكذا وللمرة التي لا أدري كم عددها ينسى المؤلف أنه يكتب تاريخًا ويسرح بخياله في عالم المافيا، هل تكفي كراهية وحيد حامد للجماعة ومؤسسها أن يصنع كل هذا التلفيق والتزوير؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى أقوى من ضغينة قلبه تدفعه لأن يضر بعمله الدرامي منطقيًّا وتاريخيًّا؟.

 

وإذا أردت أن تعرف مدى إحساس المؤلف بكذبه وادعائه فانظر إلى حجم التكرار الذي يلجأ إليه في مقولة بعينها، فمن قبل كرَّر كثيرًا مقولة دعم رشيد رضا المالي عبر الحكومة السعودية للشيخ حسن البنا، كما كرَّر مقولة تسهيل أو مساعدة المخابرات البريطانية لجماعة الإخوان، وها هو يلجأ لتكرار مقولة المساعدة المالية من الملك للإخوان، فالملك الذي أعلن قطع تلك المعونة في الحلقة 22 بعد التلويح بها في حلقات سابقة، يعود ليذكر محدثه وكذلك ليذكر المشاهدين أنه كان يساعد البنا وجماعته ماليًّا ومعنويًّا، وحيد حامد لا يمل من التكرار فهو كمؤلف ومشرف عام على الإنتاج (منذ متى يكون المؤلف مشرفًا عامًّا على الإنتاج؟) لا ينسى أنه يصنع درسًا تلقينيًّا كقطعة محفوظات يجب أن يتشبع بها التلاميذ أو المشاهدون كما يظنهم.

 

تأتي بعد ذلك مشاهد اعتقال الإخوان المسلمين من قبل حكومة النقراشي مبررة من قبل الكاتب في أن النقراشي كان يريد استعادة النظام في مصر، ولم يشر قطعًا إلى العلاقة بين تلك الاعتقالات وموقف الإخوان في حرب فلسطين. فالنقراشي وبأوامر بريطانية مارس الاعتقال والتعسف والمصادرة ضد جماعة الإخوان التي كانت تقاتل في ذلك الوقت في فلسطين؛ ليقطع خطوط الإمداد والدعم عن المجاهدين هناك. طبعًا السيد وحيد حامد لم يشر إلى أحداث فلسطين، فحاشاه أن يذكر خيرًا يمس شخصية الشيخ حسن البنا، وهو من يهدف إلى الإساءة لها وتشويهها، كما أن ذكر هذه الوقائع التاريخية لن يعطي مبررًا لمواقف النقراشي ضد الجماعة، والمؤلف هو من نصبه بطلاً في مواجهة الإخوان المسلمين الذين يسعون في الأرض فوضى وفسادًا، حتى لو كانت هذه الأرض هي فلسطين وكان جهادهم وانتصاراتهم ضد العصابات الصهيونية.

 

ولكن احتياطًا من المؤلف تجاه ثقافة بعض الناس وإحاطتهم بتاريخ الإخوان وكذلك تاريخ النقراشي الحقيقي، فإنه مع تجاهله لخلفية فلسطين فإنه يبرر عمليات الإخوان المسلمين ضد الإنجليز برغبة مرشدها في إرضاء الناس واستثارة عواطفهم مع إرادة قوية لإحراج حكومة النقراشي أمام الإنجليز، وفي مشهد مزور يأمر البنا السندي أن تكون عملياته ضد الإنجليز لطيفة (لسع دبور وليست لدغة ثعبان)؛ لأنه لا يريد إثارة غضب الإنجليز، وهكذا يرى المؤلف الكبير أن نسف قطار إنجليزي محمل بالجنود والعتاد وإلقاء المتفجرات على معسكرات الجيش الإنجليزي واغتيال جنوده الذين يجرءون على الخروج من ثكناتهم، كل هذا تعامل "خفيف" ومجرد لسعة دبور لن تُغضب الإنجليز، إلى هذه الدرجة يُفسد الهوى عقل المؤلف ومنطقيته


الخميس، 2 سبتمبر 2010

مسلسل الجماعة

في مسلسل الجماعة.. السطحية تغشى تاريخ الطلبة

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=70133&SecID=391

 

الرؤية الأمنية في مسلسل الجماعة

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69992&SecID=391

 

المبالغة آفة الدراما.. مَنْ اضطر "وحيد" إليها؟

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69562&SecID=391

 

كوميديا غير مقصودة

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69416&SecID=391

 

بين "البريء" و"الجماعة"

 

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=69411&SecID=391


مسلسل الجماعة حتي الان

مسلسل الجماعة حتي الان
 
 
1-  تشوية صورة الامام البنا في جميع الاتجاهات  والصاق العنف والجهل وسوء النيه باستمرار بالامام مع ان هذه الصفات تتنافي مع كل داعية فكيف بمن الف القلوب وربي الالوف
 
2- تشوية صورة كل ما هو اسلامي والصاق النقيصة به بدون حجج والدفاع عن اي شئ اخر مهما كان تافه مادام عكس الاسلام
 
3- تشويه رموز اسلامية تعارف عليها الناس عبر الاجيال انها دافعت عن الدين _ رشيد رضا - معز   خطاب- وغيرهم
 
4- التهجم علي النقاب والصاق كل نقيصه بمن يلبسه بدون اظهار ولو دليل واحد
 
5- التهجم علي جميع الدعاة الجدد وخص عمرو خالد والصاق التهم بهم من حب المال والنساء والتمثيل والدخول في النوايا
 
6- تزوير التاريخ بكثير من القصص المفبركة او المبتورة (المقطوعة) يبدأ قصة صحيحة وينهي بكذب ونوايا غير النوايا او يقطع القصة عند الكلمة التي تحقق الغرض منها في نفسه
 
7- تعظيم شأن جهاز الامن الذي زاق الشعب منه الويلات فمابالك بضابط امن الدولة الذي اظهره بانه ملك من ملائكة الارض
 
8 الصاق العماله والخسة بكل ما هو اسلامي والدفاع عن كمال الدين اتاتورك كانه ملاك من الملائكة
 
9- مسلسل بدون حبكة وبدون تتطور طبيعي للاشخاص وتخطيفات مقصودة من حياة طويلة
 
علي جانب اخر
 
1- لم يستطع المسلسل اخفاء مدي المجهود الذي كان يبذله البنا في خدمة الدعوة وعدم ترك فرصة منذ نعومة اظافرة الا ودافع عن الاسلام والمسلمين
2- لم يستطع اخفاء ان السبب من انشاء الجهاز الخاص للاخوان حرب الانجليز
 
3- جعل الناس تقبل اكثر علي قراءة تاريخ الاخوان عبر مصادر صحيحة
 
4- فتح المجال امام الاخوان لعرض منهجهم مع من يريد
 
5- اثبت ان الشعب فقد مصدقية كل ما هو حكومي ولاقي المسلسل اما اهمال من الرجل العادي في البيت او دائما الصاق الكذب بالحكومة والكاتب لان الشعب فقد المصدقية في هذه الحكومة التي تسرق الشعب ليل نهار وتكذب عليه ليل نهار وتذوقة الويلات ليل نهار وتزور الحقائق ليل نهار و---------ليل نهار الي مالا نهايه
 
وما زال العمل مفتوح
 
ولكن ان استغرب من ان الجميع يحلل لنفسه ما يشاء وعندما يدخل الاسلام او من يمثله يواجه بكل شده  
 
للحديث بقية

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

كوميديا غير مقصودة


 
هشام حمادة

بقلم: هشام حمادة

في الحلقة الثالثة يتم التركيز على عواطف المشاهدين؛ حيث الأب مكلومٌ باعتقال ابنه وإحالته إلى النيابة، ويتم استهداف معنى الخطر الذي يُعرِّض له الأبناء أنفسهم بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين تجاهلاً وتناسيًا لحقيقة أن الإسلام دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتماع على الطاعات، ومنها النصيحة في الله.

 

أمام هذا المنطق للمسلسل لا يسع المشاهد لو اقتنع به إلا أن يُسفِّه سلوك الأنبياء والمرسلين المضاد لأقوامهم، وكذلك سلوك أتباعهم الصامدين من بعدهم.. وماذا يُقال حينئذٍ عن عصر الشهداء في المسيحية الذين فضلوا أن تأكلهم السباع على أن يرتدوا عن مذهبهم الذي اعتقدوا بصحته؟ لماذا لم يرحم هؤلاء الشهداء آباءهم وأمهاتهم؟ وماذا يُقال عن ملايين الشهداء في العراق والجزائر وفلسطين الذين فضلوا الموت في سبيل الله على أن يستسلموا لاحتلال أوطانهم؟ وماذا يفعل الشاب الغاضب على أحوال أمته المزرية، وبخاصة حيال أعدائها؟ وماذا يفعل الشاب إذا أراد أن يعيش على الفهم السليم للدين ووجد جماعةً تشدُّ من أزره على ذلك؟ وما معنى الجهاد من إصلاح الأوطان أو تحريرها؟ هل من المنطقي أن يدفع الوالد ولده للهلاك في طابور الخبز أو قتالاً حول أنبوبة بوتاجاز بينما يمنعه أن يُساهم في بناء وطنه من خلال دينه وتراثه، وليس من خلال مذهب غريب على أهله وبلده؟ أليست الحكومة تشتكي من سلبية الشعب تجاه أمور الانتخابات والاهتمام بالحكم والسياسة؟ أليست هذه السلبية هي ما تدعو له حوارات وكيل النيابة أو والد تيمور مع ابنه المعتقل؟ ألم يُعتقل أنور السادات في شبابه فثارت مثار افتخار في تاريخه؟ حتى جمال عبد الناصر كان يفتخر أنه اعتقل ذات مرة وهو طالب في التعليم الثانوي.. ألم يكن الضباط الأحرار أحرارًا إلا لأنهم تمردوا على سلطة ملك ظنوه فاسدًا؟ ألم تدفع شعوب أوروبا الشرقية آلاف الضحايا في سبيل تحررها من حكم استبدادي لم يرضوه؟ ماذا قد يقول والدا راشيل كوري عنها وهي التي دفعت حياتها للدفاع عن شعبٍ غريبٍ عن أهلها ودينها فقط؛ لأنها اعتقدت أنهم مظلومون؟ كيف يُقيِّم آباء كل هؤلاء تضحيات أبنائهم الآن؟ لماذا يغيب هذا المنطق الساطع في ضمائر الأمم عن حوارات المسلسل؟

 

يعود الحوار مرةً أخرى ليسأل الأب ابنه ماذا قدمت الجماعة له من إسلام لم تجده في إسلامنا؟ سؤال يبدو ملتبسًا.. فالجماعة تعلن ليل نهار أن إسلامها لا يختلف عن إسلام الملايين كعقيدة وشعائر وفكر وفقه وأحكام لكنها تقوم على صيانة ما تهدَّم من هذه الأشياء في حياة المسلمين سواء كانت أخلاقًا أو سلوكًا أو معاملات أو أحكامًا غابت واختفت أو قيمًا تلاشت.

 

إن الإخوان المسلمين لا ينشدون إسلامًا جديدًا، ولكنهم يريدون نفس الإسلام الذي عرفته عشرات الأجيال، ولكن عندما كان في أوج اكتماله وروعة بيانه وقوة حكامه وعزة شعوبه وترفع علمائه.. ولكن مرةً أخرى يغيب منطق الإخوان الذي يتكلمون به من أجل منطقٍ آخر يُراد أن يلصق بهم ويكون المضحك عندما يسأل الأب ابنه: ماذا تريد هذه الجماعة فيفاجئ بأنه لا يعرف مع أن أول ما يتلقاه مَن ينضم لدعوة الإخوان أن الدعوةَ تهدف لبناء الفرد المسلم الذي تتأسس به الأسرة المسلمة فينشأ من تكاثرها بالمجتمع مجتمعًا مسلمًا يُصلح الحكومات ويُحرر الأوطان من أجل المرحلة النهائية في إحداث الدولة العظمى المؤثرة على العالم والمنشئة للنهضة الكبرى أو ما يُسمَّى بأستاذية العالم أي صفحة أخرى مشرقة من دول الخلافة الإسلامية الكبرى، لكنها أكثر حداثةً وتطورًا بما وصل إليه الرقي البشري من تطور في التكنولوجيا والعلوم الإنسانية.

 

إن المُبتدئ في جماعة الإخوان يعلم هذه الحقائق، ولكن الرغبة تُفسد المنطق، والهوى يغلب الحكمة، وهوى المؤلف في تشويه الجماعة أقوى من قدرته على الالتزام بالموضوعية.. أمرٌ آخر يتجاهله مؤلف المسلسل فلا يتعرَّض له وهو إصرار النظام على ألا يعرض قضايا الإخوان على النيابة العامة أو القضاء الطبيعي بل يصرُّ على نيابات أمن الدولة وعلى المحاكم العسكرية.. وطبعًا لا يشير المسلسل ولا مؤلفه المغرض إلى حقيقة أن جميع قضايا الإخوان التي عُرضت من قبل على القضاء الطبيعي برئ منها أفراد الجماعة.

 

تظهر في هذه الحلقة وسط كم الشخصيات الإخوانية التي تعرَّضت للتشويه، شخصية أخرى أو ثانية بعد وكيل نيابة أمن الدولة يجهد المؤلف في وصفها بالمثالية، ويستمر في تلميعها على لسان جميع الشخصيات، وهي شخصية المستشار كساب الذي يعمل في تواضع وهمة عالية مع مزارعيه في الحقل رغم أنه على المعاش منذ سنوات، ويتكلم بجهدٍ شديدٍ كما رأينا في "برومو" المسلسل (فيلم هندي)، طبعًا ومثل شخصية وكيل النيابة يقصد بتلميع تلك الشخصية وصقلها أن يتعاطف المشاهد مع الأحكام التي سيجري بها المؤلف على ألسنتهم فيما بعد.

 

فكما يتضح من مجريات الأحداث أن الحلقات تهدف في النهاية إلى إصدار حكمٍ من خلال تلك الشخصيات المصقولة على جماعة الإخوان المسلمين، فوكيل النيابة يرفض أن يصدر رأيه أو حكمه مبكرًا على الجماعة فيذهب ليشتري الكتب التي تُؤرِّخ لهم ليتعرف عليهم، وهنا إيهام للمشاهد أن الحكم سيأتي في النهاية منطقيًّا، وكأنَّ وحيد حامد قد استقرَّ يقينه واطمأنت نفسه لحقيقة أن المشاهد سينسي أنه هو صانع تلك الشخصيات الخيالية مع عدائه لجماعة الإخوان المسلمين، عداء يصل إلى حدِّ أن أمين المكتبة يقول لوكيل النيابة أننا بحاجةٍ إلى معجزة لنتخلص من الإخوان، ولا أجد أكثر مناسبةً من قوله تعالى ﴿موتوا بغيظكم﴾.

 

واستمرارًا للضبابية الإعلامية السوداء، ما يزال مؤلف المسلسل يصرُّ على الرقي البالغ الذي يتعامل به قيادات وضباط أمن الدولة مع الإخوان والتوصيات المتتالية من قائد الجهاز لضباطه بحسن المعاملة وإكرام المعتقلين حتى إنهم يختلفون إذا كانت المعاملة في جهاز أمن الدولة خمسة نجوم أم أربعة فقط.

 

منتهى الهزل وصبح الله بالخير أصدقاءنا الذين التقطوا ما بين الحياة والموت من مقلب الزبالة بجوار لاظوغلي.

 

تتواصل مشاهد السطحية عندما يصافح عبد الحميد يونس مرشد الإخوان فيرفع الأخير يده في صورةٍ هزلية تجاه وجه عبد الحميد ليقبلها، وأعود لأسأل مؤلف المسلسل: إلى أي حدٍّ تستخف بعقول المصريين الذين يعيشون مع الإخوان في كل حارةٍ وزقاق؟!!.. أغلب ظني أن نتائج هذا المسلسل ستكون عكس أهواء من خططوا له وتبنوا إخراجه، فالمسلسل مكر سيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

 

أتوقع أنهم سيعضون على أيديهم بقسوةٍ بعد أشهر معدودة من انتهاء هذا المسلسل إن لم يدركهم بعض أذكيائهم وينصحهم بوقف عرضه فأنا لم أرَ قبل ذلك أعمال وحيد حامد بهذا التفكك واللا منطقية والمبالغات المفرطة في الهزلية حتى إنني أتساءل: إذا كانوا قد خططوا لصناعة مسلسل كوميدي من حيث اعتماده على المبالغات والتضاد الشديد بين الشخصيات.. من هذه المشاهد مشهد تحقيق مسئول جهاز أمن الدولة مع أحد المعتقلين بنفسه في قضية غسيل أموال، وقد ترك مقعد مكتبه ليجلس على كرسي قبالته يحتسون معًا قدحين من القهوة، ويبدو أنني ظلمتُ الدراما الهندية عندما وصفتُ المسلسل بها في المرة السابقة.. لكن يبقى أمامنا احتمال ما أن يكون أحد ما قد خرف عقله: الضابط أو المؤلف أو أن...

 

الحلقة الرابعة

قديمًا عرف العرب في جاهليتهم قصيدة الهجاء؛ حيث كان الشاعر يهاجم خصمه أو عدو قبيلته في قصيدة شعر يطرح فيها كل النواقص والعيوب ما كان فيه منها أو ما ليس فيه.

 

المهم أن تشيع الأوصاف القبيحة عن الخصم على حسب قوة الشاعر القائل؛ ولذلك كان كبار الناس يبالغون في إكرام الشعراء النابهين ليتجنبوا أذاهم وافتراءهم.

 

ويبدو أن أجهزة الأمن قد فطنت لهذه الحيلة القديمة وبما أن الدراما حلت محل الشعبية الطاغية للشعر فقد تكلف وحيد حامد في صياغة دراما جديدة يمكن أن نسميها الدراما الهجائية؛ حيث تحشد العيوب والمثالب بعيدًا عن الصدق والموضوعية وباستثمار التلفيق حيث يقوم باختلاق قصص ذات دلالات خطيرة على الرغم من ادعاء تاريخية المسلسل، وذكر العديد من المراجع المطبوعة على تتراته، ومن هنا تأتي خطورة التلفيق والدس وتتأكد المؤامرة غير الفنية من وراء إخراج هذا المسلسل، ولكن كيف حدث هذا في الحلقة الرابعة؟

 

كالعادة تحمل هذه الحلقة هجومًا مباشرًا وحادًّا على جماعة الإخوان المسلمين وأحكامًا خطيرةً وحاسمةً ضدهم من قبل أن يبدأ السرد التاريخي الذي سيقوم به المستشار كساب لأشرف هلال وكيل نيابة أمن الدولة الذي يبحث عن حقيقة جماعة الإخوان، فالمسلسل يضع أحكامًا نهائيةً على الجماعة منذ البداية ومن قبل أن يبدأ السرد الذي سيقوم به المستشار كساب كراوٍ للحكاية وبصرف النظر عن غلظة الاتهامات بدون دليل فإن هذا يضعف حبكة القصة والبناء الدرامي لها، كما يفقدها عنصر الإثارة والتشويق، وكما ذكرت من قبل أن وحيد حامد تنازل عن حرفيته مقابل أداء المهمة وإنجاز المفروض.

 

المستشار المتقاعد، والذي نعلم الآن أنه كان من أعضاء الإخوان قديمًا، وهذا سبب أدعى ليصدقه المشاهد في أحكامه عليهم أو هكذا خطط المؤلف، يسأله أشرف هلال لماذا ينضم قضاة ومهندسون وأساتذة جامعة لجماعةٍ يعلمون أنها محظورة وتتصادم مع الدولة؟ وتخيلوا ماذا كانت الإجابة؟ يقول له إن أغلب أعضاء الجماعة لا يعرفون أهدافها!!!... سبب مقنع فعلاً لإقبال الناس على جماعة مجهولة الأهداف، ويزيده المستشار كساب بقوله إنه حتى زعماء الجماعة لا يعرفون عنها!!!... هكذا. إذن.. والمفترض الآن أن يسارع المشاهد حسب ظن وحيد حامد إلى أن يوقن أن هذه الجماعة تديرها يد خفية من مكان خفي.. لا أستبعد مفاجأة أكبر في الحلقات القادمة عندما يكشف لنا الكاتب عن علاقة التوأمة بين الجماعة و"إسرائيل".. لا تظنني أيها القارئ الكريم أنني أشطح بخيالي نحو نوايا المؤلف، فأنا حقيقةً لا أمزح، ففي نفس الحلقة وعندما تخبر حفيدة المستشار جدها عن خبر طرد أشرف هلال للخادمة لأنها تنقبت وترفض رفع النقاب في وجود أشرف بك يضرب الجد كفيه وهو يقول البلد تُسرق، وعندما تستفسر منه الحفيدة عن كيفية سرقة البلد يقول لها إن الإخوان يريدون أن تعود مصر إلى عهد البداوة ليسهلوا سرقة البلد.. ترى لمَن يُسهِّل الإخوان سرقة البلد؟!! أو السؤال بمعنى أدق: مَن بالفعل سرق البلد؟ ولصالح مَن؟ المهم أن الشعب المصري يعرف الإجابة.. ويبقى كلام شخصيات المسلسل يلقي اتهامات خطيرة تذكرنا بالمثل القائل "رمتني بدائها وانسلتِ"؟

 

ومن أجل الوصول لهذه النتيجة فإن المؤلف يقوم بتركيب مشهدين متتاليين.. المشهد الأول هو مشهد الخادمة التي تأبى خلع النقاب فتطرد من المنزل ويقطع رزقها في مشهد تراجيدي موحٍ بسبب من فرضوا عليها ارتداء النقاب (ملحوظة: الإخوان لا يرون فرضية النقاب ولا ينكرونه).

 

ثم يأتي بعد هذا المشهد المؤثر مباشرةً مشهد التحقيق مع قيادي الإخوان بهجت السواح بتهمة غسيل الأموال (طبعًا في إشارةٍ لخيرت الشاطر)، وحيث يوجه له مسئول أمن الدولة تهمة إدارة متاجر لبيع ملابس المحجبات لصالح تمويل الجماعة مع مشروعاتٍ أخرى. هنا نتيقن من السبب في قطع رزق الخادمة إن جاز التعبير.

 

تلفيق آخر يتم بخبثٍ شديدٍ في نفس الحلقة إذ تلفق قصة مختلقة تمامًا عن طفولة الشيخ حسن البنا وكيف أنه حوَّل لعبة عسكر وحرامية إلى لعبة كفار ومؤمنين، وأنه لما رفض جميع الأطفال أن يكونوا في فريق الكفار قرر أن يحدد مَن الكافر بنفسه، ثم تلا ذلك أن ضرب مَن وصفهم بالكفر إلى حدِّ أن أصابهم وجرحهم، ولما سأله والده عن ذلك قال إنه توهم أنهم كفار فعلاً مع حماسته في اللعب.

 

وهنا يأتي التلفيق الخبيث ليشير إلى رغبة البنا الدفينة في أن يتوهم كفارًا من حوله ليقاتلهم في إشارةٍ إلى المستقبل المنتظر والفكر الذي سيولد تكفيريًّا كما أراد أن يوحي المؤلف.

 

ومن هنا تأتي نصيحة والد أحد الأطفال المضروبين لوالد الطفل حسن البنا أن يلاحظ سلوك ابنه لأنه متشدد.

 

المضحك في مسلسل وحيد (التاريخي) أنه لما سرد قصة التمثال الخشبي العاري الذي أغضب الطفل حسن البنا فلجأ لمأمور القسم ليزيله, جعل كلاًّ من الشخصيتين؛ راويها المستشار وسامعها وكيل النيابة يتشككان فيها في حوار ليس بقصير على اعتبار أن راويها هو حسن البنا بنفسه في مذكراته ولا يوجد شاهد عليها، أما القصة التي لفقها وحيد حامد عن ميول البنا التكفيرية ورغباته الوحشية فجاءت كأنها حقيقة تاريخية موثقة لم يرتق لها الشك.. ألم أقل بأن المؤلف قد اقتبس آليات قصيدة الهجاء القديمة ليصنع دراما الهجاء الجديدة من نوعها.

 

ولعله يكون من المناسب أن أُهدي للسيد وحيد حامد الأصلين: الثامن والعشرين من الأصول العشرين في فكر الشيخ حسن البنا لعله لم يكن قد طالعه عن كتابة هذا المسلسل.

 

الأصل العشرون: "لا نُكفِّر مسلمًا أقرَّ بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو بمعصية إلا إن أقرَّ بكلمة الكفر أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة أو كذَّب صريح القرآن الكريم أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحالٍ أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر".

 

الأصل الثامن: "والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للتفرق في الدين ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظلِّ الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب".

 

الحلقة الخامسة

في الحلقة الخامسة يواصل وكيل نيابة أمن الدولة أشرف هلال رحلته أو رحلة وحيد حامد للتعرف على جماعة الإخوان المسلمين.

 

ولأن كتاب "مذكرات الدعوة والداعية" يأتي في مقدمة المراجع التاريخية التي يظهرها تتر المسلسل، ولأن المستشار المتقاعد كساب يذكر لأشرف أن المرجع الوحيد للتعرف على طفولة الشيخ حسن البنا هو كتاب مذكرات الدعوة والداعية، فنرى الكتاب في يد وكيل النيابة؛ ليتعرف على مؤسس الجماعة، ونراه مفتوحًا على فصل "في المدرسة الإعدادية"، طبعًا إظهار الكتاب على هذا النحو يعطي مصداقية لكل ما سيأتي به المؤلف من آراء حول تكوين شخصية حسن البنا في طفولته وعن أهم الملامح التي سيشير إليها المسلسل على اعتبار أن هذه المشاهد القصصية تأتي من خلال كتاب كتبه مؤسس الجماعة بنفسه، وهنا تقع الخدعة الكبرى، فإذا كان وحيد حامد قد اختلق قصةً لا أصل لها في الحلقة السابقة؛ ليظهر دموية الشيخ البنا وتوهمه بوجود الكفار وسط المسلمين فإنه هنا يقدم حيلةً أخرى ماكرة؛ حيث يعمل الدس والتحريف في إخراج النص الأصلي وفي الإضافة أو الحذف منه على تقديم صورة مشوهة لشخصية الأستاذ البنا في صباه وبحيث تظهره تلك الإضافات والتحريفات كطفلٍ مشاكس لا يحترم الكبير متجرئ على مشايخ القرية بصورة فجة ويميل إلى العمل السري الإرهابي ويمارس إرهابًا على أقرانه الصغار؛ ليحافظوا على أسراره كما يظهر ذلك في لغته التهديدية ونظراته النارية إلى الأطفال.

 

إن القارئ المنصف لمذكرات الدعوة والداعية يلمس أدبًا جمًا وترفعًا عن الصغائر وحماسة وغيرة على دين الله ورغبة في العمل التضامني والتكافل نحو خدمة الدين، لكنه لن يجد أبدًا أثرًا لشخصية فاشية أو إرهابية تجمع الأطفال بالإرهاب وليس بالثقة والمحبة والقدوة الحسنة.

 

وهنا أحب أن نقرأ معًا الجزء الخاص بجماعة منع المحرمات التي أنشأها الشيخ البنا في صباه مع بعض أصدقائه من خلال كتاب مذكرات الدعوة والداعية، ثم نرى كيف قدَّم المسلسل هذا الفصل رغم أنه لا يوجد أي مرجع آخر يقدم طفولة وصبا الأستاذ البنا سوى هذا الكتاب الذي كتبه الشيخ البنا بنفسه باعتراف وحيد حامد نفسه على لسان شخصية المستشار كساب.

 

 ومن هنا يأتي السؤال: فمن أين استقى وحيد حامد هذه الإضافات والتحريفات في النص الأصلي؟ لنقرأ قصة جمعية منع المحرمات كما كتبها الأستاذ البنا أولاً ثم نعود إلى قصتها التي كتبها وحيد حامد لنتعرف على دوافعه.

 

يكتب الأستاذ حسن البنا: "جمعية منع المحرمات"

"وكأن هذا النشاط الداخلي لم يرض رغبة هؤلاء الناشئين في العمل للإصلاح فاجتمع نفر منهم، كان من بينهم الأستاذ محمد علي بدير المدرس بالمعارف الآن، والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي الموظف بالسكة الحديدية الآن، والأستاذ سعيد بدير المهندس الآن، وقرروا تأليف جمعية إسلامية باسم "جمعية منع المحرمات"، وكان اشتراك العضو فيها يتراوح بين خمسة مليمات وعشرة أسبوعيًّا، وكانت أعمالها موزعة على أعضائها، فمنهم من كانت مهنته تحضير النصوص وصيغ الخطابات، وآخر مهنته كتابه هذه الخطابات بالحبر الزفر، وثالث مهنته طبعها، والباقون توزيعها على أصحابها، وأصحابها هم الذين تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام أو لا يحسنون أداء العبادات على وجهها، خصوصًا الصلاة، فمن أفطر في رمضان ورآه أحد الأعضاء بلغ عنه فوصله خطاب فيه النهي الشديد عن هذا المنكر، ومن قصَّر في صلاته ولم يخشع فيها ولم يطمئن وصله خطاب كذلك، ومن تحلى بالذهب وصله خطاب فيه حكم التحلي بالذهب شرعًا، وأيما امرأة شاهدها أحد الأعضاء تلطم وجهها في مأتم أو تدعو بدعوى الجاهلية وصل زوجها أو وليها خطاب، وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرًا أو كبيرًا يعرف عنه شيء من المآثم إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهي عما يفعل، وكان من اليسير على الأعضاء لصغر سنهم وعدم اتجاه الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم أن يعرفوا كل شيء ولا يتحرز الناس منهم، وكان الناس يظنون أن هذا من عمل أستاذنا الشيخ زهران- رحمه الله- ويقابلونه ويلومونه لومًا شديدًا ويطلبون إليه أن يتحدث إليهم فيما يريد بدلاً من هذه الكتابة، والرجل يتنصل من ذلك ويدفع عن نفسه، وهم لا يكادون يصدقون حتى وصله ذات يوم خطاب من الجمعية يلفت نظره إلى أنه صلى فريضة الظهر بين السواري- وذلك مكروه- وهو عالم البلد، فيجب عليه أن يبتعد عن المكروهات ليبتعد غيره من العوام عن المحرمات، وأذكر أن الشيخ- رحمه الله- دعاني حينذاك- وقد كانت صلتي مستمرة به في الدروس العامة وإن كنت قد تركت مدرسته أو مكتبته- لنراجع معًا هذا الحكم في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ولا زلت أذكر الموضوع كأنه اليوم وكنت أقرأ له وأنا أبتسم وهو يتساءل عن هؤلاء الذين كتبوا له ووجد أن الحق معهم، وأنهيت ذلك إلى أعضاء الجمعية فكان سرورهم به عظيمًا.

 

واستمرت الجمعية تؤدي عملها أكثر من ستة أشهر وهي مثار عجب الناس ودهشتهم، حتى اكتشف أمرها على يد صاحب قهوة استدعى راقصة فوصله خطاب من الجمعية، وكانت الخطابات لا ترسل بالبريد اقتصادًا في النفقات، وإنما يحملها أحد الأعضاء ويضعها في مكان يلفت نظر صاحبها إليها فيستلمها ولا يرى مَن جاء بها، ولكن المعلم كان يقظًا فشعر بحركة حامل الخطاب فقبض عليه بخطابه وعاتبه عتابًا شديدًا أمام مَن في القهوة، وعُرفت الجمعية عن هذا الطريق فرأى أعضاؤها أن يخففوا من نشاطهم ويعملوا بأسلوب آخر لمنع المحرمات"
هنا تنتهي القصة التي كتبها الشيخ البنا عن جمعية أنشأها مع شقيقه واثنين فقط من أصدقائه بتراضٍ بينهم جميعًا لعدم رضاهم بنتائج ما سبق من نشاطهم في جمعية الأخلاق الحميدة، فأنشأوا بتشاورٍ بينهم تلك الجمعية؛ لينصحوا برسائل يكتبونها بعض العصاة ممن لا تستتر معصيتهم كما رأينا في الأمثلة التي ذكرها الشيخ البنا (صلاة غير مكتملة في مسجد- تحلى بالذهب للرجال- لطم وجه من امرأة في مأتم- استدعاء راقصة في مقهى.. ) ثم تعقب الجمعية الصغيرة برسالة إلى صاحب المنكر لتبين له الحكم الشرعي فيما صنع.

 

هذا كل ما ذكره الشيخ البنا، ولكن كيف قص ذلك وحيد حامد؟ لقد جعل الاتفاق على الجماعة يقع بين مجموعة كبيرة من الأطفال داخل قارب في وسط البحيرة، وحيث كان الشيخ البنا يفرض على الأولاد الأمر ويحذرهم ويتوعدهم بلهجة حادة وحيث يبدو وهو يملي عليهم إرادته وحيث بدا الأطفال مترددين، ثم سارع بقراءة الفاتحة وحده ليعقبه طفل فآخر ثم يتوالى الجميع، ثم ينسحبون منه بعيدًا عن سطوته وهم في وسط البحيرة، وحينما يهم فرد من المجموعة بالانسحاب والتراجع نتيجة سماع درس من الشيخ زهران في أصول النهي عن المنكر يسرع خلفه حسن البنا في الطريق المظلم ليدق بيده كتف الطفل الذي ينتفض ذعرًا ثم يحذره من مغبة إفشاء السر في لهجة ومشهد يذكرك بأفلام الرعب أو أفلام العصابات.

 

لكن لماذا يلجأ وحيد حامد لهذه الإضافات وهذا التحريف والتشويه في قصة أخذها من كتاب الأستاذ البنا نفسه؟ دون شك إنها الرغبة في إلقاء ظلال الريبة والخطورة والقيادة الفاشية على شخصية الأستاذ البنا.

 

هنا يمكننا أن نتأكد كيف سيسير سرد التاريخ في مسلسل الجماعة وإلى أي حد ستكون الموضوعية والشفافية في عرض هذا التاريخ.

 

لم يعد لدى المشاهد شك بعد ذلك في أنه بصدد مسلسل دعائي صرف وليس تاريخيًّا بالمرة وأنه ينتمي لما يسمى بالدعاية السوداء.

 

حادثة أخرى يتلاعب في قصها وحيد حامد لنفس أغراضه السابقة وهي قصة إمام مسجد الجامع الصغير الذي رأى الأولاد يصلون جماعة فخشى من استنفادهم لصهريج الماء في وضوئهم فصرفهم من المسجد بالقوة فما كان من الطفل حسن البنا إلا أن كتب له خطابًا يحمل الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)﴾ (الأنعام) ليس أكثر من ذلك، وعرف الشيخ كاتبها فعاتب والده في أمر الرسالة ثم عامل الأولاد بعدها معاملة حسنة ولطيفة، لكنه اشترط على الأولاد معاونته في ملء صهريج المياه وفي جمع التبرعات للمسجد.

 

لكن كيف حرَّف وحيد حامد هذه القصة؟ لقد جعل الطفل حسن البنا يشتبك في مشاحنة كلامية مع الشيخ في المسجد، ما دفع الأخير لأن يقول له معاتبًا: إنه كان أولى بوالدك أن يعلمك كيف تحترم مَن هم أكبر منك مقامًا وسنًا وعلمًا، لكن الطفل في إنكار: والدي علمني أن أقول الحق مهما كان الأمر، وهنا يربط المؤلف قول الحق عند الإخوان بما هو عند معلمهم من عدم إكبار الناس أو إنزالهم منازلهم أو احترام الأكبر سنًا أو علمًا أو مقامًا.

 

وهنا نعرف غرض وحيد حامد من تحريف هذه القصة أيضًا وتشويهها، وهو الأمر الذي أعد له في بداية الحلقة بإبراز طالب أصول الدين من جماعة الإخوان أثناء التحقيق معه وهو يتجاهل وكيل النيابة اللطيف المهذب الصبور معه لأقصى درجة، بينما الطالب يواصل قراءة القرآن في تحدٍّ مستفز ومنكر لمقام وكيل النيابة.

 

وهكذا نتعرف على أغراض حامد في تشويه قصص مذكرات الدعوة والداعية من خلال المشاهد التي يسوقها معها في الحلقة؛ بحيث يضغط نحو معانٍ معينة ظنَّ أنها تهيل التراب على وجه الجماعة.

 

في نفس القصة يطلب إمام المسجد الصغير من حسن البنا أن يعاونه في جمع التبرعات لأجل شراء حُصر للمسجد فيعاونه مع زملائه، لكن حامد لأغراضه يجعل حسن البنا الطفل هو مَن يقترح جمع التبرعات للمسجد وينطلق نحو الناس يجمع الأموال الكثيرة، ما يدفع الشيخ زهران أن يعاتب الطفل في ذلك لأن أحدًا لا يمكن أن يحاسبه على ما يجمع أو ما يفعل به.

 

(الجزء الأخير اختلاق وافتراء تام من المؤلف)، وهنا لمز واضح وصريح ليس في شخص الشيخ حسن البنا وحده، ولكن في الجماعة ككل من بعد على أساس أن لا أحد يحاسبها فيما تجمع من أموال الناس- على حسب ادعاء وحيد حامد في تحريفاته وتشويهه للتاريخ.
إنني أتساءل: إلى أي حد يسهل تزوير التاريخ؟ وهل يسهل على الضمائر الافتراء على الحقيقة والقدرة على تشويهها بهذه الدرجة لغرض أو مرض؟ أظن أن وحيد حامد لا يهيل التراب على وجه الجماعة، ولكن هذا المسلسل هو ما سيهيل التراب طويلاً على الكثيرين


مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد