فضائل العشر من ذي الحجة
|
يحيى بن موسى الزهراني
|
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين اتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب أيها المسلم اعمل لدنياك بقدر بقائك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها وإياك والتسويف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك وحوادث الزمان ستفاجئك والخلاص بأمان من ذلك كله أن تستعين بالله وتبادر إلى عمل الصالحات وتثمن الأيام الفاضلات وليس يخفاك فضل عشر ذي الحجة التي أنصرم شطرها وشطرها الآخر يسير على عجل لا ينتظر الغافلين حتى يتذكروا ولا الغارقين في سبات نوم عميق حتى يستيقظوا أيها المتردد في الذهاب للحج وليس ثمة ما يمنعك من مرض أو حاجة استعن بالله واعقد العزم فلا يزال في الأمر فرصة والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ألا أيها المتقاعس عن المسارعة للخيرات في هذه الأيام الفاضلة استدرك ما فاتك والحق من سبقك واعمل صالحا لنفسك فلا يزال في الأيام فرصة لمن تحركت فيه همم الشوق إلى الجنان . أيها المسلمون : إن أحب الأشهر إلى الله تعالى الأشهر الحرم ، وأحب أشهرها إليه شهر ذي الحجة ، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول ، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى ، فقال : " والفجر * وليال عشر " قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم هي عشر ذي الحجة . وهي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر ، فأكثروا فيهن من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير " [ رواه أحمد والطبراني ] . ومن فضائل العشر من ذي الحجة : 1- أن الله أقسم بها في كتابه العزيز حيث قال سبحانه : " والفجر وليال عشر " .2- ومن فضائلها أن الله أمر فيها بكثرة التسبيح التهليل والتكبير والتحميد فيها .3- ومن فضائل العشر أن فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا قدم الحاج إلى مكة يوم الثامن فإنه يتجه إلى منى ليبقى بها إلى اليوم التاسع فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بلا جمع ، ويبقى بها حتى يصلي صلاة الفجر يوم التاسع من ذي الحجة ، والمبيت بمنى يوم الثامن سنة من سنن الحج ينبغي على المسلم فعلها وعدم تركها .4- ومن فضائل العشر أن فيها يوم عرفة وهو الركن الأعظم من أر كان الحج ، الذي لا يتم الحج إلا به ، فالحج عرفة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فعلى الحاج أن يدفع من منى بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة متجهاً إلى عرفة فيصلي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، جمع تقديم ، بأذان واحد وإقامتين ، ثم يتفرغ للدعاء والتضرع إلى الله تعالى في ذلك اليوم العظيم المشهود ، ويلح على ربه في الدعاء بخشوع وحضور قلب ، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة ، فيقف منكسراً بين يدي ربه يرجو رحمته ومغفرته ، ويخاف عقابه وعذابه ، ويحاسب نفسه ويجدد التوبة النصوح ، فهو في أعظم موقف بين يدي الله عز وجل ، ويبقى الحجاج بعرفات إلى غروب الشمس والتحقق من غياب قرصها ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب من واجبات الحج من تركه ودفع قبل الغروب وجب عليه أن يرجع ، فإن لم يرجع وجب عليه دم ، ومن أتى عرفة بعد غروب الشمس بسبب الزحام وتعسر حركة المرور أو لأي طارئ كان فيكفيه أقل وقوف يقفه ، وفي أي مكان وقف الحاج أجزأه الوقوف ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " لكن عليه أن يرفع عن بطن عرنة لأنه ليس من عرفة . 5- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أن فيها صيام يوم عرفة فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لغير الحاج ، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك ، وأما غير الحاج فالمستحب له ألا يترك صيام ذلك اليوم العظيم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلة . . . " [ رواه مسلم وأحمد والترمذي ] .6- ومن فضائل العشر أن فيها ليلة مزدلفة ، والمبيت بها واجب من واجبات الحج ، وتسمى جَمْع والمشعر الحرام ، فإذا وصل الحاج إليها بدأ بالصلاة قبل أن يضع رحله فيصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين ، ويجب على الحاج أن يبيت بالمزدلفة إلى طلوع الفجر ، ثم يؤدي صلاة الفجر فيها وينتظر حتى يسفر جداً ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفة للمشركين ، الذين كانوا ينتظرون طلوع الشمس ثم يدفعون من المزدلفة ، فإذا وصل وادي محسر أسرع السير لأنه واد تعسر فيه الفيل الذي أتي به لهدم الكعبة ، وقيل هو مكان من أمكنة العذاب ، وهذه عادة النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع في المواضع التي نزل بها عذاب الله بأعدائه كمدائن صالح وديار مدين وثمود ، ومن ترك المبيت بمزدلفة وجب عليه دم ، جبراناً لنسكه ولا يأكل منه شيء بل يقدمه لفقراء الحرم ومساكينه ، ويسن الوقوف في أي مكان منها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وجمع كلها موقف " [ رواه مسلم ] ، أما الضعفاء والمرضى والأطباء ومن يُحتاج إليهم فلهم الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل ، وكذلك من كان مرافقاً لهم .7- ومن فضائل العشر أن فيها رمي جمرة العقبة وهي القريبة من مكة ، فإذا وصل الحاج منى بدأ برمي جمرة العقبة ، وقطع التلبية ، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويجوز أن يلتقط الحصى من أي مكان تيسر له ، ويستحب أن يرمي الجمرة من بطن الوادي فيجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، وإن رماها من أي مكان أجزأه ذلك ، المهم أن يقع الحصى داخل الحوض ، فإن وقع داخل الحوض ثم خرج فالرمي صحيح ، أما إذا وقع الحصى في الشاخص وهو العمود الذي في وسط الحوض ثم خرجت الحصاة وجب عليه أن يعيدها ، ثم بعد ذلك ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً ، أما المفرد فلا هدي عليه ، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ، وعليه أن يعمم جميع رأسه بالحلق أو التقصير ، والمرأة تقص من شعرها قدر أنملة وهو ما يعادل رأس الإصبع ، ثم يحل إحرامه بعد ذلك فيحل له كل شئ حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء ، فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شئ حتى النساء ، ألا فاعلموا أيها الناس أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، لا يتم الحج إلا به ، وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان ، وعلى المتمتع سعي الحج ، وكذلك القارن والمفرد إذا لم يكونا قد سعيا مع طواف القدوم ، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر وطاف بالبيت فقد تحلل التحلل الأكبر أو التحلل الثاني ، وإذا فعل اثنين من ثلاثة فقد تحلل التحلل الأصغر ، ومن حصل منه جماع قبل التحلل الأصغر فقد فسد حجه وعليه أن يكمله ويمضي فيه ، ويجب عليه أن يقضيه من العام المقبل ، وتلزمه فدية وهي ذبح بدنه ، وإن حصل الجماع بعد التحلل الأول فيلزمه ذبح شاة وحجه صحيح . وبعد تلك الأعمال التي يعملها الحجاج يوم النحر ، يرجعون إلى منى فيبيتون بها يوم الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل ، والثالث عشر لمن تأخر ، فيرمون الجمرات الثلاث كل يوم بدءاً بالصغرى ثم الوسطى فالكبرى ، يرميها الحاج بسبع حصيات ، ثم يقف ويدعو بعد رمي الأولى والثانية ، ولا يقف بعد رمي الكبرى وهي الثالثة ، ويبدأ الرمي بعد الزوال من كل يوم ولا يجزئ قبله ويمتد إلى طلوع الفجر للضرورة ، نتيجة للزحام وكثرة الحجاج ، والمبيت بمنى أيام التشريق ورمي الجمار واجب من واجبات الحج من تركه فعليه دم يجبره لقول ابن عباس رضي الله عنهما : " من ترك نسكه أو نسيه فليهرق دماً " ، وبعد الرمي يتجه الحاج إلى مكة لأداء طواف الوداع ومن ثم الرجوع إلى بلده ، إلا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض والنفساء ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " ويدخل في حكم الحائض النفساء . وطواف الوداع واجب من واجبات الحج من تركه لزمه دم يوزعه على فقراء الحرم . 8- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام ، يعني العشر ، قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " [ رواه البخاري وغيره ] . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . الحمد لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو أهل المغفرة وأهل التقوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد : 9- فمن فضائل العشر أن فيها يوم النحر وفيه ذبح الهدي والأضاحي ، والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على فعلها لما فيها من التقرب إلى الله عز وجل بإراقة الدماء ، ولما فيها من سد لحاجة الفقراء والمساكين ، وفيها إحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام ، وقد قال بعض العلماء بوجوبها مستندين لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا " [ رواه ابن ماجة وحسن الألباني ] ، فهي سنة مؤكدة على كل مسلم حاجاً أو غير حاج ذكراً أو أنثى ، ينبغي لكل قادر موسر ألا يدعها ، لأنها شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف قال الله تعالى : " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " ، وقال تعالى : " فصل لربك وانحر " ، وعن أنس رضي الله عنه قال : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما " [ رواه مسلم ] ، وعن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر يوم الأضحى بالمدينة ، قال : وكان إذا لم ينحر يذبح بالمصلى " [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ] ، وقال بن الملقن : لا خلاف أنها من شعائر الدين ، ويبدأ وقت ذبحها بعد صلاة العيد ، قال صلى الله عليه وسلم : " من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد " [ متفق عليه ] ، وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق ، أي أن وقت الأضحية يوم العيد وثلاثة أيام بعده على الراجح من أقوال العلماء . والمجزئ من الأضاحي ما كان من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز ذكراً كانت أم أنثى ، والسن المعتبرة في ذلك بالنسبة للإبل ما بلغ خمس سنين ودخل في السادسة ، وفي البقر ما بلغ سنتين ودخل في الثالثة ، وفي المعز ما بلغ سنة ودخل في الثانية ، وفي الضأن ما بلغ ستة أشهر فما فوق ، ولا يجزئ ما كان أقل من ذلك ، أما العيوب التي تمنع الإجزاء فهي المذكورة في حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي " [ رواه الخمسة ] والعجفاء هي الهزيلة التي لا مخ فيها . وهناك عيوب أقبح من التي ذكرت في الحديث وهي أولى بعدم الإجزاء : كالعمياء ، ومقطوعة اللسان ، ومقطوعة الأنف ، والجرباء ، والكسيرة ، ومقطوعة الإلية أو أكثرها ، والجلالة وهي التي تأكل النجاسة ، فلا يضحى بها حتى تحبس ويطيب لحمها ، وهناك عيوب أخرى تكره في الأضاحي وتجزئ الأضحية بها لكن غيرها أولى منها ، وتجزئ الأضحية الواحدة أو سبع البدنة أو سبع البقرة عن الرجل وأهل بيته الأحياء منهم والأموات حتى الجنين في بطن أمه ، فيجوز للمضحي أن يشرك معه في أضحيته من شاء من الناس الأحياء والأموات ، لكن لا يجوز أن يشترك في ثمن الأضحية من الغنم أو سبع البدنة والبقرة أكثر من شخص واحد ، فالاشتراك في الثواب جائز ، أما الاشتراك في التمليك فلا يجوز ، ويجوز ذبح الأضحية ليلاً أو نهاراً لعدم الدليل على المنع والنهار أفضل ، وتوزع الأضحية ثلاثة أثلاث : ثلث يأكله المضحي ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين ، هذه هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن رغب عنها فلا خير فيه . عباد الله : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شعره ، ولا من بشره شيئاً " [ رواه مسلم وغيره ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم هلال ذي الحجة ، وأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره حتى يضحي " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ] ، فمن أراد أن يضحي ودخل عليه العشر من ذي الحجة فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته ، وهذا الحكم منوط بالمضحي دون المضحى عنه ، ومن أخذ من ذلك شيئاً متعمداً فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار وأضحيته صحيحة بإذن الله . ومن المستحب للمسلم أن يقوم بصيام هذه الأيام المباركات لفضلها وعظيم أجرها . فاغتنموا عباد الله هذه الأيام بالأعمال الصالحة من بر وصلة رحم ، وصدقة وذكر لله تعالى ، وكثرة للنوافل وقراءة القرآن بتدبر وخشوع ، وكثرة الدعاء إلى الله عز وجل ، وأكثروا من الصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبيكم وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمركم الله بذلك فقال قولاً كريماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم اجعل الدائرة على أعدائك يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم أصلح له بطانته ، اللهم وفقه لكل خير وبر ، واجعله معيناً لأوليائك ، حرباً على أعدائك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم طهر مجتمعات المسلمين من جميع المنكرات ، اللهم سلم الحجاج والمعتمرين ، وتقبل منهم طاعتهم يارب العالمين ، اللهم أعدهم إلى أهليهم سالمين غانمين ، مأجورين غير مأزورين يا أرحم الراحمين ، اللهم تقبل من الصائمين صيامهم ، ومن المضحين ضحاياهم ، واجعل ذلك ذخراً لهم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا عزيز يا غفار ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرك ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |
نتعرض لاهم القضايا المثارة علي الساحة العالمية والعربية والاسلامية. وللتاريخ ارحب بكم وانتظر اقتراحاتكم.
إظهار الرسائل ذات التسميات ابن القيم. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات ابن القيم. إظهار كافة الرسائل
الخميس، 18 أكتوبر 2012
فضائل العشر من ذي الحجة
الأحد، 26 ديسمبر 2010
الموت " بحر الدموع"
احبتي في الله
اليكم هذه المقتطفات من كتاب ابن القيم رحمه الله( بحر الدموع)
التي توضح لنا مراحل الموت
كتب بن القيم رحمه الله, إ
خوتاه، الى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة؟
فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب. آه من ثقل الحمل.. آه من قلة الزاد وبعد الطريق.
فيا أيها المغرور باقباله، المفتون بكواذب آماله، الذي غاب عن الصواب، وهو في فعله كذاب.
يا بطال، الى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟
الى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟
يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟
أترى تركب النجب غدا أم أنت على وجهك مجرور؟
أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور.
فاز، والله، المخفون،
وخسر هنالك المبطلون، ألا الى الله تصير الأمور.
مالي أراك على الذنوب مواظبا أأخذت من سوء الحساب أمانا
لا تفغلن كأن يومك قد أتى ولعل عمرك قد دنا أو حانا
ومضى الحبيب لحفر قبره مسرعا وأتى الصديق فأنذر الجيرانا
وأتو بغسّال وجاؤوا نحوه وبدا بغسلك ميتا عريانا
فغسلت ثم كسيت ثوبا للبلى ودعوا لحمل سريرك الاخوانا
وأتاك أهلك للوداع فودّعوا وجرت عليك دموعهم غدرانا
فخف الاله فانه من خافه سكن الجنان مجاورا رضوانا
جنات عدن لا يبيد نعيمها أبدا يخالط روحه ريحانا
ولمن عصا نار يقال لها لظى تشوى الوجوه وتحرق الأبدانا
نبكي وحق لنا البكاء يا قومنا كي لا يؤاخذنا بما قد كانا
جاء فى الأثر أنه اذا كان ابن آدم في سياق الموت، بعث الله اليه خمسة من الملائكة:
أما الملك الأول، فيأتيه وروحه في الحلقوم، فيناديه: يا ابن آدم، أين بدنك القوي؟ ما أضعفه اليوم؟ أين لسانك الفصيح؟ ما أسكته اليوم؟ أين أهلك وقرابتك؟ ما أوحشك منهم اليوم!.
ويأتيه الملك الثاني اذا قبض روحه، ونشر عليه الكفن، فيناديه: يا ابن آدم، أين ما أعددت من الغنى للفقر؟ أين ما أعددت من الخراب للعمران؟ أين ما أعددت من الأنس للوحشة؟.
ويأتيه الملك الثالث اذا حمل على الأعناق، فيناديه: يا ابن آدم، اليوم تسافر سفرا بعيدا لم تسافر سفرا أبعد منه، اليوم تزور قوما لم تزورهم قبل هذا قط، اليوم تدخل مدخلا ضيقا لم تدخل أضيق منه، فطوبى لك ان فزت برضوان الله، وويل لك ان رجعت بسخط الله.
ويأتيه الملك الرابع اذا ألحد في قبره فيناديه: يا ابن آدم، بالأمس كنت على ظهرها ماشيا، واليوم صرت في بطنها مضطجعا. بالأمس كنت على ظهرها ضاحكا، واليوم أصبحت في بطنها باكيا. بالأمس كنت على ظهرها مذنبا، واليوم أمسيت في بطنها نادما.
ويأتيه الملك الخامس اذا سويّ عليه التراب، وانصرف عنه الأهل والجيران والأصحاب، فيناديه: يا ابن آدم، دفنوك وتركوك، ولو أقاموا عندك ما نفعوك. جمعت المال وتركته لغيرك. اليوم تصير اما لجنة عالية، أو الى نار حامية".
ويروى عن بعض المتعبدين أنه قال:
الهي عصيتك قويا، وأطعتك ضفيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فيا ليت شعري، هل قبلتني على لؤمي، أم صرفتني على جرمي؟ قال: ثم غشي عليه ووقع على الأرض وانسلخت جبهته.
فقامت اليه أمه، وقبّلته بين عينيه، ومسحت جبهته وهي تبكي وتقول: قرّة عيني في الدنيا، وثمرة فؤادي في الآخرة، كلم عجوزك الثكلى، وردّ جواب أمك الحريّ.
قال: فأفاق الفتى من غشيته، ويده قابضة على كبده، وروحه تتردد في جسده، ودموعه تنسكب على خده ولحيته، فقال لها: يا أماه، هذا اليوم الذي كنت تحذريني منه، وهذا هو المصرع الذي كنت تخوّفيني منه، هذا مصرع الأهوال، وسقوط عثرة الأثقال، فيا أسفا على الأيام الخالية، ويا جزعي من الأيام الطوال التي لم أعرّج فيها على الاقبال.
يا أماه أنا خائف على نفسي أن يطول في النار سجني وحبسي. يا حزناه ان رميت فيها على رأسي، ويا أسفاه ان قطعت فيها أنفاسي.
يا أماه، افعلي ما أقول لك.
فقالت له: يا بنيّ، فدتك نفسي، ماذا تريد؟.
قال لها: ضعي خدي على التراب حتى أذوق طعم الذل في الدنيا، والتلذذ للسيّد المولى، عسى أن يرحمني وينجيني من نار لظى. قالت أمه: فقمت اليه في الحال، وقد ألصق خده بالتراب، والدموع تجري من عينيه كالميزاب، فاذا هو ينادي بصوت ضعيف: هذا جزاء من أذنب وعصى، وهذا جزاء من أخطأ وأسا، هذا جزاء من لم يقف بباب المولى، هذا جزاء من لم يراقب العلي الأعلى.
قالت: ثم تحوّل الى القبلة، وقال: لبيّك لبيّك، لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين.
قال: ثم مات في مكانه، فرأته أمه في المنام كأن وجهه فلقة قمر تجلى من سحاب، فقالت له: يا بنيّ، ما فعل بك مولاك؟ قال: رفع درجتي، وقرّبني من محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت له أمه: يا بنيّ، ما الذي سمعت منك تقوله عند وفاتك؟ فقال لها: يا أماه، هتف بي هاتف وقال لي: يا عمران، أجب داعي الله، فأجبته، ولبيّت ربي عز وجل. رحمه الله تعالى
اليكم هذه المقتطفات من كتاب ابن القيم رحمه الله( بحر الدموع)
التي توضح لنا مراحل الموت
كتب بن القيم رحمه الله, إ
خوتاه، الى كم هذه الغفلة وأنتم مطالبون بغير مهلة؟
فبالله عليكم، تعاهدوا أيامكم بتحصيل العدد، وأصلحوا من أعمالكم ما فسد، وكونوا من آجالكم على رصد، فقد آذنتكم الدنيا بالذهاب، وأنتم تلعبون بالأجل وبين أيديكم يوم الحساب. آه من ثقل الحمل.. آه من قلة الزاد وبعد الطريق.
فيا أيها المغرور باقباله، المفتون بكواذب آماله، الذي غاب عن الصواب، وهو في فعله كذاب.
يا بطال، الى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟
الى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟
يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟
أترى تركب النجب غدا أم أنت على وجهك مجرور؟
أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور.
فاز، والله، المخفون،
وخسر هنالك المبطلون، ألا الى الله تصير الأمور.
مالي أراك على الذنوب مواظبا أأخذت من سوء الحساب أمانا
لا تفغلن كأن يومك قد أتى ولعل عمرك قد دنا أو حانا
ومضى الحبيب لحفر قبره مسرعا وأتى الصديق فأنذر الجيرانا
وأتو بغسّال وجاؤوا نحوه وبدا بغسلك ميتا عريانا
فغسلت ثم كسيت ثوبا للبلى ودعوا لحمل سريرك الاخوانا
وأتاك أهلك للوداع فودّعوا وجرت عليك دموعهم غدرانا
فخف الاله فانه من خافه سكن الجنان مجاورا رضوانا
جنات عدن لا يبيد نعيمها أبدا يخالط روحه ريحانا
ولمن عصا نار يقال لها لظى تشوى الوجوه وتحرق الأبدانا
نبكي وحق لنا البكاء يا قومنا كي لا يؤاخذنا بما قد كانا
جاء فى الأثر أنه اذا كان ابن آدم في سياق الموت، بعث الله اليه خمسة من الملائكة:
أما الملك الأول، فيأتيه وروحه في الحلقوم، فيناديه: يا ابن آدم، أين بدنك القوي؟ ما أضعفه اليوم؟ أين لسانك الفصيح؟ ما أسكته اليوم؟ أين أهلك وقرابتك؟ ما أوحشك منهم اليوم!.
ويأتيه الملك الثاني اذا قبض روحه، ونشر عليه الكفن، فيناديه: يا ابن آدم، أين ما أعددت من الغنى للفقر؟ أين ما أعددت من الخراب للعمران؟ أين ما أعددت من الأنس للوحشة؟.
ويأتيه الملك الثالث اذا حمل على الأعناق، فيناديه: يا ابن آدم، اليوم تسافر سفرا بعيدا لم تسافر سفرا أبعد منه، اليوم تزور قوما لم تزورهم قبل هذا قط، اليوم تدخل مدخلا ضيقا لم تدخل أضيق منه، فطوبى لك ان فزت برضوان الله، وويل لك ان رجعت بسخط الله.
ويأتيه الملك الرابع اذا ألحد في قبره فيناديه: يا ابن آدم، بالأمس كنت على ظهرها ماشيا، واليوم صرت في بطنها مضطجعا. بالأمس كنت على ظهرها ضاحكا، واليوم أصبحت في بطنها باكيا. بالأمس كنت على ظهرها مذنبا، واليوم أمسيت في بطنها نادما.
ويأتيه الملك الخامس اذا سويّ عليه التراب، وانصرف عنه الأهل والجيران والأصحاب، فيناديه: يا ابن آدم، دفنوك وتركوك، ولو أقاموا عندك ما نفعوك. جمعت المال وتركته لغيرك. اليوم تصير اما لجنة عالية، أو الى نار حامية".
ويروى عن بعض المتعبدين أنه قال:
الهي عصيتك قويا، وأطعتك ضفيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فيا ليت شعري، هل قبلتني على لؤمي، أم صرفتني على جرمي؟ قال: ثم غشي عليه ووقع على الأرض وانسلخت جبهته.
فقامت اليه أمه، وقبّلته بين عينيه، ومسحت جبهته وهي تبكي وتقول: قرّة عيني في الدنيا، وثمرة فؤادي في الآخرة، كلم عجوزك الثكلى، وردّ جواب أمك الحريّ.
قال: فأفاق الفتى من غشيته، ويده قابضة على كبده، وروحه تتردد في جسده، ودموعه تنسكب على خده ولحيته، فقال لها: يا أماه، هذا اليوم الذي كنت تحذريني منه، وهذا هو المصرع الذي كنت تخوّفيني منه، هذا مصرع الأهوال، وسقوط عثرة الأثقال، فيا أسفا على الأيام الخالية، ويا جزعي من الأيام الطوال التي لم أعرّج فيها على الاقبال.
يا أماه أنا خائف على نفسي أن يطول في النار سجني وحبسي. يا حزناه ان رميت فيها على رأسي، ويا أسفاه ان قطعت فيها أنفاسي.
يا أماه، افعلي ما أقول لك.
فقالت له: يا بنيّ، فدتك نفسي، ماذا تريد؟.
قال لها: ضعي خدي على التراب حتى أذوق طعم الذل في الدنيا، والتلذذ للسيّد المولى، عسى أن يرحمني وينجيني من نار لظى. قالت أمه: فقمت اليه في الحال، وقد ألصق خده بالتراب، والدموع تجري من عينيه كالميزاب، فاذا هو ينادي بصوت ضعيف: هذا جزاء من أذنب وعصى، وهذا جزاء من أخطأ وأسا، هذا جزاء من لم يقف بباب المولى، هذا جزاء من لم يراقب العلي الأعلى.
قالت: ثم تحوّل الى القبلة، وقال: لبيّك لبيّك، لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين.
قال: ثم مات في مكانه، فرأته أمه في المنام كأن وجهه فلقة قمر تجلى من سحاب، فقالت له: يا بنيّ، ما فعل بك مولاك؟ قال: رفع درجتي، وقرّبني من محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت له أمه: يا بنيّ، ما الذي سمعت منك تقوله عند وفاتك؟ فقال لها: يا أماه، هتف بي هاتف وقال لي: يا عمران، أجب داعي الله، فأجبته، ولبيّت ربي عز وجل. رحمه الله تعالى
الخميس، 23 ديسمبر 2010
النفس والرحي لابن القيم
خلق الله سبحانه النفس، شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته.
فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضح في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك. فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.
فأنت مرتبط بأفكارك وإن أردت تغيير نفسك فغير أفكارك أولاً
فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضح في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصى وتبناً ونحو ذلك. فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.
فأنت مرتبط بأفكارك وإن أردت تغيير نفسك فغير أفكارك أولاً
سورة المنافقون "ذكر الله"
سورة المنافقون
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة المنافقون (63) : آية 9]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9)
المقصود : أن دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة ، وكان اللّه سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال ، كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد. وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه ، وعبوديته.
ولهذا أمر سبحانه بكثرة ذكره في القرآن. وجعله سببا للفلاح. فقال تعالى :
62 : 10 اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال : 33 : 41 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وقال : 33 : 35 وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وقال : 63 : 9 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وقال : 2 : 152 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «سبق المفردون. قالوا : يا رسول اللّه وما المفردون؟ قال : الذاكرون اللّه كثيرا»
وفي الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : «ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : ذكر اللّه»
وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء.
وقال معاذ بن جبل «ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب اللّه من ذكر اللّه».
وذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تبع لذكره.
والمقصود : أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة.
فالذكر للقلب كالماء للزرع ، بل كالماء للسمك ، لا حياة له إلا به.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة المنافقون (63) : آية 9]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9)
المقصود : أن دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة ، وكان اللّه سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال ، كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد. وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه ، وعبوديته.
ولهذا أمر سبحانه بكثرة ذكره في القرآن. وجعله سببا للفلاح. فقال تعالى :
62 : 10 اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال : 33 : 41 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وقال : 33 : 35 وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وقال : 63 : 9 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وقال : 2 : 152 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم «سبق المفردون. قالوا : يا رسول اللّه وما المفردون؟ قال : الذاكرون اللّه كثيرا»
وفي الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : «ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : ذكر اللّه»
وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء.
وقال معاذ بن جبل «ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب اللّه من ذكر اللّه».
وذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تبع لذكره.
والمقصود : أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة.
فالذكر للقلب كالماء للزرع ، بل كالماء للسمك ، لا حياة له إلا به.
وهو أنواع :
الاول: ذكره بأسمائه وصفاته ، والثناء عليه بها.
الثاني : تسبيحه وتحميده ، وتكبيره وتهليله ، وتمجيده ، وهو الغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين.
الثالث : ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه. وهو ذكر أهل العلم ، بل الأنواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
ومن أفضل ذكره : ذكره بكلامه. قال تعالى : 20 : 124 وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً. وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى فذكره هاهنا هو كلامه الذي أنزله على رسوله ، وقال تعالى : 13 : 28 الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
ومن ذكره سبحانه : دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه.
فهذه خمسة أنواع من الذكر
الثاني : تسبيحه وتحميده ، وتكبيره وتهليله ، وتمجيده ، وهو الغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين.
الثالث : ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه. وهو ذكر أهل العلم ، بل الأنواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
ومن أفضل ذكره : ذكره بكلامه. قال تعالى : 20 : 124 وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً. وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى فذكره هاهنا هو كلامه الذي أنزله على رسوله ، وقال تعالى : 13 : 28 الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
ومن ذكره سبحانه : دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه.
فهذه خمسة أنواع من الذكر
الأربعاء، 22 ديسمبر 2010
الصافات
سورة الصافات
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة الصافات (37) : آية 78]
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
قول اللّه تعالى :
قال تعالى عن نوح : 37 : 78- 80 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
وقال عن إبراهيم خليله : 37 : 108 ، 109 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.
وقال في موسي وهارون : 37 : 119 ، 120 وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ.
وقال : 37 : 130 سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين : هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين ، منهم : مجتهد وغيره «وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» الثناء الحسن ، ولسان الصدق للأنبياء كلهم. وهذا قول قتادة أيضا.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة الصافات (37) : آية 78]
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
قول اللّه تعالى :
قال تعالى عن نوح : 37 : 78- 80 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
وقال عن إبراهيم خليله : 37 : 108 ، 109 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.
وقال في موسي وهارون : 37 : 119 ، 120 وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ.
وقال : 37 : 130 سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين : هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين ، منهم : مجتهد وغيره «وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» الثناء الحسن ، ولسان الصدق للأنبياء كلهم. وهذا قول قتادة أيضا.
الصافات
سورة الصافات
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة الصافات (37) : آية 78]
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
قول اللّه تعالى :
قال تعالى عن نوح : 37 : 78- 80 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
وقال عن إبراهيم خليله : 37 : 108 ، 109 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.
وقال في موسي وهارون : 37 : 119 ، 120 وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ.
وقال : 37 : 130 سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين : هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين ، منهم : مجتهد وغيره «وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» الثناء الحسن ، ولسان الصدق للأنبياء كلهم. وهذا قول قتادة أيضا.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة الصافات (37) : آية 78]
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
قول اللّه تعالى :
قال تعالى عن نوح : 37 : 78- 80 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
وقال عن إبراهيم خليله : 37 : 108 ، 109 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ.
وقال في موسي وهارون : 37 : 119 ، 120 وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ.
وقال : 37 : 130 سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين : هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين ، منهم : مجتهد وغيره «وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» الثناء الحسن ، ولسان الصدق للأنبياء كلهم. وهذا قول قتادة أيضا.
الاسراء2
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
وقوله : 41 : 5 وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ
على أصح القولين. والمعنى : جعلنا بين القرآن إذا قرأته وبينهم حجابا يحول بينهم وبين فهمه وتدبره ، والأيمان به ، وبيّنه قوله : 17 : 45 وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً.
وهذه الثلاثة هي الثلاثة المذكورة في قوله : 41 : 5 وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فأخبر سبحانه أن ذلك جعله.
فالحب يمنع من رؤية الحق ، والأكنة تمنع من فهمه ، والوقر يمنع من سماعه.
وقال الكلبي : الحجاب هاهنا مانع يمنعهم من الوصول إلى رسول اللّه بالأذى من الرعب ونحوه مما يصدهم عن الإقدام عليه.
ووصفه بكونه مستورا فقيل : بمعنى ساتر. وقيل : على النسب ، أي في ستر والصحيح : أنه على بابه ، أي مستورا عن الأبصار فلا يرى. ومجيء مفعول بمعنى فاعل لا يثبت. والنسب في مفعول لم يشتق من فعله ، كمكان محول أي ذي حول ، ورجل مرطوب ، أي ذي رطوبة. فأما مفعول فهو جار على فعله فهو الذي وقع عليه الفعل. كمضروب ومجروح ومستور.
على أصح القولين. والمعنى : جعلنا بين القرآن إذا قرأته وبينهم حجابا يحول بينهم وبين فهمه وتدبره ، والأيمان به ، وبيّنه قوله : 17 : 45 وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً.
وهذه الثلاثة هي الثلاثة المذكورة في قوله : 41 : 5 وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فأخبر سبحانه أن ذلك جعله.
فالحب يمنع من رؤية الحق ، والأكنة تمنع من فهمه ، والوقر يمنع من سماعه.
وقال الكلبي : الحجاب هاهنا مانع يمنعهم من الوصول إلى رسول اللّه بالأذى من الرعب ونحوه مما يصدهم عن الإقدام عليه.
ووصفه بكونه مستورا فقيل : بمعنى ساتر. وقيل : على النسب ، أي في ستر والصحيح : أنه على بابه ، أي مستورا عن الأبصار فلا يرى. ومجيء مفعول بمعنى فاعل لا يثبت. والنسب في مفعول لم يشتق من فعله ، كمكان محول أي ذي حول ، ورجل مرطوب ، أي ذي رطوبة. فأما مفعول فهو جار على فعله فهو الذي وقع عليه الفعل. كمضروب ومجروح ومستور.
الاسراء" مدخل صدق,مخرج صدق, لسان صدق,قدم صدق,مقعد صدق"
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (82)
وأخبر عن خليله إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم : أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الناس. فقال : 26 : 84 وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وبشر عباده : أن لهم عنده قدم صدق. ومقعد صدق. فقال تعالى : 10 : 2 وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقال : 54 : 54 ، 55 إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
وهذه خمسة أشياء : مدخل الصدق ، ومخرج الصدق ، ولسان الصدق ، وقدم الصدق ، ومقعد الصدق.
وحقيقة الصدق في هذه الأشياء : هو الحق الثابت المتصل باللّه ، الموصل إلى اللّه. وهو ما كان به وله ، من الأقوال والأعمال ، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة.
فمدخل الصدق ومخرج الصدق : أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا
وأخبر عن خليله إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم : أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الناس. فقال : 26 : 84 وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وبشر عباده : أن لهم عنده قدم صدق. ومقعد صدق. فقال تعالى : 10 : 2 وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقال : 54 : 54 ، 55 إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
وهذه خمسة أشياء : مدخل الصدق ، ومخرج الصدق ، ولسان الصدق ، وقدم الصدق ، ومقعد الصدق.
وحقيقة الصدق في هذه الأشياء : هو الحق الثابت المتصل باللّه ، الموصل إلى اللّه. وهو ما كان به وله ، من الأقوال والأعمال ، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة.
فمدخل الصدق ومخرج الصدق : أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا
باللّه ، وللّه ، وفي مرضاته ، متصلا بالظفر بالبغية ، وحصول المطلوب ، ضد مخرج الكذب ومدخله ، الذي لا غاية له يوصل إليها ، ولا له ساق ثابتة يقوم عليها. كمخرج أعدائه يوم بدر ، ومخرج الصدق : كمخرجه صلّى اللّه عليه وسلّم هو وأصحابه في تلك الغزوة. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق باللّه ، وللّه ، وابتغاء مرضاة اللّه. فاتصل به التأييد والظفر والنصر ، وإدراك ما طلبه في الدنيا والآخرة ، بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب. فإنه لم يكن للّه ، ولا باللّه ، بل كان محادة للّه ولرسوله. فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار.
وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حصن بني قريظة فإنه لما كان مدخل كذب أصابهم معه ما أصابهم.
فكل مدخل ومخرج كان باللّه وللّه وابتغاه مرضاة اللّه : فصاحبه ضامن على اللّه. فهو مدخل صدق ومخرج صدق.
وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إلى السماء وقال :
اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك. يريد أن لا يكون المخرج مخرج صدق. ولذلك فسر مدخل الصدق ومخرجه : بخروجه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكة ، ودخوله المدينة. ولا ريب أن هذا على سبيل التمثيل. فإن هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى اللّه عليه وسلّم. وإلا فمداخله ومخارجه كلها مداخل صدق ومخارج صدق ، إذ هي للّه وباللّه وبأمره ، ولابتغاء مرضاته.
وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه أو أي مدخل آخر إلا بصدق أو بكذب. فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب. واللّه المستعان.
وأما لسان الصدق : فهو الثناء الحسن عليه صلّى اللّه عليه وسلّم من سائر الأمم بالصدق ، ليس ثناء بالكذب. كما قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل
وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حصن بني قريظة فإنه لما كان مدخل كذب أصابهم معه ما أصابهم.
فكل مدخل ومخرج كان باللّه وللّه وابتغاه مرضاة اللّه : فصاحبه ضامن على اللّه. فهو مدخل صدق ومخرج صدق.
وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إلى السماء وقال :
اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك. يريد أن لا يكون المخرج مخرج صدق. ولذلك فسر مدخل الصدق ومخرجه : بخروجه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكة ، ودخوله المدينة. ولا ريب أن هذا على سبيل التمثيل. فإن هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى اللّه عليه وسلّم. وإلا فمداخله ومخارجه كلها مداخل صدق ومخارج صدق ، إذ هي للّه وباللّه وبأمره ، ولابتغاء مرضاته.
وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه أو أي مدخل آخر إلا بصدق أو بكذب. فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب. واللّه المستعان.
وأما لسان الصدق : فهو الثناء الحسن عليه صلّى اللّه عليه وسلّم من سائر الأمم بالصدق ، ليس ثناء بالكذب. كما قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل
)
والمراد باللسان هاهنا : الثناء الحسن. فلما كان الصدق باللسان ، وهو محله ، أطلق اللّه سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق ، جزاء؟ وعبر به عنه.
فإن اللسان يراد به ثلاثة معان : هذا ، واللغة ، لقوله تعالى : 14 :
5 وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ وقوله : 30 : 22 وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ وقوله : 16 : 103 لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ.
ويراد به الجارحة نفسها كما في قوله : 75 : 16 لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
.
وأما قدم الصدق : ففسر بالجنة ، وفسر بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وفسر بالأعمال الصالحة.
وحقيقة القدم : ما قدموه ، ويقدمون عليه يوم القيامة. وهم قدموا الأعمال والإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك.
فمن فسره بها أراد ما يقدمون عليه. ومن فسره بالأعمال وبالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فإنهم قدموها وقدموا الايمان به بين أيديهم. فالثلاثة قدم صدق.
وأما مقعد الصدق : فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى.
ووصف ذلك كله بالصدق مستلزم لثبوته واستقراره ، وأنه حق مستلزم لدوامه ونفعه وكمال عائدته. فإنه متصل بالحق سبحانه ، كائن به وله. فهو صدق غير كذب ، وحق غير باطل. ودائم غير زائل ، ونافع غير ضار. وما للباطل ومتعلقاته إليه سبيل ولا مدخل.
الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010
[سورة ق (50) : آية 37
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[سورة ق (50) : آية 37]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
إذا أردت الانتفاع بالقرآن ، فأجمع قلبك عند تلاوته. وألق سمعك.
واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه ، منه إليه. فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. قال تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ، ومحل قابل ، وشرط لحصول الأثر ، وانتفاء المانع الذي يمنع منه : تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه. وأدله على المراد.
فقوله : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى » إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا. وهذا هو المؤثر وقوله : «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» فهذا هو المحل القابل. والمراد به :
القلب الحي الذي يعقل عن اللّه ، كما قال تعالى : 36 : 69 ، 70 إِنْ هُوَ
[سورة ق (50) : آية 37]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
إذا أردت الانتفاع بالقرآن ، فأجمع قلبك عند تلاوته. وألق سمعك.
واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه ، منه إليه. فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. قال تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ، ومحل قابل ، وشرط لحصول الأثر ، وانتفاء المانع الذي يمنع منه : تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه. وأدله على المراد.
فقوله : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى » إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا. وهذا هو المؤثر وقوله : «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» فهذا هو المحل القابل. والمراد به :
القلب الحي الذي يعقل عن اللّه ، كما قال تعالى : 36 : 69 ، 70 إِنْ هُوَ
إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
أي حي القلب.
وقوله : «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» أي وجه سمعه ، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له. وهذا هو شرط التأثير بالكلام.
وقوله : «وَ هُوَ شَهِيدٌ» أي شاهد القلب حاضر ، غير غائب. قال ابن قتيبة : استمع لكتاب اللّه وهو شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه.
وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثر. وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له ، والنظر فيه وتأمله.
فإذا حصل المؤثر ، وهو القرآن ، والمحل القابل ، وهو القلب الحي ، ووجد الشرط ، وهو الإصغاء ، وانتفي المانع ، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر : حصل الأثر ، وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر.
فإن قيل : إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه. فما وجه دخول أداة «أو» في قوله «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» والموضع موضع واو الجمع ، لا موضع «أو» التي هي لأحد الشيئين؟
قيل : هذا سؤال جيد. والجواب عنه أن يقال :
خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو. فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه ، تام الفطرة. فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه على صحة القرآن ، وأنه الحق ، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن. فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة. وهذا وصف الذين قيل فيهم :
34 : 6 وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وقال في حقهم : 24 : 35 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ، لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ، نُورٌ عَلى نُورٍ ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ.
أي حي القلب.
وقوله : «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» أي وجه سمعه ، وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له. وهذا هو شرط التأثير بالكلام.
وقوله : «وَ هُوَ شَهِيدٌ» أي شاهد القلب حاضر ، غير غائب. قال ابن قتيبة : استمع لكتاب اللّه وهو شاهد القلب والفهم ، ليس بغافل ولا ساه.
وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثر. وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له ، والنظر فيه وتأمله.
فإذا حصل المؤثر ، وهو القرآن ، والمحل القابل ، وهو القلب الحي ، ووجد الشرط ، وهو الإصغاء ، وانتفي المانع ، وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر : حصل الأثر ، وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر.
فإن قيل : إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه. فما وجه دخول أداة «أو» في قوله «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ» والموضع موضع واو الجمع ، لا موضع «أو» التي هي لأحد الشيئين؟
قيل : هذا سؤال جيد. والجواب عنه أن يقال :
خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو. فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه ، تام الفطرة. فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه على صحة القرآن ، وأنه الحق ، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن. فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة. وهذا وصف الذين قيل فيهم :
34 : 6 وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وقال في حقهم : 24 : 35 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ، لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ، نُورٌ عَلى نُورٍ ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ.
فهذا نور الفطرة على نور الوحي. وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي.
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كتبت فيه. فهو يقرؤها عن ظهر قلب.
ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد ، واعي القلب ، كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل. ولم تبلغ حياة قلبه لتأمله والتفكر فيه ، وتعقل معانيه ، فيعلم حينئذ أنه الحق.
فالأول : حال من رأى بعينيه ما دعي إليه وأخبر به.
والثاني : حال من علم صدق الخبر وتيقنه. وقال : يكفيني خبره ، فهو في مقام الإيمان ، والأول في مقام الإحسان. هذا قد وصل إلى علم اليقين ، وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين. وذلك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.
فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا ، ونوع في الآخرة. فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب ، كنسبة الشاهد إلى العين. وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار. وفي الدنيا بالبصائر. فهو عين يقين في المرتبتين.
فصاحب القلب الحي بين قلبه وبين معاني القرآن أتم الاتصال ، فيجدها كأنها قد كتبت فيه. فهو يقرؤها عن ظهر قلب.
ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد ، واعي القلب ، كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل. ولم تبلغ حياة قلبه لتأمله والتفكر فيه ، وتعقل معانيه ، فيعلم حينئذ أنه الحق.
فالأول : حال من رأى بعينيه ما دعي إليه وأخبر به.
والثاني : حال من علم صدق الخبر وتيقنه. وقال : يكفيني خبره ، فهو في مقام الإيمان ، والأول في مقام الإحسان. هذا قد وصل إلى علم اليقين ، وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين. وذلك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.
فعين اليقين نوعان : نوع في الدنيا ، ونوع في الآخرة. فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب ، كنسبة الشاهد إلى العين. وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار. وفي الدنيا بالبصائر. فهو عين يقين في المرتبتين.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)