السبت، 27 أكتوبر 2012

المنسجم


الإنسان المنسجم دوما ما ترى الروعة تحيطه ، فإذا رأيته لن تقاوم ملأ العين منه .. فهل مرَّ بك منسجم !؟

التعصب "مظاهره – أسبابه – نتائجه -



التعصب "مظاهره – أسبابه – نتائجه -
البعد الشرعي"

د/ عادل الدمخي

بسم الله الرحمن الرحيم


تعريف التعصب
لغة: يأتي بمعنى الشدة يقال لحم عصب: صلب شيد، وأتعصب أشتد، والعصب: الطي الشديد، وعصب رأسه وعصبه تعصيباً: شده واسم ما شد به العصابة.
ومن أمثال العرب: فلان لا تعصب سلماته، يضرب مثلاً للرجل الشديد العزيز الذي لا يقهر ولا يستذل.
ومنه قوله عز وجل "هذا يوم عصيب" أي شديد.
ويأتي بمعنى: التجمع الإحاطة والنصرة ومنه قوله عصبة الرجل: بنوده وقرابته لأبيه والعرب تسمى قرابات الرجل أطرافه ولما أحاطت به هذه القرابات وعصبت بنسبه سموا عصبة وكل شيء استدار بشيء فقد عصب به والعمائم يقال لها العصائب، ويقال عصب القوم بفلان أي استكفوا حوله والعصبة والعصابة جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين.
والتعصب من العصبية والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين.
والعصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم. [1]
اصطلاحاً:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي فالتعصب هو التشدد وأخذ الأمر بشدة وعنف وعدم قبول المخالف ورفضه والأنفة من أن يتبع غيره ولو كان على صواب.
وكذلك التعصب هو نصرة قومه أو جماعته أو من يؤمن بمبادئه سواء كانوا محقين أم مبطلين، وسواء كانوا ظالمين أو مظلومين.
وبضدها تتبين الأشياء:
فالتعصب ضد التسامح ،والانغلاق ضد الانفتاح والتحجر ضد التفكر ، ورفض الآخر وعدم قبوله ضد التواصل معه والتعايش والتوافق والعصبية والحمية ضد التجرد للحق والانتصار له فمعاني التعصب ممقوته مذمومة وضدها هذه المعاني الجميلة المحمودة.

من مظاهر التعصب:
1.   التعصب الحزبي:
وهو التعصب للفئة أو الحزب أو الجماعة التي ينتسب إليها الفرد والانتصار لها بالحق والباطل، وإضفاء صفة العصمة والقداسة عليها، وذكر مزاياها ومحاسنها ومهاجمة غيرها بذكر عيوبها وسيئاتها ويعظم حزبه ويحتقر غيره.
2.   التعصب القومي:
وهو الانتصار للقومية التي ينتسب إليها لمجرد القومية، كما تعصب الأتراك لقوميتهم في آخر الخلافة العثمانية وكما تعصب العرب لقوميتهم مقابل هذا التعصب وحروب القوميات لا تخطئ على الناظر وقد تقع في البلد الواحد.
3.   التعصب المذهبي أو الطائفي:
هذا التعصب الذي فرّق المسلمين وجعل لهم أربعة منابر في الحرم المكي حول بيت الله ومنع الشافعي يصلي خلف الحنبلي والحنبلي خلف المالكي وهلمّ جرا وأغلق باب الاجتهاد في وجه الأمة، والتعصب الطائفي الذي أشعل نار الفتنة والقتال بين طوائف الأمة كتعصب الخوارج ضد الصحابة وقتالهم.
4.   التمييز العنصري:
بسبب الجنس كتمييز الذكور ضد الإناث أو اللون كتمييز الأبيض ضد الأسود أو الأرض والوطن كالتمييز الحاصل ضد المهاجرين واللاجئين ، أو القبيلة كالتمييز ضد أبناء القبائل الأخرى واحتقارهم.
5.   التعصب الفكري:
وهو رفض فكر الآخر وعدم قبوله والاستماع إليه وترك التجرد والإنصاف في الحكم عليه والتشدد في التعامل معه ونقده بألذع الصور وتكوين صورة وإطار معين لفكر المخالف مشوبة بكثير من الأخطاء والمغالطات لأنها قائمة على أسس وأهية من التعصب والتحجر.

من أسباب التعصب:
1.   تضخم الذات: كما قال فرعون:
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " [2] وهذه الذات المتضخمة قد تكون ذات الشخص أو ذات الجماعة أو ذات الدولة.
2.   الجهل والتخلف المعرفي:
فالجهل بالآخر وعدم توسيع المدارك بمعرفته والإطلاع على ما يؤمن به، يدعوه إلى التعصب ضده ورفضه وحسبنا أن نقول: إن الهجوم على الإسلام اليوم ومحاربته من كثير من الشعوب الغربية هو بسبب الجهل بمبادئه وعدم معرفته على الحقيقة هذا مع التشويه وإلقاء الشبهات المتعمد وغير المتعمد من وسائل الإعلام وغيرها.
3.   تقديس البشر والغلو فيهم:
كما قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" وهذا التقديس والغلو يصل إلى حد إضفاء صفة العصمة والقداسة مما يؤدي إلى التعصب لهذا الشيخ أو لهذه الجماعة.
4.   الانغلاق وضيق الأفق:
نجد كثيراً من الطوائف والجماعات منغلقة على ذاتها لا تسمع إلا لنفسها وتمنع أتباعها من الاستماع لغيرها وكثير من الأفكار المتطرفة والمتعصبة تنشأ في الأوكار السرية وسراديب الظلام في أجواء مغلقة تعلِّم الإرهاب ورفض الآخر والعنف الموجه وتكفير المخالف.
5.   التنشئة الاجتماعية:
فالنشأة في أسرة تميز ضد اللون أو الجنس أو القبيلة والجماعة أو الفكر وتغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر تنتج لنا أناسا متعصبين ومتحجرين ومتطرفين والأسرة نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لابد وأن يظهر في المجتمع ، وقد يغلب فيكون التعصب هو الصبغة العامة له.
6.   الفهم الديني الخاطئ:
لا شك أن الانحراف في فهم الدين من أسباب التعصب الرئيسية فالتعصب الصليبي ضد المسلمين كان ناتجا من فهم خاطئ لمبادئ الدين النصراني، والتعصب المذهبي الذي أدّى إلى رفض الآخر في الإسلام كان ناتجاً من فهم خاطئ لاتباع العلماء.
7.   غياب أخلاقيات التعامل مع المخالف:
مثل العدل والإنصاف والتجرد والتعايش معه رغم الاختلاف والثناء عليه بما أصاب والدفاع عنه إذا ظُلم وتطاول عليه الآخرون بغير حق وغيرها من الأخلاقيات التي سنذكرها في البعد الشرعي.

نتائج التعصب:
كل ما ذكرناه فيما سبق من مظاهر التعصب الممقوت هو من نتائجه فالتعصب سبب رئيسي لتفرقة الأمة وتشتتها وعدم اجتماعها والتعصب هو فتيل الفتنة والاقتتال بين فئات الشعب الواحد والأمة الواحدة ،والتعصب هو سبب رفض الآخر ورفض التعايش والتوافق معه.
البعد الشرعي:
جاء الإسلام ليحارب كل أشكال التعصب والانغلاق.
·      فكل بني آدم مكرم: "ولقد كرمنا بنى آدم [3]" وقال عز وجل " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .. الآية [4]" فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى كما قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)[5].
·      ويأمرنا الله بالعدل والإنصاف "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون[6]"، "إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل[7]".
·      وكل تعاون على الإثم والعدوان محرم "وتعاون على البر والتقوى ولا تعاونا على الإثم والعدوان[8]".
·      وجعل الإسلام المناصرة بين المؤمنين على الحق ودفع الظلم: قال تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر[9]" وقال صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فقال رجل يا رسول الله انصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ فقال تحجره أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره[10]" وقال صلى الله عليه وسلم "من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردى فهو ينزع بذنبه [11]".
·      وأساس التفاضل في الإسلام هو التقوى والعمل الصالح "إن أكرمكم عند الله أتقاكم [12]" وقال صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام يفتخرون بأبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبيه[13] الجاهلية، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي ، الناس كلهم بنو آدم خلق من تراب[14]".
·      ومنع الإسلام الظلم والبغي وكان مع المخالف: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة[15]" وقال تعالى: "ولا يجرمنكم شنأن قوم على إلا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [16]" ودعا إلى قبول الحق ، كما قال صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمض الناس[17]" والحق لا يعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال معاذ رضي الله عنه: "أقبلوا الحق من كل من جاء به وأن كان كافراً أو قال فاجراً ، قالوا كيف نعلم إنه يقول الحق ؟ قال: "على الحق نور".
·      وحارب الإسلام تقديس البشير وإعطائهم منزلة فوق منزلتهم "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا [18]" وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين [19]" ومن غلو من كان قبلنا أنهم " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [20]".
·      والإسلام دين الرحمة والتسامح مع المخالف : قال تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[21]" وقال تعالى "لا إكراه في الدين[22] " يقول المؤرخ الغربي (أر نولد): "إن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح[23]" ويقول (جوستاف لبون) "وما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأول أمرهم وتحملهم على الإفراط المألوف عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم ولا فرضوا عليهم بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو علموا ذلك لأهاجوا عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم فاتقوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينج منها الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، بل رأيناهم حيث دخلوا في الشام ومصر وأسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق تاركين لهم أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم غير ضاربين عليهم في مقابل السلام الذي ضمنوه لهم إلا جزية ضئيلة كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل، وما عرفت الشعوب فاتحا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا ديناً حوى في مطاوية هذه الرقة واللطف[24]".

وفي الختام إيضاحات لابد منها:
1-     لابد من الاختلاف فيما بيننا لأننا بشر نخطئ ونصيب ولسنا ملائكة فلا نستطيع أن نزيل الخلاف أو نلغيه ولكن نستطيع تقليل دائرته والتعايش السوي السليم معه، ولابد لنا من التأدب بآداب الإسلام في التعامل مع المخالف.
2-     ليس من التعصب الاعتزاز بالشخصية الإسلامية وبيان عظمة هذا الدين وأنه دين جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأنه الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، وهذه الشخصية المسلمة ترفض التبعية والانهزامية أمام أعدائها مما يدعوهم إلى رميها بالتعصب كما هو الحال اليوم.
3-     وكذلك ليس من التعصب حوار المخالف، والرد عليه علمياًً وكشف خطئه وبيان نوع الزلل الواقع فيه إن كان كفراً أو بدعة أو معصية مع الحفاظ على أدب النقد العلمي الرصين، وأدب التعامل مع المخالف، وعدم إطلاق الأحكام المتعصبة جزافاً لمجرد المخالفة.


وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.


د. عادل الدمخي
ربيع الآخر 1426 هـ
18/5/2005م


[1]  لسان العرب ( 1/602 – 607 ) بتصرف
[2] سورة فاطر 29.
[3] سورة الإسراء 70.
[4] سورة الحجرات 13.
[5] رواه أحمد ( 50/411 ) وغيره.
[6] سورة النحل 90.
[7] سورة النساء 58.
[8] سورة المائدة.
[9]  التوبة 71
[10]  رواه مسلم
[11] أخرجه البخاري ومسلم.
[12] سورة الحجرات 13.
[13]  أي فخرها وتكبرها ونخوتها.
[14]  أخرجه الترمذي وأبو داود.
[15]  رواه البخاري.
[16] سورة المائدة.
[17] تقدم تخرجه
[18]  سورة آل عمران 144.
[19]  رواه النسائي
[20]  سورة التوبة 31.
[21] سورة الأنبياء 107.
[22] سورة البقرة 256.
[23]  مجلة البيان عدد 153 نقلا عن الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي.
[24]  المصدر السابق.

التعصب

التعصب يجعلنا لا نرى الواقع ويجعل أعيننا لا ترى إلا ما نريد

التعصب الأعمى يصم الإذن ويفسد فيها حلاوة تذوق الحقيقة

التعصب ظاهرة قديمة حديثة يرتبط بها العديد من المفاهيم وما زالت هذه الظاهرة تتجدد باستمرارٍِ في عصرنا الحالي وتشكل آفة تدمر الشعوب والأمم.
للتعصب أشكال مختلفة قد يرتبط بعضها ببعض:
التعصب الديني
التعصب العرقي
التعصب الفكري

التعصب للنوع الأجتماعي
التعصب القومي
التعصب القبلي
التعصب الطائفي
التعصب الرياضى
التعصب في المنتدياااااااااااااااااات والفيس بوو
ووووووك والتلفاز.



التعصب الأعمى يفسد البحث العلمي ويجعلنا نصل لنتائج غير دقيقة

الخميس، 25 أكتوبر 2012

عيد الأضحى وتجديد الأمة




أ . حسان أحمد العمارى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .. الله أكبر عدد ما ذكره 
الحاجون وبكوا! والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا! الله أكبر عدد ما زهرت 
النجوم، وتلاحمت الغيوم! الله أكبر عدد ما أمطرت السماء، وعدد ما غسق واقب أو لاح 
ضياء! الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته! الله أكبر عدد ما وقف الحجاج 
في عرفات، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، الله أكبر عدد ما سكبوا من العَبرات، 
الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات .. الله أكبر وله الحمد .. سهل لعباده طريق العبادة ويسر.

 ووفاهم أجوره من خزائن جوده التي لا تحصر، ومنّ عليهم بأعياد تعود عليهم بالخيرات وتتكرر، نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وحق له أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى وزكى وحج واعتمر صلى الله وسلم عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر، وعلى أصحابه الذين سبقوا بالخيرات فنعم الصحب والمعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور،أما بعـــــــد:

أيها المؤمنون /عبــــاد الله :-    ها هو عيد الأضحى المبارك يحل ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع الأرض شرقها وغربها شمالها وجنوبها في القرى والمدن في الصحراء وعلى ضفاف الأنهار وسواحل المحيطات والبحار .. اختص الله به أمة  الإسلام من دون سائر الأمم وجعله سبحانه وتعالى عيداً للمسلمين يظهر فيه المسلم توحيده لله وذكره وشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وهو يومٍ فرح وسرورٍ وتواصل وتعاونٌ وتكافلٌ بين أفراد هذه الأمة الواحدة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها..  فالعيد في حياة الأمة يعد مظهراً من مظاهر التجديد في حياتها .. تجديداً للإيمان والعقيدة في نفوس أبنائها فحجاج بيت الله  ما قصدوا البيت الحرام إلا توحيداً لله واستجابة لنداء الخليل إبراهيم عليه السلام عندما أمره ربه بأن يؤذن في الناس قال تعالى :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )[الحج:27].. وصيام يوم عرفة هذا اليوم العظيم ووقوف الحجاج فيه مظهر من مظاهر تجديد الإيمان والوفاء بالعهد والميثاق الذي أخذه الله على كل إنسان بأن يعبده ولا يشرك به شيئاً فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم  بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) "الأعراف: 172، 173" "رواه أحمد وصححه الألباني)  والعيد يأتي بعد ذلك ليؤكد هذه الحقيقة ويشهد على هذا التجديد في نفس المسلم وسلوكه .. وكذلك المسلم الذي يقدم بين يدي الله أضحية العيد لا يريد بها غير وجه الله شعاره (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) .. فليحافظ كل مسلم على إيمانه و ليتعاهده بالأعمال الصالحة ومراقبة الله حتى يلقاه على فطرة الإسلام فتزكو نفسه وتطيب حياته ويسعد في آخرته.

عبـــــــاد الله :-  والعيد مظهر من مظاهر تجديد وتطهير النفس البشرية التي أفسدتها الذنوب والمعاصي فيأتي العيد وأيام العشر من ذي الحجة لتكون سبباً في تطهير وتجديد حياة المسلم فالحاج يعود كيوم ولدته أمه قال عليه الصلاة والسلام (مَن حَجّ فَلَم يَرفُث ولَم يَفسُق رَجَع كَيَومِ ولَدَتهُ أُمُّهُ)( البخاري / 1733 و 1734)  وصيام يوم عرفه يكفر سنتين فقد روى مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( صيام عرفة يكفر سنتين ) وفي رواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه : ( سنة ماضية وسنة مقبلة ) .. وصلاة العيد وذكر الله بالتكبير والتحميد والتهليل يوم العيد وأيام التشريق فيه تربية للمسلم على عبودية الله وتعظيمه بعد أن ركنت النفوس إلى الدينار والدرهم واللذات والشهوات حتى أنساها الشيطان ذكر الله وقد حذَّر الله من ذلك فقال { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }[الحشر : 19] .. والله عز وجل يقول (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203] وقال تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]

أيها المؤمنون /عبــــاد الله :-   والعيد مظهر  من مظاهر التجديد في سلوك المسلم في نظافته وملابسه الجميلة دون رياء أو كبر
أو إسراف وتبذير ليعلم أن هذا الدين دين النظافة والجمال وهكذا يعيش المسلم طوال حياته فالله جميل يحب الجمال ،نظيف يحب النظافة .. ويظهر التجديد في سلوك المسلم ومعاملة الآخرين من حوله ففي العيد يظهر بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة الأقارب والجيران والمرضى ويظهر التكافل والبذل والعطاء والصدقة والإنفاق والتسامح والتغافر بين المسلمين والتصافح والسلام قال صلى الله عليه وسلم  (إذا تصافح المسلمان لم تفرق أكفهما حتى يغفر لهما) (الألباني /صحيح الجامع [1/44] .. و قال صلى الله عليه وسلم  (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) الألباني : ( حسن) صحيح الجامع [1 / 1072] .. وكل هذه الأعمال وغيرها في العيد تدفع المسلم إلى معالجة أخطائه والإحسان في معاملته للآخرين من حوله فيظهر المجتمع المسلم بثوبه الجديد .. مجتمع متعاون ومتآلف ومترابط يسود بين أبناءه الحب والود والتراحم.. اللهم وفقنا لما يرضيك، وجنِّبنا ما يسخطك، اللهم اقبل عملنا، واشكر سعينا، واغفر ذنبنا، وتجاوز عن جهلنا، فنحن عبيدُك وأنت ربنا .. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الخطــبة الثانية :    الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاالله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة ، وأصيلاً،
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرا .. الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً ... الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً ..

فلك المحامد ربَّنا سراً وجهراً .. ولك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا .. لك المحامد ربَّنا شعراً ونثرا ..

أيها المؤمنون /عبـاد الله :في العيد يشعر المسلم بإخوانه المسلمين في بقاع الأرض ويدرك أهمية هذه الأخوة والرابطة الإيمانية بين المسلمين في قوتهم وسعادتهم وهو بذلك يسعى للقيام بواجباته نحوهم وأداء حقوقهم التي شرعها الإسلام وأمر بها وما ذاك إلا لأهميتها.. حيث جعل سبحانه وتعالى الأخوة وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان التي فقدتها القلوب فقال صلى الله عليه وسلم: [ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ] ( البخاري ومسلم) .. و هي طريق المؤمنين وسبيلهم إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ] (رواه مسلم )  .. فكيف لحلاوة الإيمان أن تمتلىء بها قلوبنا وقد ظهرت الخصومات والأحقاد والحسد وفساد ذات البين بين المسلمين حتى تجرا المسلم على أخيه المسلم فسفك دمه  وأكل ماله واستطال في عرضه دون وجه حق .. وتفرق المسلمين إلى جماعات ودول ومذاهب ورايات وعصبيات جعلوها بديلاً عن رابطة الإيمان فحل الشقاء وظهرت الصراعات وفسدت الأحوال واستبدلوا شرع الله وحكمه بقول فلان وعلان ووجد من يضن أن له فضل ومكانة عن غيره من المسلمين بسبب وجاهته او ماله أو سلطانه أو نسبه أو عشيرته ..

 لكن المسلم الحق ينظر في هذا العيد وهذه الأيام ليجد الحقيقة فيرى حجاج بيت الله وقد تخلى كل واحد منهم عن زيه الوطني ولبسه المعتاد ليلبس الجميع ملابس واحدة ذات لون واحد في صعيد واحد يلهجون بذكر واحد فيتذكر أن المسلم أخو المسلم وأنه لافضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى وأن المصير المحتوم بعد هذه الدنيا هو لقاء الله والحساب والعقاب والجنة والنار .. فلتكن الإخوة الإيمانية رابطة كل مسلم مع إخوانه وليسعى كل مسلم لجعلها سلوكاً عملياً في الحياة يرضي بها ربه ويقوي بها صفه ويحفظ بها أمته ومجتمعه ووطنه.. قال تعالى ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(الأنبياء:92) وقال تعالى {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] ..

عبــــــــاد الله : ألا فليقم كل من ضحى إلى أضحيته فله عند الله أجر عظيم وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم وتفقدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين وأدخلوا عليهم البهجة والفرح والسرور ومن لم يضحي لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن فقد ضحى عنه وغيره من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان .. واذكروا الله  كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجددوا إيمانكم وحسنوا أخلاقكم و احفظوا دماءكم واجتنبوا الفتن تفوزوا برضا ربكم .. فهنيئاً لكم بالعيد يا أهل العيد ، وأدام الله عليكم أيام الفرح ، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء . ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً ...  ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم اجمع شمل المسلمين ، ولم شعثهم ، وألف بين قلوبهم واحقن دمائهم .. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين .. اللهم تقبل من حجاج بيتك أعمالهم وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين واغفر لنا ولهم أجمعين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد