الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

فضل العيد ومقاصده


فضل العيد ومقاصده






تقديم:
لقد فاضل الله عز وجل بين الأيام، كما فاضل بين الشهور وبين الساعات، فشهر رمضان ليس كشهر جمادى، ولما سئل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن كثرة صيامه لشهر شعبان قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" ص. النسائي. ويوم الجمعة ليس كغيره من الأيام، لأن الله تعالى اختصه بعبادات وفضل لا تجدها في غيره من الأيام،  ويوما الاثنين والخميس ليسا كغيرهما، فقد قال فيهما النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن الأعمال ترفع يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يرفع عملي و أنا صائم" ص. الجامع. وكذلك يوم العيد ليس كسائر الأيام، فهو مخصوص بعبادات، ومخصوص بسنن وآداب، ورتب الله تعالى على ذلك أجرا عظيما، وجزاء عميما.

والعِيدُ: كُلُّ يَوْمٍ فيه جَمعٌ. واشتِقَاقُه من عادَ يَعود، كأَنَّهم عادُوا إِليه. وقيل: اشتِقاقُه من العادَةِ، لأَنَّهُم اعتادُوه. وقال ابنُ الأَعرابيِّ :"سُمِّيَ العِيدُ عِيداً لأَنَّه يَعُودُ كلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ".

1- تخصيص المسلمين بعيد الأضحى:
وإذا كانت أعياد غير المسلمين - غالبا - مرتبطة بأمور مادية أو دنيوية، كالارتباط ببداية السنة، أو ببعض المناسبات كموسم الزرع أو الحصاد أو نزول المطر أو ما أشبه ذلك، فإن الله تعالى شرع للمسلمين عيدين مرتبطين بمناسك تعبدية. يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه-:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال "ما هذان اليومان"؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" ص. أبي داود.

أما عيد الفطر فيعقب شهر رمضان المبارك، فيكون فرحا بانتهاء شهر الصوم، فهو إذن مرتبط بعبادة الصوم، وأما عيد الأضحى، فمرتبط بمناسك الحج، بحيث يقع في شهر ذي الحجة، وهو إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، فلما كان وقعه عظيما، وأثره جسيما، جعله الله تعالى أفضل أيام السنة على الإطلاق. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إن أعظم الأيام عند الله - تبارك وتعالى - يوم النحر ثم يوم القر (الثاني بعد العيد)" ص. أبي داود.

والذي يظهر هذه الخصوصية، وتميز المسلمين بهذه العيدين، قوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-:"يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا" متفق عليه. وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-:"يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهلَ الإسلام (الاختصاص)، وهي أيام أكل وشرب" ص. أبي داود.

وهذا التخصيص في الإسلام مقصود، درءا للتشبه بغير المسلمين في أعيادهم، ومناسباتهم، واحتفالاتهم، لدرجة قالت اليهود:"ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه" ص. أبي داود.

2- مشروعية الفرح والابتهاج في الإسلام:
لقد تكونت صورة نمطية في أذهان بعض الناس من غير المسلمين، وحتى من بعض المسلمين، أن الإسلام لا يعترف بالفرح ولا بالبهجة، وكأنه دين التجهم، ودين القلق، وزاد من تعميق هذه الصورة، تلك الأحداث المأساوية التي ألصقت تهمة العنف والشدة بالمسلمين، والمسلمون من تلك التصرفات براء. والمطالع لسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن حياته عليه الصلاة والسلام كانت مزاوجة بين الجد وبين المرح والدعابة والاسترواح.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا. قال:"إني لا أقول إلا حقا" ص. الترمذي.

 ومن المرح اللطيف الذي أشاعه النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة ما رواه أنس رضي الله عنه، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه "زاهرا"، وكان يُهدي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هدية من البادية، فيجهزه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج. فقال -صلى الله عليه وسلم-:"إن زاهرا باديتُنا، ونحن حاضروه". وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وكان رجلا دميما. فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال:"من هذا؟ أرسِلني". فالتفتَ فعرف النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فجعل لا يألو مَا ألصقَ ظهرَه بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من يشتري هذا العبد؟". فقال:"يا رسول الله، إذاً والله تجدني كاسدا". فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-:"لكن عند الله لست بكاسد". أو قال:"أنت عند الله غالٍ" الطبراني في الكبير، وصححه في الشمائل المحمدية.

 بل الأكثر من هذا أننا وجدنا عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- يقول:"ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ص. سنن الترمذي.

 وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول:"تبسمك في وجه أخيك صدقة" ص. الترغيب.

• ويقول:"لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق (طَلِق، طَلِيق:منبسط سهل)" رواه مسلم.
بُنَيَّ إن البر شيء هين 
وجه طليق وكلام لين 

من هنا يأتي العيد، ليرسخ فكرة الابتهاج في نفوس المسلمين. فقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على صبيان من أهل الحبشة يلعبون، فقال:"العبوا يا بني أَرفَدة (لقب الحبشة)، لتعلمْ يهودُ أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة" ص. الجامع.

لكن ليس معنى هذا أن نفسح المجال للهو المحرم، فبعض الناس في العيد، وبخاصة بعض الأطفال والمراهقين الذين تكثر أموالهم في هذه المناسبة، يوظفون هذه الأموال في القمار، أو شراء بعض الألعاب النارية الخطيرة، أو في التبذير وصرف المال في غير وجوه الحق.. فهذا ليس من البهجة في شيء، بل هو معصية لله تعالى في يوم نجعل فرحنا فيه قربى وعبادة لله عز وجل، وليس محاداة له، وإغضابا له. وهنا نود أن نهمس في آذان الآباء أن ينتبهوا إلى أبنائهم يوم العيد، وأن يرقبوا مداخلهم ومخارجهم.

ومن مظاهر الابتهاج في العيد - أيضا - التجمل ولبس الجديد والنظيف، من غير إسراف ولا مخيلة، فقد كان للنبي -صلى الله عليه وسلم-"جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة". وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه. والنساء لا يتجاوزن حدود الله في اللباس، فيخرجن متبرجات بزينة، كاسيات عاريات. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تَفِلات (في ثياب عادية ليست ثياب تبرج وزينة وتعطر)" ص. أبي داود.

3- صلة الأرحام من أعظم مظاهر العيد:
بعد نحر الأضحية، يستحب أن يخصص المسلم وقتا لزيارة الأقرباء، كالوالدين، والأعمام والأخوال والعمات والخالات ومن إليهم، وزيارة الأصدقاء كذلك، وتفقد الجيران، ونحن نعرف أن في الجهات في المغرب، لا يتأتى لأفراد الأسرة أن يرى بعضهم بعضا إلا في مناسبة العيد، فيصلون أرحامهم ويتزاورون ويلتقون، ويفرح بعضهم برؤية بعض، وهذا من أعظم مقاصد العيد، وإن كانت صلة الرحم لا تقتصر على العيد وحده، غير أنها فيه آكد. ويكفي أن الله تعالى حث عليها في آيات كثيرة فقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم-:" من أحب أن يبسط في رزقة، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه" متفق عليه. وحسبنا أن نعلم أن الله تعالى قرن بين قطيعة الرحم والفساد في الأرض حيث قال: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22- 23] ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن قاطع الرحم محروم من الجنة. قال -صلى الله عليه وسلم-:"ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر" رواه ابن حبان. وفي صحيح مسلم:"لا يدخل الجنة قاطع رحم".

واصل الرحم موصول من الله تعالى، وقاطعها مقطوع من رحمته. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فهو لك" متفق عليه.

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته" ص.الترغيب.

تنبيه: بعض الناس يتعللون بأن أقرباءهم لا يزورونهم، بل عليهم أن يبادروا إلى زيارتهم. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" البخاري. وعن مسلم في صحيحه:"أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال:"لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل (كأنما تطعمهم الرماد الحار)، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".

4- مواساة الفقراء وإشاعة روح التعاون:
إذا كان العيد قد شرع لإشاعة أجواء البهجة والسرور بين المسلمين، فإن من تمام هذه البهجة والسرور مواساة الفقراء والمحتاجين، نشركهم معنا في سرورنا وفرحتنا، بأن نعطيهم من لحم الأضحية ومن الهدايا والعطايا ما يشبعهم في هذا اليوم على الأقل، فيغنيهم عن الطواف والمسألة. وإذا كان أبناؤنا يلبسون الجديد في العيد ويتجملون ويمرحون ويلعبون، فإن أبناء الفقراء يرنون إلى أبنائنا بعيون الحزن والأسى، ينتظرون منا اليد الحانية، والأعطية المفرحة، فلا بأس أن نخصص أبناء الفقراء وبخاصة إذا كانوا جيرانا أو من الأقرباء بشيء من هذه الهدايا، وبذلك يتحقق معنى العيد عند المؤمن بنيل أجره؛ وبالإحسان إلى المعوزين والمحتاجين. فالله تعالى يقول:"إنما المومنون إخوة"، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول:"والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره (أو قال لأخيه) ما يحب لنفسه" رواه مسلم.

ومن الأحاديث البديع في ذلك، ما رواه أبو مالك الأشعري -رضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام" رواه ابن حبان في صحيحه، وهو في ص. الترغيب. وعند الترمذي في ص. سننه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام".

من هنا تأتي صدقة عيد الأضحى من الأضحية نفسها، إطعاما لهذه الشريحة من الناس، وإشراكا لها في فرحة العيد. قال تعالى:"فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ". ومن الفقهاء من قال تقسم نصفين: نصفا يأكله،  ونصفا يتصدق به. ومنهم ذهب إلى أكل ثلثها، وإهداء ثلثها للجيران والأقرباء، والتصدق بثلثها. واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً: ثلثاً للادخار، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للأكل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"كلوا وتصدقوا وادخروا" مسلم. قال محمد بن الحسن في روايته للموطإ:"وبهذا نأخذ، لا بأسَ أن يأكلَ الرجل من أضحيته، ويدَّخرَ، ويتصدَّق، وما نُحبُّ له أن يتصدقَ بأقل من الثلث، وإن تصدَّق بأقل من ذلك جاز". وقال الحافظ ابن حجر:"والأكمل أن يتصدق بمعظمها". ومدار هذه الأقوال على مواساة الفقراء بإعطائهم من اللحم ما يشعرهم بسريان روح الأخوة الإسلامية والتعاون بين المسلمين، وبهذا تجتمع القلوف، وتشع الألفة، وتتوثق أواصر المحبة.

ونحمد الله تعالى أن هذه الخصلة في بلدنا مشهورة ومنتشرة، فلا تكاد تجد فقيرا من الجيران، وإلا ويهب إليه جيرانه بقطع اللحم التي تغنيه أياما عديدة، وقلما يتزاور الأقرباء إلا وتراهم يتبادلون هدايا اللحم وغيرها، فلله المنة على ذلك.

5- التسامح واتساع الصدور:
من أعظم مقاصد العيد، إزالة الخلافات بين الناس، وإذابة ثلوج الشحناء والبغضاء التي قد تستحكم في بعض النفوس، فالناس يلتقون في المصلى، فيتصافحون، ويتعانقون، ويهنئ بعضهم بعضا بالعيد، ويدعو بعضهم لبعض بموفور الصحة وسلامة الإيمان، ودوام الاطمئنان.. وما أظن المؤمن الغيور على دينه،  العالم بحقيقة التسامح، يلتقي من بينه وبينه شحناء يوم العيد، ثم يتمادى في صلابته، فيغض عنه الطرف فلا يكلمه، ولا يصافحه، ولا يسامحه، والله تعالى عفو كريم.
سبحان من نهفو ويعفو دائما 
ولم يزل مهما هفا العبد عفا 
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه 
جلاله عن العطا لذي الخطا 

يقول تعالى: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109]. وكان عند أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أحد أقربائه اسمه مسطح بن أُثاثة، يطعمه أبو بكر من طعامه، ويلبسه من لباسه وينفق عليه. غير أن مسطحا هذا تورط في اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، فغضب أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، ثم حبس نفقته على مسطح، وقال:" والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة"، فأنزل الله تعالى قوله:"ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة..  إلى قوله" ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" ، فقال أبو بكر:"بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي". فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه. متفق عليه.

هذا عفو يأتي بعد اتهام خطير، يتعلق بالأعراض والقذف، ومع ذلك نزل القرآن الكريم بالعفو والصفح، فكيف ببعض الخلافات اليسيرة التي تجري بين الناس، فيتقاطعون من أجلها، ويتدابرون. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" متفق عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام:"لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه" مسلم.

وعن أبي الأحوص عن أبيه قال: قلتُ: يا رسول الله، الرجلُ أمُرُّ به فلا يَقريني، ولا يُضيِّفُني، فيمُرُّ بي، أفأجزيه؟ قال:"لا، أقْرِه" صحيح سنن الترمذي.

ومن بديع قصص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن، ما رواه أبو هريرة  -رضي الله عنه- أن رجلا شتم أبا بكر والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجب ويتبسم. فلما أكثر، رد عليه بعض قوله. فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددتُ عليه بعض قوله غضبت وقمت. قال:"إنه كان معك مَلَكٌ يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان". ثم قال:"يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظُلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل، إلا أعز الله بها نصره. وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة. وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة، إلا زاده الله عز وجل بها قلة". رواه أحمد. قال الأنؤوط: حسن لغيره.

ولذلك أوصي نفسي وإخواني المستمعين وأخواتي المستمعات، بأن يستغلوا مناسبة هذا العيد السعيد، فيبادروا إلى الصلح مع كل من يرون أن بينهم وبينه خصام، أو مشاحنة، وحينما أقول يبادروا فمعناه المسارعة والمسابقة إلى من يُحرز هذا الأجر العظيم، أجرَ البادئ بالعفو والتجاوز.

ولا ننسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من التمادي في الخصومة، لأن المتخاصمين سيقفان بين يدي الله تعالى يوم القيامة من أجل القصاص، وقد يسبق ذلك التحاكمُ في الدنيا قبل الآخرة. يقول -صلى الله عليه وسلم-:"تعافَوا فيما بينكم (أي: ليعف بعضكم عن بعض) قبل أن تأتوني، فما بلغني من حَدٍّ فقد وجب" صحيح سنن أبي داود.

6- تجنب المعاصي والمنكرات في العيد:
إن أجواء البهجة والفرح في العيد، يجب أن لا تدفعنا إلى التجاوز  في تقدير هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا، فنستعملها في غير محلها. فليس العيد مدعاة للتكبر والتجبر والمشي في الأرض مرحا. وليس لبس الجديد تفاخرا وتكاثرا، وكسرا لقلوب الضعفاء والمساكين. كما ليست عطلة العيد سبيلا لقضاء بياض اليوم في لعب الورق، أو التردد على محلات اللهو والفراغ وضياع الأوقات، مما ينجم عنه ارتكاب المعاصي والمنكرات التي حذرنا منها شرعنا في سائر الأيام.

فالمعصية - مهما صغر شأنها - لا بد أن تخلف أثرا سيئا في نفس صاحبها، وقد تجر - بالدوام عليها والإصرار على فعلها - إلى الوقوع في الكبائر. فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"إيّاكم ومحقَّراتِ الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم. وإن محقَّرات الذنوب متى يُؤخذْ بها صاحبها تَهْلِكْهُ" رواه أحمد، وهو في الصحيحة.

و يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:"إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا" البخاري.

والسر في ذلك أننا ننظر إلى المعصية في ذاتها، فنستصغر شأنها، ونتعلل بأننا في يوم عيد، فلا بأس من التوسع في الضحك، ولا بأس من التمادي في المزاح. يقول بلال بن سعد:"لا تنظر إلى صِغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت".

وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Spotlight/1206/27400/#ixzz2ADzJmfgS

مقاصد العيد 1

جاءت أحكام الشريعة تحقيقاً لمصالح العباد في الدنيا والآخرة , وقد وردت كثير من النصوص الدالة على أن الشريعة وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل , نذكر منها قوله تعالى: { لعلكم تهتدون } [البقرة:53] وقوله سبحانه : { لعلكم تتقون } [البقرة:21] وقوله: { ولكم فيها منافع } [غافر:80] وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تفيد هذا المعنى. 

ومن هذا القبيل، مشروعية العيد، فإن لمشروعيته حِكَماً ومقاصد، يمكن تلمُّسها وتدبرها من خلال النصوص الواردة، في هذا الشأن؛ ونحن نحاول تلمس شيء من ذلك - أخي الكريم - في المقال الذي بين يديك. 

فمن أهم المقاصد التي شُرع العيد لأجلها، الالتقاء بين المسلمين والاجتماع فيما بينهم. 

وأبرز ما يتجلى ذلك في صلاة العيد، وهم يذكرون الله واحد " الله أكبر الله أكبر" 

وما يستشعره كل فرد منهم من رابطة الأخوة التي تجمع بينهم، والإيمان الذي يوحد قلوبهم، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، وشعار واحد هو شعار التوحيد" لا إله إلا الله"، ولأجل هذا المعنى كان من السُّنَّة أداء صلاة العيد في المصلى، حيث يجتمع معظم أهل البلد في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، يؤدون صلاة العيد، ويتبادلون أطراف الحديث في أمر دينهم ودنياهم. 

ومن مقاصد العيد إدخال الفرحة على المسلمين بعد أدائهم عباداتهم، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد انقضاء أعظم أركان الحج وهو يوم عرفة، فالعيد مرتبط بالعبادة ولصيق بها، وفي ذلك إشارة عظيمة أن تعب المتعبدين يأتي بعده الفرح والسرور، وأن العيد إذا كان جائزة المتعبدين في الدنيا، فإن الجائزة الكبرى في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار. 

ومن مقاصد العيد أنها تفتح مجالاً لوصل ما انقطع بين الأرحام والأقارب والأصدقاء، فليس هناك وقت تصفو فيه النفوس، وتقبل على بعضها كأيام العيد، فهي أيام حري بكل ذي حقد على إخوانه أن ينبذه، وبكل من طبعت علاقته بأهله شائبة أن يزيلها، فتتآلف القلوب وتتعانق الأرواح في سماء المحبة والإخاء. 

ومن مقاصد العيد أن يحيى الفقراء المسلمون جميعاً في كفاف من قوتهم ولبسهم، فيفرحون بالعيد كما يفرح غيرهم، ويلبسون الثياب النظيفة كما يلبس غيرهم، ولا يتعرضون لذل السؤال، لذلك شرع الله صدقة الفطر لمواساتهم؛ كما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال أغنوهم في هذا اليوم )رواه الدار قطني ، وفي سنده ضعف. 

ومن مقاصد العيد المعتبرة، تغيير نمطا الحياة المعتادة، وكسر رتابتها الثابتة، وذلك أن من طبيعة النفس الإنسانية أنها تحب وتتطلع دوماً إلى تغيير ما اعتادته وألفته من عادات، فكان العيد مناسبة لتغيير نمط الحياة، بحيث يشعر المسلم في هذه المناسبة بصلة جديدة مع من حوله، ويحس واقعاً متجدداً من الحياة. 

ومن مقاصد العيد التوسعة على المسلم باللهو المباح، يرشدك لهذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لـ أبي بكر رضي الله عنه، وقد دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عيد ووجد عندها جاريتين تغنيان، فأنكر عليها ذلك، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما ، والحديث في "الصحيحين" و المراد من قوله عليه الصلاة والسلام : ( دعهما) مراده صلى الله عليه وسلم أن لكل قوم في عيدهم فرحاً ومسرة وشيئاً من اللهو، فهذاإعلام بالرخصة في غناء الجاريتين، لأجل كون اليوم يوم عيد. وقد اشترط أهل العلم أن يكون الغناء من جاري وهي ما دون سن البلوغ من النساء وكذا أن يكون الغناء كغناء يوم بعاث , غناء حماسي وعفيف دون أدوات موسيقية أو مزامير ، فتبين من ذلك أن من جملة المقاصد في تشريع العيد إجمام النفوس وارتياحها. 

وقريب مما تقدم، كان من مقاصد العيد مباسطة الأهل ومداعبتهم والتوسعة عليهم، خاصة بعد أن أختل ميزان العلاقات الاجتماعية، إذ باعدت تكاليف الحياة وشؤونها وشجونها بين الأب وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، وبين الإنسان وأرحامه؛ فيأتي العيد لِيُعيد شيئاً من ذاك التوازن المفقود، ويصحح الوجهة وفق الهدف المنشود. 

فهل يتنبه المسلمون لهذه المعاني الرفيعة في شرعية العيد، فيلتمسوها ويمتثلوها { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق:37]. 

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد