‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواقف تاريخية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواقف تاريخية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 31 يناير 2013

والله ليتمن هذا الأمر

والله ليتمن هذا الأمر
د راغب السرجانى
تربص المتربصون بالمؤمنين.. هالهم أن توجد دعوة أخلاقية إيمانية راقية في مجتمعهم المليء بالموبقات والكوارث الانحلالية.. فزعوا من كلمة لا إله إلا الله.. هربوا من الإسلام وحامليه.. وانطلقوا ينهشون في أجساد الصالحين، معلنين بكل وقاحة أن جريمة المؤمنين أنهم يقولون ربنا الله!!
شعر بعض المخلصين أن هذه قد تكون النهاية، وأن المشروع الإسلامي في طريقه للفشل، وأن اجتماع أهل الفسق والفجور سيقضي على أحلام الأتقياء.. شعر البعض بهذه المشاعر الحزينة، فذهبوا مسرعين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَحَلٍّ أخير، يطلبون فيه أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله بالنصرة، فهو مُستَجاب الدعوة، قريب من الله..
كان المتكلم عنهم هو خباب بن الأرت رضي الله عنه، وكان عذابه على أيدي الكفار رهيبًا، فقد كُوِي بالنار، حتى امتلأ ظهره بالحفر!!
ماذا كان رد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ردُّ فعله هو رسالتنا للراغبين في تطبيق شرع الله، والطامحين في أن ينالوا درجة العاملين المجاهدين الصابرين..
يحكي خَبَّاب بن الأَرَتِّ -رضي الله عنه- فيقول: شَكَوْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
رسائل واضحة
إن هذا الموقف الجليل ليعطينا رسائل واضحة تبين لنا طبيعة الطريق وصفته:
الرسالة الأولى: سيظل أهل الباطل متربصين بالمؤمنين حتى مع وضوح الرسالة وجمال الأخلاق، فليس هناك أعظم من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أروع من جيل الصحابة بأخلاقهم الدمثة وسلوكياتهم الراقية، ومع ذلك لم يمنع هذا التمايز الأخلاقي الواضح جنودَ الفساد من التعدي الصارخ وغير المبرَّر على المؤمنين، وإن كانوا يعلنون حججًا تافهة يتذرعون بها أمام المراقبين أنهم ما قاموا إلا نصرة للحق، وحفاظًا على الوطن، وهذا الدين -كما يدَّعون– يُفرِّق المكَّيَّين، ويصنفهم إلى مُلتزم بالعقيدة الإسلامية وغير ملتزم بها؛ ومن ثَمّ فحفاظًا على وحدة الوطن لا بُدَّ من سحق هذه الطائفة المؤمنة.
عندما نرى هذه الصورة الفجَّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا نستغرب ما يحدث الآن مع أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه إذن سُنَّة كونية.
الرسالة الثانية: في رواية من روايات هذا الحديث -وهي في البخاري- وصف خباب بن الأرت -رضي الله عنه- رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عندما بدأ في الرد أنه "قَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ"، وهذه علامة غضب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعلَّ البعض يتعجب من غضبه صلى الله عليه وسلم من طلب خباب، فهو لم يطلب إلا الدعاء والنصرة، ولكن الذي دفع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك هو إحساسه أن خبابًا -رضي الله عنه- قال هذه الكلمات وهو في حالة من حالات الإحباط، والإحباط ليس من شيم المؤمنين، ولا يجوز لهم أصلاً.. قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].
فهذه رسالة إلى جموع المؤمنين على مدار التاريخ: أن شعوركم بـ"اليأس" في مرحلة من مراحل الدعوة -ايًا كانت هذه المرحلة- هو شعور يُغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمّ فهو يغضب الله عز وجل، ولا ينبغي لمسلم أن يسمح للإحباط أن يتسلل إلى نفسه.
الرسالة الثالثة: ذَكَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبابًا بالتاريخ، فأشار إلى أقوامٍ عُذِبوا وأُوذوا أكثر من العذاب والأذى الذي تعرَّض له خباب، فبالقياس إلى ما سبق يعتبر أن ما تعرض له خباب والصحابة أهون بكثير مما مضى.
وفي هذه الرسالة ندعو القرَّاء إلى مراجعة التاريخ البعيد والقريب؛ ليدركوا حقيقة هذا المعنى.. أما التاريخ البعيد فأحداثه كثيرة، ولا يتسع المجال في هذه المقالة للتفصيل. ولكن التاريخ القريب كلنا عاصره! وقد كانت أزمتنا أشد وأنكى من موقفنا الآن ألف مرة.. لقد كانت أزمتنا في أيام النظام الفاسد لمبارك وجنده أقسى من كل ما نشاهده.. وتذكروا أن البلطجية كانوا يمنعوننا من مجرد التصويت في الصناديق، وتذكروا التزوير الفاضح، وتذكروا المحاكم الصوريَّة والعسكريَّة، وتذكروا أمن الدولة بسجونه وتعذيبه وامتهانه للكرامة وظلمه وتكبره.. وكانت أزمتنا أشد كذلك في أثناء الثمانية عشر يومًا في الأيام الأولى للثورة المصرية، وقبل تنحي مبارك، ونحن لا ندري ما سيفعل بنا لو لم تنجح ثورتنا..!
وكانت أزمتنا أشد أيضًا في الانفلاتات الأمنيَّة الرهيبة، والتي دفع كثير من المصريين أرواحهم فيها، وما أحداث إستاد بورسعيد منا ببعيد. وكانت أزمتنا أيضًا أشد في الهجمة الإعلامية الشرسة على الحركة الإسلامية ككل عندما قرروا النزول في انتخابات الرئاسة.. تذكروا الاستبيانات المزورة، وتذكروا الإشاعات الفاسقة، وتذكروا الوجوه الكئيبة التي كانت تسخر من الإسلام والمسلمين.. وتفاقمت الأزمة بصورة أكبر في جولة الإعادة بين الدكتور مرسي مرشح الثورة والفريق شفيق مرشح الفلول، حتى تخوَّف الكثيرون، وبلغت القلوب الحناجر..
رأينا كل ذلك وعاصرناه.. فماذا حدث؟!
لقد أرانا الله أنه على كل شيء قدير، وأنه بما يعملون محيط، وأخرجنا من كل هذه الأزمات أقوى ممّا كنا، وأفضل مما حلمنا، وأكثر نجاحًا مما توقعه أشد متفائلينا.. وثبت لنا بالدليل القاطع أن حساباتنا البشرية شيء، وتدبير رب العالمين المهيمن سبحانه شيء آخر.
التاريخ القريب -وكذلك البعيد عندما نحسن قراءته- يثبت أن الله يُخرِج المكروبين من كربهم، وينصر القليلين على ضعفهم، بطرقٍ لا يفهمها ولا يتوقعها أحد من الخلق، فنصر المؤمنين أحد آياته ومعجزاته، وأحد أدلة ألوهيته، فلا بد أن يتم ويكتمل.
الرسالة الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جَزَمَ بشكل قاطع أن الله سيتم هذا الأمر؛ الإسلام.. وليس هذا إتمام دعوة فقط، ولكن إتمام تمكين أيضًا؛ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، وأقسم على ذلك، وأكَّده بمؤكدات لغوية متعددة.
فوالله أيها المصريون.. يا من أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم، ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، ولينتشرنَّ الأمن في ربوع بلادنا، وليعلونَّ شأن الإسلام حتى يطبقه الناس في أدقِّ تفصيلات حياتهم، ولتُرفعَنَّ رايات التوحيد في أيدي هذا الشعب المصري المؤمن الأصيل، وليعرفنَّ العالم أجمع الإسلامَ من أفواه علمائنا وأقلامهم، ومن سلوكيات شعبنا وأخلاقه.
ووالله ثم والله، ليحدثَنَّ هذا وأكثر، مهما أرجف المرجفون، أو حقد الحاقدون، أو مكر الماكرون والمجرمون والمفسدون، فهو قدر هذه الأمة، ومستقبلها الذي وعدنا به القدير سبحانه.
الرسالة الخامسة: على عِظَم هذه الأمنية.. أمنية تمام الإسلام وتمكينه.. إلا أن الأمر النبوي المباشر هو ألاَّ نستعجل.. فلله حكمة في التأخير، وهو قادر -سبحانه- على نصرة المؤمنين، وكشف أوراق الفاسدين بكُنْ فيكون، ولكنه يؤجِّله لأجلٍ معلوم؛ فوجود العجلة من المسلمين قد يكون علامة ضعف يقين، أو قلة صبر، أو بوادر إحباط.. وهذا كله خطير ومرفوض؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي».
بل يجب أن يعمل المسلمون في جدٍّ واجتهاد، وفي حميَّة ونشاط، حتى وإن كانت الأحداث التي يشاهدونها غير مُشجِّعة، أو توحي في اعتبارات الكثيرين بغلبة أهل الباطل على أهل الحق.. والله سينزل النصر حتمًا في الوقت الذي يريد، وبالطريقة التي يريد.
إن هذا الموقف المتفائل ليس موقفًا فريدًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شبيه أو مثيل.. كلا، إنه موقف متكرر رأيناه كثيرًا.. رأيناه في كل سنوات مكة في تعدي أهلها عليه.. ورأيناه عند عودته من الطائف، ورأيناه عند هجرته إلى المدينة وترك الديار والأهل والأموال.. ورأيناه عند اضطراب دولته في أول عهدها، ورأيناه في مصيبة أحد، وكذلك عند حصار الأحزاب، وعند الاصطدام مع الرومان، وعند إرجاف المنافقين، وغير ذلك كثير.
إنها السُّنَّة الماضية.. مهما بلغ الألم فستكون له نهاية، ومهما اشتدَّ الظلم فسيأتي زمن العدل، ولا يأتي الفجر إلا بعد أحلك ساعات الليل.
إنها ليست أحلام فيلسوف، أو أمنيات مُصلِح، إنما موعود رب العالمين..
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].
ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين
 
المصدر موقع قصة الإسلام

الثلاثاء، 8 يناير 2013

لماذا سليمان القانوني ؟ ولماذا الحريم ؟


لماذا سليمان القانوني ؟ ولماذا الحريم ؟




مشهد من التاريخ يختصر القصة كلها

في سنة 1923م وهي سنة سقوط الخلافة العثمانية التي كانت آخر خلافة إسلامية، قررت أوربا النصرانية أن تقيم حفل انتصارها المبين على الإسلام والخلافة بطريقة جديدة وموجعة، حيث عقدت مسابقة لاختيار ملكة جمال أوربا في عاصمة الخلافة (أنقرة)، وكان من ضمن المتسابقات فتاة تركية وذلك لأوَّل مرة في تاريخ البلاد، وتقدمت الفتاة التركية واسمها "كريمان خالص" ممثلة لتركيا العلمانية، وقد استعرضت مفاتنها بلباس البحر على خشبة المسرح..!
وعندها قال رئيس لجنة التحكيم في المسابقة وقتها كلمات تقطر بالتشفي والشماتة، وتكشف عن كمّ الكراهية الدينية المتجذرة في نفوس الأوربيين تجاه دولة الخلافة العثمانية، إذ قال معلقًا:
"أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوربا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية، لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400م، إنّ (كريمان خالص) ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة، ها هي (كريمان خالص) حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا (بالمايوه)، ولا بد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا. ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني سليمان القانوني من فن الرقص الذي ظهر في فرنسا، عندما جاورت الدولة العثمانية حدود فرنسا، فتدخل لإيقافه؛ خشية أن يسري في بلاده. ها هي حفيدة السلطان المسلم تقف بيننا، ولا ترتدي غير (المايوه)، وتطلب منا أن نُعجب بها، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها، مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد، فلتُرفع الأقداح تكريمًا لانتصار أوربا".
التاريخ الإسلامي تعرض عبر مراحله لحملات عاتية من التشويه والتزييف لأهداف سياسية أو مذهبية، ولكن في كل مراحله كان التشويه والتحريف يتم بأيدي تنتسب للإسلام بصورة من الصور، إلا التاريخ العثماني فقد نال هذا التاريخ حظه الأوفر من التشويه على يد الأوربيين الذين يحملون قدرًا مهولاً من الحقد والعداء للدولة العثمانية التي أذاقت أوربا والأوربيين طعم الهزيمة والذل والانكسار لقرون؛ مما جعل الأوربيون يجتهدون أيما اجتهاد من أجل تشويه تاريخ الدولة العثمانية العلية، وسجلوا عن العثمانيين كل سلبية، وجالت بها أقلامهم، وحلقت بها أفكارهم، وتجاهلوا كل إيجابية، ونظروا إلى تاريخ العثمانيين بعين البغض التي تبدي المساوي.
التاريخ العثماني كتبه الأوربيون أو من افتتن بهم وسار على منهجهم؛ لذلك نادرًا ما نجد كتابًا تاريخيًّا يتناول الدولة العثمانية بإنصاف وحيادية، فصورة الدولة العثمانية في المراجع الأوربية والعربية -على حد السواء- صورة نمطية شديدة السلبية تتجاهل كل فضيلة وتبرز كل نقيصة، فهي في نظر الكثيرين دولة احتلال للعرب وإبادة ودموية وسلب ونهب، كرّست التخلف والجهل، ونهبت خيرات البلاد، وفي نظر الأوربيين دولة إرهاب وغزو وإغارة وطغيان، دولة تسترق الأطفال وتغتصب النساء وتحتل البلاد وتنهب الخيرات.
فالذاكرة الأوربية لم تنس يومًا، ما قام به العثمانيون في القارة الأوربية، لم ينس الأوربيون أبدًا فتح القسطنطينيةعاصمة العالم النصراني وقتها سنة 857هـ على يد محمد الفاتح وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، في أكبر إشارة على ظفر الإسلام على النصرانية، وكيف أن العثمانيين قد وسّعوا رقعة الأراضي الإسلامية لتشمل معظم يوغسلافيا والمجر وبولندا ونصف روسيا وبلغاريا ومقدونيا ورومانيا واليونان، وامتدت ولاياتها عبر ثلاث قارات.
الذاكرة الأوربية لم تنس كيف وقف العثمانيون في وجه الصليبيين على مختلف الجهات، فقد هاجموا شرق أوربا لتخفيف الضغط الواقع على مسلمي الأندلس، وواجهوا البرتغاليين في جنوب الخليج العربي، وواجهوا الأسبان في شمال إفريقيا وسواحل البحر المتوسط، وواجهوا الروس القياصرة في وسط آسيا، وواجهوا البرتغاليين في شرق إفريقيا، ولم يستطع الأوربيون احتلال المنطقة الإسلامية إلا قُبيل سقوط الدولة العثمانية، في حين أن البلاد التي لم تخضع للدولة العثمانية مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا وقعت مبكرًا بيد الاحتلال الأوربي، وعانت منه لما بعد الحرب العالمية الثانية.
ولم ينس الأوربيون أن العثمانيين قد قاموا بنشر الإسلام في العديد من أجزاء أوربا، وأن مسلمي أوربا عامة وشرقها خاصة يدين بالفضل للدولة العثمانية في دخول الإسلام، حتى أصبح للمسلمين جاليات كبرى في أوربا، كانت مجهولة لكثير من المسلمين حتى وقعت مجازر البوسنة والهرسك في أواسط التسعينيات.
الذاكرة الأوربية متخمة بالكثير من المشاهد المؤلمة والمهينة والتي كان العثمانيون سببًا مباشرًا فيها، فالأوربيون لم ينسوا معارك كوسوفو الأولى والثانية وموهاكس وحصار فيينا وبلجراد ونيكوبولس وفارنا والقسطنطينية وغيرها كثير. كما لم ينس الأوربيون كيف أن العثمانيين قد أخذوا الأطفال اليتامى من البلاد المفتوحة في أوربا، وربُّوهم تربية إسلامية خالصة، وشكلوا بهم نواة الجيش العثماني الشهير بـ"الإنكشارية"، والذي ظل مصدر قوة وفخر للعثمانيين لفترة طويلة.
الأوربيون -ومن سار على دربهم من العلمانيين والمفتونين في بلادنا- كانوا وما زالوا يحقدون على الدولة العثمانية ويكرهونها بشدة، ورغم كل ما جرى للدولة العثمانية والأتراك على يد الأوربيين إلا أنهم ما زالوا يعتبرون العثمانيين المسلمين الخصم التاريخي اللدود الذي لا تنمحي عداوته ولا تفنى كراهيته؛ لذلك فهم لا يدخرون وسعًا في قطع الطريق على أي فكرة أو مشروع للحديث عن أمجاد الدولة العثمانية وتذكير الناس بمآثرها.
من هذه الزاوية، ولكل هذه الأسباب كان المسلسل التركي الشهير (حريم السلطان)، الذي تولى سيرة أعظم سلطان عثماني ظهر في أوائل الحقبة المعاصرة وهو السلطان (سليمان القانوني)، الذي يعتبر عصره هو ذروة النفوذ والاتساع والقوة في الدولة العثمانية، فقد كانت الدولة في أقصى اتساعها الجغرافي ونفوذها السياسي وتقدمها العلمي واستقرارها الاجتماعي وثباتها المؤسسي وثرائها الاقتصادي وتفوقها العسكري وذكائها الدبلوماسي، حتى إن الأوربيين قد أطلقوا على سليمان لقب "الفخم"، وهو السلطان العثماني الوحيد الذي قهر الإمبراطور شارلكان عاهل الإمبراطورية الرومانية الشهيرة، وحاصر عاصمته فيينا وكاد أن يفتحها.
منتجو ومؤلفو ومخرجو هذا المسلسل -وبالمناسبة مؤلفة المسلسل قد توفيت بالسرطان منذ فترة وجيزة- أرادوا تقديم الدولة العثمانية على أسوأ مثال وبأسوأ صورة، بصورة الدولة التي ينغمس سلطانها ووزراؤه وقادة دولته في الخمر والنساء والحريم، وهي نفس الصورة المترسخة في العقلية الأوربية عن المسلم عامة والمسلم العثماني خاصة، صورة الرجل الذي لا يفكر إلا في شهوته وملذاته، صورة السلطان العثماني في العقلية والثقافة الأوربية ليس له هدف سوى الجلوس مع الحريم والتنقل بين أفخاذ الجواري والاستماع لنميمة هذه وتلك، على الرغم من أن السلطان سليمان القانوني ظل في جهاد مستمر على عدة جبهات لأكثر من ثلاثين سنة، ولم يعرف الراحة إلا في أواخر أيامه بعد أن تقدمت به السن.
بضاعة أوربا اليوم ترد إليها عبر هذه الأفلام والمسلسلات التي ينتجها العلمانيون والكارهون لتاريخ الأمة المجيد، مسلسلات وأفلام تشوِّه التاريخ وتطمس الأمجاد وتبرز السلبيات وتضخم الأخطاء وتجافي الحقائق، وترسِّخ في عقول الناشئة هذه الصورة السيئة والمعيبة عن التاريخ الإسلامي في أزهى عصوره، بصورة سينمائية باهرة تخلب الألباب وتجذب الأنظار.
أوربا اليوم تصفي حساباتها مع الإسلام والمسلمين، وتحاول الأخذ بثأرها، ليس من الدولة العثمانية كما يظن الكثيرون، ولكن من الإسلام نفسه وتاريخه العظيم

السبت، 5 يناير 2013

غزوة بني النضير



حديثنا اليوم عن غزوة بني النضير التي وقعت في شهر ربيع الأول.
بعد الهزيمة التي وقعت للمسلمين في غزوة أحد تجرأ اليهود على المسلمين، وبدءوا يكاشفونهم بالغدر والعداوة، ويتصلون بالمشركين والمنافقين ويعملون لصالحهم ضد المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم صابرًا متحملاً لأذاهم وجرأتهم، وخاصة بعد وقعة الرجيع ومأساة بئر معونة التي قُتل فيها سبعون رجلاً من أفاضل الصحابة في كمين غادر للمشركين وحلفائهم اليهود، وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المأساة التي قُتل فيها سبعون من أصحابه تألمًا شديدًا.
وفي يوم من الأيام خلا اليهود بعضهم إلى بعض وسوَّل لهم الشيطان أعمالهم، فتآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد بها فيلقيها على رأس محمد فيشدخ بها رأسه؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليُخبرَنَّ بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
ولكنهم أصروا وعزموا على تنفيذ هذه الخطة الخبيثة، فلما جلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار بيت من بيوتهم وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه، صعد المجرم على سطح المنزل لينفذ فعلته المشئومة، ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- أرسل جبريل الأمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُعلِمه بما همُّوا به، فأخبره جبريل، فنهض النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا وتوجَّه إلى المدينة، فلحقه أصحابه فقالوا: نهضت ولم نشعر بك. فأخبرهم بما همَّ به اليهود.
وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى يهود بني النضير يقول لهم: "اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدته بعد ذلك منكم ضربت عنقه". فلم يجد اليهود مناصًا من الخروج، فأقاموا أيامًا يتجهزون للرحيل والخروج من المدينة، غير أن رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول بعث إليهم أن اثبتوا وتمنَّعوا ولا تخرجوا من دياركم؛ فإنَّ معي ألفي رجل يدخلون معكم حصونكم، يدافعون عنكم ويموتون دونكم. فأنزل الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[الحشر: 11].
وهناك عادت لليهود ثقتهم، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رئيس المنافقين، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون له: "إنّا لن نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك".
كان هذا الموقف موقفًا محرجًا بالنسبة للمسلمين، فإنَّ المسلمين لا يريدون أن يشتبكوا مع خصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم؛ لأنَّ جبهة القتال مشتعلة مع المشركين، فلا يريدون أن يفتحوا جبهة أخرى مع اليهود؛ ولأنَّ اليهود كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال، والقتال معهم غير مأمون العواقب والنتائج.
ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه جواب حيي بن أخطب كبَّر وكبَّر المسلمون معه، ثم نهض صلى الله عليه وسلم لقتالهم ومناجزتهم، فاستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وسار إليهم يحمل اللواء علي بن أبي طالب، فلما وصل إليهم فرض صلى الله عليه وسلم عليهم الحصار، فالتجأ اليهود إلى حصونهم، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونًا لهم في ذلك، فأمر صلى الله عليه وسلم بقطعها وتحريقها، وفي ذلك أنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ[الحشر: 5].
فلما رأى المنافقون جدية الأمر، خانوا حلفاءهم اليهود، فلم يسوقوا لهم خيرًا ولم يدفعوا عنهم شرًّا {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[الحشر: 11]، {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ[الحشر: 12]. ولهذا مثَّلهم الله سبحانه وتعالى بالشيطان فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ[الحشر: 16، 17].
ولم يطل الحصار طويلاً، وإنما دام ست ليال فقط، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فانهزموا وتهيأوا للاستسلام وإلقاء السلاح، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "نحن نخرج عن المدينة"، فوافق صلى الله عليه وسلم على أن يخرجوا منها بنفوسهم وذراريهم، وأنّ لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، فوافقوا على ذلك. ولحقدهم وحسدهم قاموا بتخريب بيوتهم بأيديهم، ليحملوا معهم الأبواب والشبابيك والجذوع؛ حتى لا يأخذها المسلمون، ثم حملوا النساء والصبيان على ستمائة بعير، وأسلم منهم رجلان فقط، وذهبت طائفة منهم إلى الشام.
فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحهم، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد معهم من السلاح خمسين درعًا وثلاثمائة وأربعين سيفًا، فكانت أموالهم وديارهم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء، ولم يُخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي لم يقسِّمها بالخمس كالغنائم)؛ لأنَّ المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنما أفاءها الله عليهم وساقها لهم بدون قتال، فقسَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين الأوَّلين.
كانت غزوة بني النضير في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة، وأنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، يقول الله سبحانه وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ * وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ...} [الحشر: 1-6].
دروس وعبر من غزوة بني النضير
بعد أن ذكر الله -سبحانه وتعالى- في سورة الحشر الأحداث التي حدثت في غزوة بني النضير، قال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ[الحشر: 2].
فهو أمر منه سبحانه وتعالى بأخذ الدروس والعبر من غزوة بني النضير، ومن أعظم العبر فيها إثبات قدرة الله سبحانه وتعالى على تغيير الأحوال وتبديل الحال وتصريف الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى، فلا يقف أمام قوته وقدرته شيء، فهؤلاء اليهود كان الناس جميعًا حتى المسلمون يظنون أن قوتهم وحصونهم التي يتحصنون بداخلها لن يستطيع أحد أن يخترقها أو يخرجهم منها {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}؛ أي أنتم أيها المسلمون مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، {وَظَنُّوا} أي اليهود أن حصونهم مانعتهم من الله، ولكن الله جل جلاله أتاهم من حيث لم يحسبوا، فسلَّط عليهم جنديًّا من جنوده وهو الرعب، فانهارت معنوياتهم وضعفت نفسياتهم، فاستسلموا وخربوا بيوتهم بأيديهم.
فعلى الناس أن يعلموا أن الله الذي أجلى هؤلاء وأزالهم بعد أن ظنَّ الناس أن حصونهم مانعتهم - قادرٌ على أن يزيل غيرهم من الكافرين والمتكبرين والظالمين بشرط أن يصلح الناس أحوالهم، ويُقبلوا على منهج ربهم، وينصروا دينه، فإذا حققوا ذلك فإنَّ الله سينصرهم وسيهلك عدوهم {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40].
وفي السورة إشارة إلى أن النصر قريب إذا سلك الناس طريقه، أمَّا إذا تنكَّب الناس الطريق، وأخذوا يبحثون عن النصر والعز والتمكين في المناهج الأرضية كالديمقراطية والعلمانية والليبرالية والاشتراكية أو غيرها من المناهج الطاغوتية، فإنَّ النصر سيكون بعيدًا بل محالاً.
كما أن في سورة الحشر إشارة واضحة إلى أن الهلاك متحقق في الوقوف في وجه الحق وتعذيب أهل الحق أو مطاردتهم أو سجنهم، فهؤلاء اليهود لما عزموا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء الرحى عليه من سطح البيت، مكر الله بهم فأذلهم وأخزاهم وخرَّب بيوتهم ورحلهم من ديارهم بدون أن يتكلف المسلمون أية تكاليف في ذلك، وإنما دخلوا أرضهم بدون خيل ولا ركاب؛ أي بدون حرب ولا مشقة.
كما أن في الآية إشارة للمسلمين بتجنُّب الغدر والابتعاد عن الخيانة ونقض العهد؛ حتى لا يقع لهم ما وقع لليهود، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
كما أن من الدروس العظيمة في غزوة بني النضير بيان حال المنافقين وكشف العلاقة الوطيدة بينهم وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حتى إن الله سبحانه وتعالى سماهم (إخوانهم) الذين كفروا من أهل الكتاب فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[الحشر: 11].
فعلاقة المنافقين باليهود علاقة حميمة، وصلتهم بهم صلة قوية، يعقدون معهم المؤامرات ويتآمرون معهم ضد المسلمين ويوعدونهم بالدفاع عنهم ونصرتهم وحمايتهم من المسلمين {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ[الحشر: 11].
هذا هو حال حكامنا اليوم.. مع اليهود أوفياء وأصدقاء، ومع شعوبهم المسلمة خصوم ألداء!
ومن الدروس والعبر في غزوة بني النضير الإعلام بأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فمن غدر ومكر ولفَّ ودار فإنَّ لفه ومكره سينقلب عليه في النهاية، فهؤلاء اليهود أرادوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم والقضاء عليه، فقضوا على أنفسهم وأهلكوا أنفسهم.
كما أن في غزوة بني النضير دليل على جواز تخريب ممتلكات الكفار إذا كانت هناك ضرورة حربية، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قطع نخيلهم وأحرق بساتينهم.
المصدر: شبكة الألوكة.

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

العالم الفيزيائى المسلم "أبو الريحان البيروني"




جوجل تحتفل بذكرى العالم الفيزيائى المسلم "أبو الريحان البيروني" فى الوقت الذى لا يعرف المسلمون من البيروني هذا ؟


عرَّفه جورج سارتون في كتابه (مقدمة لدراسة تاريخ العلم) بقوله عنه: "كان رحّالة وفيلسوفًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، وجغرافيًّا، وعال...مًا موسوعيًّا، ومن أكبر عظماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم". ووصفه المستشرق الألماني سخاو بقوله: "أعظم عقلية عرفها التاريخ"[1].

إنه أبو الريحان أحمد بن محمد البيروني الخوارزمي، الذي وُلِدَ في بلدة بيرون، إحدى ضواحي مدينة (كاث) عاصمة الدولة الخوارزمية سنة 362هـ/ 963م، والذي اطَّلع على فلسفة اليونانيين والهنود، وعَلَتْ شهرته، وارتفعت منزلته عند ملوك عصره[2].

مؤلفات البيروني
...................

كان لمؤلَّفاته اليد الطُّولى في صناعة أمجاد عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم الغربي؛ فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وسبق في ذلك جاليليو وكوبرنيكوس، إضافةً إلى اكتشافاتٍ أخرى عديدة.

وقد رحل البيروني إلى الهند وأقام فيها بضع سنين، نتج عنها كتابه (الطائر الصيت)، المعروف بكتاب الهند، والمعروف بـ (كتاب البيروني في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) أودع فيه نتيجة دراساته من تاريخ وأخلاق وعادات وعقائد وآداب وعلوم الهند، ومن جملتها ما كان عندهم من المعرفة بصورة الأرض.

ويصف المستشرق (روزن) منذ أكثر من سبعين عامًا هذا الكتاب بأنه "أثر فريد في بابه، لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط، سواء في الغرب أم في الشرق"[3].

وغير كتابه السابق كان للبيروني أيضًا كتب أخرى كثيرة ومهمة في ضروب مختلفة من العلم؛ ففي الجغرافيا ألَّف: تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض، وتحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، أمَّا في التاريخ؛ فله: تصحيح التواريخ، والآثار الباقية عن القرون الخالية، وفي الفلك كان له مؤلفات عديدة، مثل: الاستشهاد باختلاف الأرصاد، واختصار كتاب البطليموس القلوذي، والزيج المسعودي، والاستيعاب لوجوه الممكنة في صنعة الإسطرلاب، وتعبير الميزان لتقدير الأزمان، وقانون المسعودي في الهيئة، وفي الرياضيات أُثِرَ عن البيروني مؤلَّفات عِدَّة؛ كاستخراج الكعاب والأضلاع وما وراءه من مراتب الحساب، وكتاب الأرقام ورغم اهتمامه بالعلم فإنه كان ذا باعٍ طويل في الأدب؛ لذا كتب شرح ديوان أبي تمام، ومختار الأشعار والآثار، وفوق كل ذلك كان له مؤلَّفات عديدة في الفلسفة، مثل: كتاب المقالات والآراء والديانات، ومفتاح علم الهند، وجوامع الموجود في خواطر الهنود، وغير ذلك العشارت من المؤلَّفات الضخمة[4].

وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألَّف في كل فروع المعرفة التي عهدها عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة.

إنجازات البيروني
....................
أما في مجال الطبيعيات فقد اهتم بالخواص الفيزيائية لكثير من المواد، وتناولت أبحاثه علم ميكانيكا الموائع والهيدروستاتيكا، ولجأ في بحوثه إلى التجربة وجعلها محورًا لاستنتاجاته[5]، كما انضم مع ابن سينا إلى الذين شاركوا ابن الهيثم في رأيه القائل بأن الضوء يأتي من الجسم المرئي إلى العين[6].

ومن أبرز ما قام به البيروني أنه توصل إلى تحديد الثقل النوعي لـ 18 عنصرًا مركبًا بعضها من الأحجار الكريمة مستخدمًا الجهاز المخروطي، وقد استخرج قيم الثقل النوعي لهذه العناصر منسوبة إلى الذهب مرة وإلى الماء مرة أخرى، وله جداول حدَّد فيها قيم الثقل النوعي لبعض الأحجار الكريمة منسوبة إلى الياقوت على أساس الوزن النوعي للياقوت = 100 ثم إلى الماء[7].

وفي ظاهرة الجاذبية كان البيروني، مع ابن الحائك، من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثَّها في كتب مختلفة، ولكنَّ أشهر آرائه في ذلك ضمَّنها كتابه القانون المسعودي[8].

ومن المسائل الفيزيائية التي تناولها البيروني في كتاباته ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل وتوازنها، وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر وسريان الضوء، فقد لاحظ أن المعادن تتمدَّد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت للبرودة[9].

وأولى ملاحظاته في هذا الشأن كانت في تأثير تباين درجة الحرارة في دقة أجهزة الرصد، حيث تطرأ عليها تغيرات في الطول والقصر في قيظ النهار وصقيع آخر الليل، وتعرض في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية لميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل واتزانها وتوازنها، وأوضح صعود مياه النافورات والعيون إلى أعلى مستندًا إلى خاصية سلوك السوائل في الأواني المستطرقة. كما شرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها، وتكون سطوح ما يجتمع منها موازية لتلك المياه، وبيَّن كيف تفور العيون وكيف يمكن أن تصعد مياهها إلى القلاع ورؤوس المنارات. وتحدث عن ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار وعزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر[10].

أما فيما يختص بسريان الضوء فقد فطن إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت[11]، واتفق مع ابن الهيثم وابن سينا في قولهما بأن الرؤية تحدث بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى العين وليس العكس[12]، كما يقرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه، وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام، ودقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا التواء[13].

كما وضع البيروني قاعدة حسابية لتسطيح الكرة، أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس؛ وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية[14].

ويعتبر البيروني بعدُ أحدَ ألمع الوجوه التي يمكن أن تعتز بها الثقافة العربية من خلال تاريخ الفكر الإسلامي وأكثرها جاذبية. فعلى الرغم من أن اسم البيروني يحتل مكانته من الأدب العربي في ميدان الجغرافيا والرحلات، إلا أنه يتبين لنا من خلال المصنفات السابقة أنه لم يكن جغرافيًّا فحسب، بل كان رياضيًَّا وفلكيًّا، وفيلسوفًا، وشاعرًا وأديبًا، وعالم اجتماعٍ ومؤرخًا!!

نعم كان كلَّ أولئك، وبرز في كل فروع المعرفة الإنسانية هذه، وبعبارة أخرى: كان مؤلفًا انتظم نشاطه كل دائرة العلوم المعاصرة له، والتي تحتل بينها العلوم الرياضية والفيزيائية مكانة الصدارة عنده[15].

وفاة البيروني
....................
وفي رجب سنة 440هـ/ 1048م توفي البيروني، وكانت وفاته ختام حياة حافلة لرجل حكيم وعظيم، وفي وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى فيقول: دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، فقال لي: كيف قلتَ لي يومًا في حساب الجدّات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا هذا، أودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، أَلاَ يكون خيرًا من أن أخلِّيها وأنا جاهل بها؟ فأعدتُ ذلك عليه وحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجت من عنده، وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه[16]!!
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
المراجع:

[1] راجع: كتاب نوابغ المسلمين 2/53، 64، 65.

[2] انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزِّركلي: الأعلام 5/314، عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص340، موسوعة العرب: أبو الريحان البيروني ص26.

[3] انظر: عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص341.

[4] انظر الباباني: هدية العارفين 1/480، الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070، الزركلي: الأعلام 5/314.

[5] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص115،114.

[6] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163.

[7] انظر: مصطفى وهبة: نوابغ المسلمين 2/63 بتصرف.

[8] المصدر السابق، الصفحة نفسها.

[9] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[10] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص176 بتصرف.

[11] حسن نافعة، كليفوردبوزورث: تراث الإسلام 2/193.

[12] قدري طوفان: العلماء العرب وما أعطوه للحضارة ص163.

[13] انظر موقع الموسوعة العربية العالمية.

[14] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص459، جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص397.

[15] عبد الرحمن حميدة: السابق نفسه ص341، 342.

[16] الصفدي: الوافي بالوفيات 1/1070.

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
حتى تاريخك يهتمون به أكثر منك .. لأنهم اطلعوا على ما قدمه أجدادك من علوم فحفظوا لهم حقهم فى وقت كل اهتمامك فيه الغناء والرقص

لو أن أمة من الأمم تملك معشار ما لدينا من العلماء والقادة على مدار التاريخ لرأيت الكتب والأعمال السينمائية التى تحيى ذكراهم ..

تأمل اهتمام اليابنيين بمعابدهم وحضارتهم فى أفلامهم .. قصص الساموراى .. معابد النار .. بوذا ... كهنة التبت

تأمل كيف طوع الأمريكيون السينما لتخدم أهدافهم وتنشر ثقافتهم وتبشر بمبادئهم

الخميس، 30 يونيو 2011

ذات الصواري البحرية

  • لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام ألح على عمر الفاروق في غزو البحر ، وكتب له معاوية : ( إن قرية من قرى حمص ليسمعُ بنباح كلابهم ، وصياح دجاجاتهم ) . فاحتار عمر وكتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر : ( صف لي البحر وراكبه ؛ فإن نفسي تنازعني عليه ) . فكتب عمرو : ( إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير ، ليس إلا السماء والماء ، إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين – بالنجاة – قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، وإن نجا برق ) . 


  • قرأ عمر الكتاب ثم كتب إلى معاوية : ( والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ، وبالله لمسلمٌ واحدُ أحب إلي مما حوت الروم ) . 
  • ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، وذلك بعد أن بدأ معاوية باستكمال الاستعدادت ، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه : ( لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ) . 
  • فبنى معاوية أسطولاً إسلامياً ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي فاستطاع فتح قبرص . 
  • وولى عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر فبدأ بغزو جنوب ليبيا ، ثم غزا بلاد النوبة ، بالإضافة إلى أن معاوية سيطر على الشواطىء في بلاد الشام وآسيا الصغرى ،


  •  فلما رأى الروم خسائرهم المتوالية في البر جمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً رومياً به ألف سفينة لضرب المسلمين ، فأرسل معاوية - بعد إذن عثمان - مراكب الشام بقيادة بُسر بن أرطاة ، واجتمع مع بن أبي سرح في مراكب مصر ، ومجموعها مائتا سفينة فقط ، وكانت المعركة التي يترجح أنها وقعت على شواطىء الاسكندرية ، سنة 32 للهجرة .


  • والتقى الجيشان في عرض البحر ، وطلب المسلمون من الروم : إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل ، حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ، فأبى الروم إلا الماء ، وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون ويذكرون ، وبات الروم يضربون النواقيس . 

  • بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر، وموقف المسلمين حرج، فقال القائد المسلم لصحبه: أشيروا عليَّ؟ فقالوا: انتظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ونختبر عدونا، فبات المسلمون يصلون ويدعون الله -عز وجل- ويذكرونه ويتهجدون، فكان لهم دوي كدوي النحل على نغمات تلاطم الأمواج بالمراكب، أما الروم فباتوا يضربون النواقيس في سفنهم، وأصبح القوم، وأراد قسطنطين أن يسرع في القتال،

  •  ولكن عبد الله بن سعد بن أبي السرح لما فرغ من صلاته إماما بالمسلمين للصبح، استشار رجال الرأي والمشورة عنده، فاتفق معهم على خطة رائعة:

  •  فقد اتفقوا على أن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر، فكيف تم للمسلمين ذلك؟ أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن العدو، فنزل الفدائيون أو رجال الضفادع البشرية في عرفنا الحالي إلى الماء، وربطوا السفن الإسلامية بسفن الروم، ربطوها بحبال متينة، فصار 1200 سفينة في عرض البحر، كل عشرة أو عشرين منها متصلة مع بعضها، فكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة، وصفَّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن الكريم، خصوصا سورة الأنفال؛ لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر.

  • وبدأ الروم القتال، فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا: بل الماء الماء، وانقضوا على سفن المسلمين بدافع الأمل بالنصر، مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة الأسطول الإسلامي، فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم، وصار القتال كيفما اتفق, وكان قاسيا على الطرفين، وسالت الدماء غزيرة اصطبغت بها صفحة الماء، فصار أحمر، وترامت الجثث في الماء، وتساقطت فيه, وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل، وقتل من المسلمين الكثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، حتى وصف المؤرخ البيزنطي (ثيوفانس) هذه المعركة بأنها كانت يرموكا ثانيا على الروم.

  •  ووصفها الطبري بقوله: إن الدم كان غالبا في الماء في هذه المعركة، حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد المسلم عبد الله بن أبي السرح، كي يبقى جند المسلمين دون قائد، فتقدمت من سفينته سفينة رومية، ألقت إلى عبد الله السلاسل لتسحبها وتنفرد بها، ولكن علقمة بن يزيد الغطيفي أنقذ السفينة والقائد بأن ألقى بنفسه على السلاسل وقطعها بسيفه.

  • وصمد المسلمون رغم كل شيء، وصبروا كعادتهم في معاركهم، فكتب الله -عز وجل- لهم النصر بما صبروا، واندحر ما تبقى من الأسطول الرومي، وكاد الأمير قسطنطين أن يقع أسيرا في أيدي المسلمين -كما ذكر ابن عبد الحكم- لكنه تمكن من الفرار لما رأى قواه تنهار وجثث جنده على سطح الماء تلقى بها الأمواج إلى الساحل. لقد رأى أسطوله الذي تأمل فيه خيرا ونصرا وإعادة كرامة يغرق قطعة بعد قطعة، ففر مدبرا والجراحات في جسمه، والحسرة تأكل فؤاده، يجر خيبة وفشلا، فوصل جزيرة صقلية، وألقت به الريح هناك، فسأله أهله عن أمره فأخبرهم، فقالوا: شمت النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم فقتلوه، وخلوا من كان معه من المراكب.



  • ولما صلى المسلمون الفجر أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامسوها ، ونزل الفدائيون إلى الماء وربطوا السفن العربية بسفن الروم بحبال متينة ، وبدأ الروم القتال ، وصار قاسياً ، وسالت الدماء حتى احمرت صفحة المياه ، وترامت الجثث في الماء ، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وقتل من المسلمين الكثير ، وقتل من الروم ما لا يحصى ، وصمد المسلمون ، فكتب الله لهم النصر بما صبروا ، واندحر الروم ، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين ، لكنه فر مدبراً والجراحات في جسمه حتى وصل جزيرة صقلية ، فسأله أهلها عن أمره ، فأخبرهم فقتلوه حنقاً عليه.

  • والصواري جمع صار ، وهي الخشبة المعترضة وسط السفينة ، وسميت المعركة كذلك لكثرة صواري المراكب واجتماعتها ، أو لكثرة ساريات السفن التي التحمت في القتال في ذلك اليوم (1200 سفينة عربية ورومية ) .




الثلاثاء، 28 يونيو 2011

موسي بن ابي غسان


موسي بن ابي غسان


بطل حتي النهاية

**************************


سليل إحدى الأسر العربية العريقة التي تتصل ببيت الملك وقد


بدأ اسمه يلمع في ساحة القتال في عهد أبي عبد الله الصغير آخر


ملوك غرناطة، فكان قائداً لفرسان غرناطة وصاحب صولات


وجولات مظفرة على حصون العدو وحامياته ورغم الاستكانة


التي أبداها أبو عبد الله الصغير تجاه فرناندو الخامس وإيزابيلا


ملكي إسبانيا إلا أن ذلك لم يضعف عزيمة فارس غرناطة وحين


بعث فرناندو الخامس يطلب من حاكم غرناطة تسليم الحمراء كان


موسى من أشد المعارضين لتسليمها.


تجاهلته المصادر التاريخية العربية وكان حضوره في


الرواية النصرانية طاغياً كنموذج للفارس المسلم البارع النبيل


الذي يمثل البقية الباقية من روح الفروسية المسلمة في الأندلس.

وقد اهتم به المؤرخون الإسبان وتتبعوا أخباره واحتل في

كتاباتهم مكانة متميزة ومساحة واسعة.


بداية سقوط غرناطة


في عام 896ه- 1491م أطبق النصارى الحصار على غرناطة


بحراً وبراً ورابطت السفن الإسبانية في مضيق جبل طارق وعلى


مقربة من الثغور الجنوبية ولم يكن ثمة أمل في العون من


أفريقيا التي سقطت معظم ثغورها الشمالية في أيدي البرتغاليين




فضلاً عن ضعف إمارات المغرب وتفككها، وقد اشتد البلاء


والجوع بالمحاصرين داخل غرناطة ودب اليأس إلى قلوب الجند


والعامة.. وقرر أبو عبد الله الصغير أن الاستمرار في الدفاع عبث

لا جدوى منه.

إلا أن فارس غرناطة اعترض بشدة وراح يجمع الفرسان لملاقاة


الجيوش النصرانية وخرجت غرناطة كلها وراءه ونشبت بين


المسلمين والنصارى معارك دموية أبلى المسلمون فيها البلاء


الحسن، ولكن ضعف المشاة المسلمين وقلة العتاد ونقص المؤن


أدى إلى انهيار صفوفهم وتقهقرهم إلى داخل غرناطة. وألفى


موسى نفسه وحيداً في ميدان المعركة وليس من حوله إلا قلة

مخلصة، فاضطر إلى أن يرتد إلى المدينة وهو في قمة الغضب

والحنق.




أوصد المسلمون أبواب غرناطة واحتموا بأسوارها في يأس وقلق


وهم يرون شبح النهاية ماثلاً أمام عيونهم وكان قد مضى على


الحصار حوالى سبعة أشهر وهم يغالبون الأهوال وقد جاءت آخر


معاركهم لتبدد الأمل في الخلاص والنصر واشتد الجوع والمرض والحرمان.


اتفق الجميع في غرناطة على التسليم إلا صوتاً واحداً ارتفع


بالاعتراض على القرار وحاول أن يبعث بكلماته الملتهبة


الحماسة في النفوس وكان صاحبه هو موسى بن أبي الغسان


الذي رددت أرجاء غرناطة كلماته الملتهبة: "لنقاتل العدو حتى


آخر نسمة وإنه خير لي أن أحصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن


غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها".


أرسل إلى فرديناند قائلاً له 'إذا أردت أسلحة المسلمين فلتأت


لأخذها بنفسك ولكن الأحداث كانت أكبر من كل الكلمات


والحصار كان سيد الموقف وهكذا ضاعت صيحة ابن أبى الغسان

في الفضاء.



أرسل فرناندو الثالث وإيزابيلا رسالة إلي الملك عبد



الله الصغير يطلبان فيها أن يسلم غرناطة لهما على أن



يضمنوا له ولقومه ولجيشه الأمان وفي مقابل أكثر من


سبعين شرطا يضمن له فيها البقاء.



كان من بين هذه الضمانات وتلك الشروط أن تُترك



المساجد ولا تُدخل الديار ويُطلق الأسرى، وتُؤمّن



الأعراض والأموال ويوضع عبد الله بن الصغير كأحد


الوزراء المعاونين لملك أسبانيا.




كان قد فهم مغزى الرسالة السابقة موسى بن أبي




غسّان الرجل الذي قاد الانتفاضة في بلاد غرناطة





وعلم أنها محاولة لوقف الانتفاضة، ووقف الدفاع عن




البلاد، ووقف الحميّة للجهاد ووقف حميّة الناس


للموت في سبيل الله، لكن محمد الصغير لم يفهم هذا



المغزى، فوافق على هذه الشروط وذلك بعد أن وجد


فيها حلا مناسبا للخروج من المأزق الذي هو فيه إذ

كان يرفض الجهاد ويرفض الحرب ويريد أن يبقى

حيا حتى وإن ظل ذليلا

من هنا وافق الصغير على هذه المعاهدة، إلا أنه وخوفا


من الخيانة المعهودة وحرصا على حياة أبدية


وسرمدية، ونجاة بنفسه من نهاية لا يحمد عقباها


اشترط لنفسه شرطين هماأولا أن يقوم فرناندو وإيزابيلا بالقسم على هذه

العهود، فاستُجيب له وأقسما الملكان له



ثانيا أن تحكم في هذه المعاهدة هيئة معينة، تضمن


تطبيقها بالصورة السليمة، وبعد أن نظر في دول


العالم لم يجد من يحترم ملك أسبانيا رأيه إلا البابا في


إيطاليا، فألزم أن يوقّع البابا على هذه المعاهدة ولا


ضير، فوقّع البابا عليها



وبعدها اتجه الصغير ليسلم مفاتيح مدينة غرناطة




عبد الله الصغير اخر ملوك الاندلس



ويوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه



الأمان كما ذكروا وذلك بعد أن وقّع له بابا روما



وأقسم على هذه العهود فرناندو وإيزابيلا.





دخول إيزابيلا وفرديناند إلى غرناطة عشية سقوطها



وعندما رأى موسى بن أبي الغسان أن محاولاته ذهبت




أدراج الرياح نهض مغضبًا ثم قال لهم مقولته الشهيرة.



(لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون



بعهدهم ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم إن الموت أقل ما



نخشى فأمامنا نهب مدننا وتدميرها تدنيس مساجدنا



وتخريب بيوتنا وهتك نسائنا وبناتنا وأمامنا الجور



الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والأغلال وأمامنا



السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعاني من



مصائب وعسف وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك



النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف أما


أنا فوالله لن أراه) .


استشهاد البطل


خرج موسى غاضبًا من مجلس المهانة والضعف والخور دون أن


يرمق أحدًا أو يفوه بكلمة ثم ذهب إلى داره وغطى نفسه بسلاحه


واقتعد جواده واخترق شوارع غرناطة حتى خرج منها إلى


معسكر الجيش الصليبي فلقيته سرية منهم مكونة من خمسة


عشر فارسًا على ضفة نهر شنيل فانقض موسى عليهم كالأسد


وأخذ يمضي فيهم طعنًا وضربًا وأثخنته الجراح ولكنه استمر في


القتال كأنه ما يشعر بالألم جراحاته،كثيرة وكانت ضرباته ثائرة


قاتلة، وهكذا لبث يبطش بالفرسان الصليبيين حتى أفنى معظمهم


غير أنه أصيب في النهاية بجرح خطير ثم قتل جواده فسقط على


الأرض، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يناضل عن


نفسه حتى الرمق الأخير، ولم يرد أن يقع أسيرًا في يد خصمه بل


رضي بالشهادة والقتال حتى مات رحمه الله .




تحققت كلمات البطل الشهيد وغدر الاعداء بعهودهم


التي لم تكن في الواقع حسبما أيدت الحوادث فيما بعد سوى


ستار للغدر والخيانة؛ فقد تم نقض كل هذه الشروط، وأُجبر


المسلمون بعد سقوط غرناطة على الهجرة خارج البلاد 
والتنصر.



تعميد نساء المسلمين جبراً بعد سقوط غرناطة


امتطى ابو عبدالله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر


الحمراء الشهير في يوم بارد من ايام يناير 1492م. علت وجه



أبي عبدالله سحابة كثيرة من الحزن وخيم على الركب الصغير


صمت طويل ينبئ عما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد.

سار ابو عبدالله تتبعه امه وبعض من اهله وصحبه في ذلك

الطريق الملتوي الطويل الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها

متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الابد.



قصر الحمراء

كانت الشمس قد آذنت بالغروب واخذت تعكس باشعتها الذهبية

على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة

فتضفي عليه سحراً وجاذبية.

توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي

غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع اخيرة على

مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير.. تسارعت في ذهن

أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في

صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الفناء الواسعة كان ابو

عبدالله يعرف ان تلك الوقفة سوف تكون الاخيرة وان تلك النظرة

ستكون النهائية اذ ليس يأمل ابداً بأن يرى مدينته المحبوبة

ثانية، تمنى ابو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع ان

يملأ عينيه بتلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات

الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على

عينيه وإذا بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً ان يخفيه عن

نظرات امه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب.

إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً***لم تحافظ عليه مثل الرجال



إحراق الكتب العربية العلمية من هواة الدومينيكان النصارى في الأندلس



وحين وصل الي المغرب اعتقله ملكها بتهمة الخيانة لبلاد

المسلمين ثم وضعه في سجنه .

وتروي بعض الروايات ان اولاده شوهدوا بعد ذالك بسنين

يشحذون في طرقات المغرب .

فلعنة الله على هذا الذُلّ ولعنة الله على هذا التَرْك للجهاد اللذَيْن

يوصلان إلى هذا المثوى وتلك المنزلة

وما كان من أمر، فقد اندثرت حضارة ما عرفت أوروبا مثلها

من قبل إنها حضارة الدنيا والدين، وقد انطوت صفحة

عريضة خسر العالم أجمع بسببها الكثير والكثير وقد ارتفع علم

النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب وأفل وإلى الآن نجم

دولة الإسلام في بلاد الأندلس

وليت شعري أين موسى بن نصير؟ أين طارق بن زياد؟ أين

يوسف بن تاشفين؟ أين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن

الناصر؟ أين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ أين يعقوب

المنصورالمُوَحدي؟ أين يعقوب المنصور الماريني؟ أين كل

هؤلاء؟ غابوا وانقطعت آثارهم وإمداداتهم ولا حول ولا قوة إلاّ بالله


لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ ***** إن كان في القلب إسلامٌ وايمان

*******************************

مصادر

الاندلس من الفتح الي السقوط - راغب السرجاني

محاضرات الدكتور راغب السرجاني سلسلة الاندلس

ويكبيديا الموسوعة الحرة

جريدة الشرق الاوسط
دولة الا سلام في الاندلس - عبد الله عنان

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد