الخميس، 18 أكتوبر 2012

منافِع الحج


 منافِع الحج
( مقتطفات  من محاضرة للدكتور راغب السرجاني بعنوان :
 " الحج ليس للحجاج فقط "(بتصرُّف يسير) )
يقول الله تعالى : " وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدوا مَنافعَ لهم " إذن فالحج به منافع  وهي كلمة عامة لا ينبغي أن نُقْصِرها على التجارة ، سواء للحاج أو أهل بلاد الحرمين ، فلا يمكن أن تكون النافع كلها تجارة ، ولعلك تلاحظ أن المنفعة الحقيقية من التجارة في موسم الحج في هذه الأيام تعود لأهل الصين ، وهونج كونج، وغيرها من البلاد التي تنتج معظم المنتجات التي تباع هناك!!!
إذن المنافع أو الأهداف الحقيقية للحج هي :
1-أنه يذكِّر كل الأمة الإسلامية- وليس الحجاج فقط- بيوم القيامة ، فالشبه كبير جداً بين الحج ويوم الحَشر!!
 لأن الحاج يمر بأكثر من موقف يذكِّره بذلك اليوم من أول يوم ينوي فيه الحج :
ب-فهو يدفع آلاف الجنيهات بنَفس راضية من أجل لقاء الله تعالى في بيته ، ومن أجل إقامة هذا الركن من الدين، فيتحرَّى الحلال ، وينفقه في سبيل الله ، قائلاً : " لبيك اللهم لبيك" ، أي أنا قادم إليك يا رب ،  أنا راجع إليك .
ب-وهو يرد الديون والحقوق للعباد، وكذلك الأمانات إلى أصحابها قبل أن يسافر، وكأنه يستعد تماماً للموت ، ويوم الحساب ، ثم يوصي أسرته بما يفعلونه إن لم يرجع ، فقد يكرمه لله تعالى بالموت هناك ، و لا يعود حقا ً.
ج-أن الحاج تودِّعه أفواج من الناس، تماماً كالأفواج التي تودعه وهو ميت، فتمشي في جنازته وتصلي عليه .
د- يرتدي الحاج ملابس الإحرام التي تشبه الكفن !!!
هـ-   الزحام الشديد من الناس على مختلف ألوانهم وأجناسهم من كل بقاع الأرض ، الذي يذكِّر بزحام يوم الحَشر.
و-العرق والجهد الذي يصيب الحاج، و الذي يذكِّر بالعرق والجهد الذي يصيب الناس يوم القيامة وهم واقفين ينتظرون بدء الحساب!!! 
ز- الحج هو العبادة الوحيدة التي يتفرغ لها الإنسان تماماً ويترك كل أمو دنياه ، وذلك لمدة أيام متتالية ، وهذا يشبه طول يوم القيامة " يوما ًعَبوساً قَمطريراً" : ( قمطريرا ً، أي طويلاً )
ح- إن السَّعي بين الصفا والمروة  في الحج يذكِّر بالسعي يوم القيامة إلى الأنبياء لكي يشفعوا عند ربهم لكي يبدأ الحساب ويخلصهم من الوقفة في الحر الشديد  .
ط- إن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإن لم تكن من أركان الحج ) تذكرك بلقاءك به صلى الله عليه وسلم عند حوض الكوثر ، فيسقيك- إن كنت من المتَّبعين لسُنته- من يده الشريفة شَربة لا تظمأ بعدها أبدا ً.
ورغم كل التعب والمال والوقت والجهد الذي يبذله الحاج لكي يؤدي الفريضة؛إلا انه يعود إلى بيته ، وهو مشتاق إلى تكرار أداء هذه الفريضة مرات ومرات !!!!
ولكن ما فائدة التذكير بيوم القيامة ؟!!!
لعلك تعلم أن كل المعاصي التي تُرتكب على وجه الأرض سببها إما عدم الاعتقاد بأن هناك بعث ، وقيامة ، وإما لأن الناس تنسى وسط زحام الحياة ومشاغلها أن هناك يوم للبعث والحساب والجزاء !!!
فالإنسان قد ينسى أنه سوف يُحاسَب على كل ما فعله منذ أول يوم تكليف(سن البلوغ) إلى لحظة موته .
يقول الله تعالى :  " وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحساب " فنسيان يوم الحساب يتسبب في ارتكاب الناس للمعاصي التي تؤدي إلى الضلال الذي يتسبب في العذاب الشديد في الدنيا والآخرة !!!
و لو أن الإنسان تذكر يوم الحساب وحاسب نفسه أولاً بأول كل يوم، لعاشت الكرة الأرضية في هدوء ونعيم وسلام ورخاء!!!
فلا ظُلم ولا سرقة ولا عقوق للوالدين، ولا تعدِّي على حقوق الزوجة أو الأولاد أو الجيران ....إلخ .
إذن فالهدف الأول والأساسي للحج  هو أن تتذكر يوم القيامة ، ولعل هذا هو السبب في بدء سورة الحج بالتذكرة بيوم القيامة !!!!
 يقول الله تعالى في أول آية من سورة الحج : " يا أيها الناسُ اتَّقوا ربَّكُم إنَّ زلزلةَ الساعةِ شيءٌ عظيم "
إذن لو تذكَّْرْتَ الساعة لاتَّقيتَ الله في كل معاملاتك !!!!
فليس الهدف من الحج هو أن تترك أهلك وبيتك وعملك، وتُنفق مالك، وتتحمل الكثير من مشقة السفر والتنقُّل بين المناسك...فالله تعالى غنيٌ عن كل ذلك...وإنما الهدف أن تتذكر الآخرة ، فتتقي الله ، فيكون جزاءك في الدنيا السعادة والراحة ، وفي الآخرة الجنة الدائمة إن شاء الله .
أما بقية منافع أو أهداف الحج؛ فهي أكثر من أن نُحصيها،ولكن على سبيل المثال نذكر منها :
2- ترسيخ فكرة وحدة الأُمة الإسلامية ، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي عظيم يجمع المسلمين من شتى بقاع الأرض ، وذلك مما يقوِّي الروابط بينهم ، ويعينهم على المزيد من الطاعة والعبادة... فحين ترى خشوع الأقليات الإسلامية من الآسيويين ، أو الإيرانيين ، أو الأفارقة  أو الشيشان  في صلاتهم تشعر بالخجل من نفسك ، وحين ترى حرصهم على تلاوة القرآن بإتقان ( أي بالحرص على إجادة أحكام التجويد) رغم أنهم لا يتكلمون اللغة العربية تشعر كم أنت مُقصِّر في حق كلام الله الذي تهجره فلا تتلوه إلا في رمضان ، بل  وتتكاسل عن تعلُّم أحكام تلاوته كما أُنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم !!!
وحين ترى مدى حرصهم على تعلُّم معانيه تحمد الله أنْ فَضَّلك عليهم بنعمة إجادة اللغة العربية قراءة وكتابة، مما يعينك ليس فقط على قراءة القرآن ، وإنما على قراءة التفسير،  وسائر كتب التراث القيِّمة التي تعينك على فهم دينك ... بينما هم ينتظرون الترجمات المختلفة التي قد تكون قاصرة .
3-يرجع الحاج وقد غُفرَت ذنوبه حتى تصير صحيفته بيضاء كيوم ولدته أمه (إلا من حقوق العباد)  ، مما يعطي أملاً كبيراً للمسلم فيلتزم بقية حياته ، ويفتح صفحة جديدة مع الله تعالى .
4- الحج يربي الحجاج ويربي الأمة الإسلامية كلها على اتِّباع أوامر الله سبحانه دون جدال أو اعتراض ، حين يرجم حجراً ، ويقبِّل حجر آخر، ويطوف حول حجر ثالث، دون مناقشة ثم هو يمتنع عن أشياء محللة له كقص الأظافر، والاغتسال، وغير ذلك من أعمال الحج التي يفعلها بطيب خاطر، ودون مناقشة .
 ثم بعد عودته من الحج يكون قد تدرَّب على الطاعة..فحين يعلم أن الرشوة حرام وان الرِّبا حرام، وأن الغِيبة حرام...يطيع ربه  دون مناقشة !!!!
وكذلك في كل أوامر الله تعالى ، ولو استمر المسلم على ذلك ، لفاز في الدنيا والآخرة .
5- ترسيخ معنَى المساواة بين المسلمين فلا فرق بينهم إلا بالتقوى،(إنَّ أكرمَكُم عند الله أتقاكُم )؛ وهو معنى رائع ...فكلهم بلباس واحد ، لا تمييز بين الوزير والغفير، ولا الغني ولا الفقير، ولا الحاكم ولا المحكوم ، ولا الصغير ولا الكبير ..الباكستاني بجوار المصري، بجوار الشيشاني ... لا قبَلية ولا عصبية ، الكل سواسية كأسنان المشط ، فلا فرق بينهم في الهيئة الخارجية، ولا في المناسك، ولا في المكان ولا في الزمان ....وهذا من أهم المعاني البِنائية للأُمَّة الإسلامية !!!!
6- التذكير الدائم بالحرب الدائمة مع الشيطان ،والعداوة القديمة مع الإنسان  منذ عهد آدم ، وإلى يوم القيامة ،وإصراره على أن يعد العُدة ليبعدنا عن الجنة ويقربنا من النار ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وذلك من خلال الرَّجم ثلاث مرات مختلفة لرمز لشيطان .
7-ترسيخ معاني التضحية في قلوب المسلمين:فالحاج يضحي بالكثير من المال( ولو شاء لأنفقه في أي شيء آخر من مَتاع الدنيا )، ويضحي بوقته (الذي يمكن أن يقضيه في العمل لكسب المال) ، ويضحي براحته ، ويضحي بالابتعاد عن بيته وأهله وأولاده ، ويضحي بتغيير عاداته اليومية التي يألفها  ..كل  ذلك من أجل إرضاء الله ؛ فحين يعود من الحج يكون أكثر قدرة على التضحية في سبيل الله بأشياء أخرى :
·        فلا يخجل من أن يدعو الناس إلى الله ، ولا يتحرج من أن يعبد الله وسط مجموعة من العُصاة فيكون كالشمعة التي لا يستطيع ظلام العالم كله أن يخفي نورها ،
·        ولا يتردد في التضحية بصَديق يعينه على المعصية ، واستبداله بصديق آخر يقرِّبه من الله ،
·        ولا يشعر بالخجل من التزامه بطاعة الله مهما كان رأي الآخرين فيه...وغير ذلك كثير 
8-التدريب على التقشُّف وعدم الرفاهية الزائدة، وعدم التعلُّق الزائد بالدنيا ، وذلك نراه واضحاً في ملابس الحجاج ، وأماكن إقامتهم، وطعامهم ، وتنقُّلهم الدائم  ...و لذلك لا أنصح بالحج السريع المرفَّه لأنه يحرم الحجاج من هذه المنفعة... فالأُمة المُتْرَفَة يا إخواني لا يُكتب لها النصر أبداً !!!
9- التدريب على التسامح ولِين الجانب والإيثار وترك الجدال...و لو استطاع الحاج أن يستمر بقية عمره كاظماً لغيظه ، متسامحاً ، غير مجادل ، مؤثِراً إخوانه المسلمين على نفسه ، لذاق السعادة والنصر في الدنيا والآخرة .
10-التجارة :أي البيع والشراء؛ وهي إحدى المنافع التي تنشط  في وقت الحج ، ...ولكن ينبغي للحاج أن يتنبه إلى أن تكون نيته الرئيسة هي أداء الفريضة أولاً وقبل كل شيء، ثم تأتي التجارة كشيء ثانوي أو جانبي ، لقوله تعالى : " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ  " .
ونصيحتي لإخواني الحجاج: ألا يضيِّعوا وقت الحج الثمين في شراء أشياء يمكن شراؤها من أي مكان آخر، في أي وقت آخر غير وقت الحج الذي يذهب الإنسان إليه مرة في العُمر !!!!
والآن هل علمت لماذا جعل الله تعالى الحج أحد أركان الدين الأساسية ؟
لأن الحج يثبِّت أركان الدنيا والدين ،ويسعد به المسلمون في الدنيا والآخرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة الارض لنا " كل ما يخص المسلم صاحب الهم والدعوة"

قناة الاقصي وتردد جديد